تُنفّذ جنيفر لورانس انسحاباً تكتيكياً. إذ شهد فيلمها "إكس مين: ذا دارك فينيكس" ("رجال إكس: عنقاء الظلام") الذي صدر في مثل هذا الوقت من السنة الفائتة، على تمزّق علاقاتها مع الأفلام التي تحقق نجاحاً كبيراً في الأسواق. وبذا، ودّعت لورانس الآلةَ الهوليوودية، حاضراً في الأقل. لقد استغلت وقت استراحتها بشكل حسن. فقد انخرطت في أعمال خيرية. وتنقلت مترنحة وثملة بين حانات المثليين بصحبة المغنية أديل. كان سبب توقفها مقتضباً وموجزاً، وتمثّل في أن العالم قد تعب منها. فكما أوضحت لمجلة "فوغ": "حتى الكائنات الفضائية متضايقة مني".
على هذا النحو يتشكّل مصير محبوبة أميركا، بمعنى أن تُنتزع من العزلة، ثم تلصق صورتها على غلاف كل مجلة، ويُقدّر لها لاحقاً أن تُكشف حياتها بطريقة لا يمكن تلافيها. اعتاشت صناعة الأفلام على صناعة توريد النساء شابات جميلات وبيضاوات البشرة يلائمن دوراً معيناً هو المرأة المرحة المتزنة التي تفصلها مع ذلك، خطوة واحدة عن الأنثى المثيرة جنسياً البعيدة المنال. إن محبوبة أميركا تكون شخصية مرغوباً فيها، لكنها لا تُعبد. في مطلع القرن العشرين، كانت ميري بيكفورد، وهي من أوائل النساء اللواتي حصلن على لقب محبوبة أميركا، تتقن لعبة البراءة وتكملها بشعرها الكثير التجعيد ووقفتها الحيية. وفي ثمانينيات القرن نفسه، دوخت مولي رينغوولد البلاد بضحكتها العريضة والصادقة.
تليق أدوار الفتاة المسترجلة التي لا تشكل تهديداً بلورانس، كأنها صُنعت من أجلها. وُلدت الممثلة في لويزفيل، بولاية كنتاكي، وترعرعت في مزرعة للخيول مع شقيقيها، ولعبت مع فريق كرة السلة المؤلف بالكامل من الصبيان في المدرسة. تخفف نبرتها اللطيفة وعيونها البراقة الفضولية من صفاتها الحادة. يمكن تشبيه صوتها بحشرجة منخفضة بفضل صدورها من طبقة القرار عند خروجها من الحنجرة. توحي الحشرجة على الفور بأن صاحبته تمتلك سنوات من الحكمة والبصيرة، وكذلك تناسب دور المُطارِدة أيضاً بفضل الحس الفكاهي السوداوي لديها وميلها للتلفظ بالشتائم. ويتعارض جسدها الممتلئ نوعاً ما، وفق نقاش أثير في أوقات سابقة، مع معايير هوليوود للنحول المبالغ به.
وعلى الشاشة، اشتهرت بلعبها أدوار النساء المخشوشنات والصلبات مثل كاتنيس إيفردين في سلسلة أفلام "ذاهَنغر غيمز" ("مباريات الجوع")، أو ري دوللي في فيلمها المذهل "وينترز بون" ("شتاء قاسٍ") الذي مر على صدوره عشر سنوات يوم الخميس الماضي. بعيداً من الشاشة، فهي سيدة الإدانة الذاتية. ومع ذلك، فإن المحبوبات اللواتي كن يَسُدْنَ خلال العقود الماضية كن يعشن في عالم مغاير تماماً. لم يجعل الإنترنت لورانس مباحة لجمهورها فحسب، بل جعل الوصول إليها سهلاً بطريقة غريبة. انتهى الأمر بتهميش إنجازاتها، ككونها أصغر ممثلة رُشّحت أربع مرات لنيل جائزة الأوسكار، وفوزها بتكريم الأكاديمية كأفضل ممثلة في دور رئيسي عام 2013 عن فيلم "سيلفر لاينينغ بلايبوك" ("المعالجة بالسعادة المُصحابة للمعاناة")، وتصدرها قائمة الممثلات الأعلى أجراً في عامي 2015 و 2016 معاً، بسبب كل البراهين الانفعالية على ترابطها مع الجمهور.
في كل صور الرسومات المتبادلة ومقالات القوائم والـ"مايم"، يتم تذكيرنا باستمرار على أنها "واحدة منا". هل تذكرون عندما كبت على وجهها خلال استلامها جائزة الأوسكار؟ ماذا بخصوص التقاط عدسات المصورين لها متلبسة عندما كانت تتجاوز صفاً من المقاعد وتحمل نبيذاً في يدها؟ هناك موقف، عبارة عن طرفة حدثت أثناء أحد اللقاءات، عندما صرخت بأعلى صوتها، "أين البيتزا؟"، لأنه لا يوجد شيء يضعنا جنباً إلى جنب مع نجوم الصف الأول المفضلين لدينا، أكثر من الهوس المتبادل بالوجبات السريعة. وجاءت الإجابة الشافية والوافية في إحدى حلقات برنامج "ساترداي نايت لايف" عِبْرَ إحدى فواصل "النزاعات العائلية للمشاهير" عندما أعلنت أريانا غراندي وهي تقلد لورانس، "لقد طلبوا مني ألا أشارك ببرامج المسابقات، لكنني قلت لنفسي "اللعنة، باستطاعتي الاستمتاع بعض الشيء، فأنا شخص عادي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد تشبّثت شبكة الإنترنت بكل لحظة صغيرة، وأعادت صوعها وتقديمها بوصفها إعلاناً عن الصدقية. تشكّل لورانس دليلاً على أنه في عصر الإفشاء الرقمي الشامل، لم يعد على المشاهير الاختباء وراء شخصيات مشذبة بعناية. لقد استُبدِلَت هالة الغموض المصقولة التي جعلت ساندرا بولوك أو ريز ويذرسبون، تبدوان على أغلفة المجلات كشخصيات لا يمكن المساس بها؛ بنسخة خام مرتجلة. عند ظهورها الأول على السجادة الحمراء في حفل "أكاديمية فنون وعلوم السينما" [الأوسكار]، بدت الممثلة متلهفة للاعتراف بأنها قد التهمت للتو شطيرة لحم بالجبنة.
عاد ذلك بمنفعة متبادلة على كل من الجمهور والنجمة معاً. إذ استطاع الجمهور أن يتصرف كأنه بأكمله صديق لإحدى أشهر النساء في العالم، بينما لم تعد لورانس نفسها مضطرة إلى كبح شخصيتها كُرمى لأي إنسان. مع مرور الوقت، بدأت التصدعات في الظهور على هذا التحالف. لم يعد كل فعل يصدر عن النجمة ليكتفي بأن يصير مجرد مادة خبرية، بل يتحوّل نقاشاً مفتوحاً بالكامل. انتاب العالمَ بشكل فجائي شعورٌ بأنه يمتلك الحق بإدارة أدق التفاصيل في حياة لورانس.
في فبراير (شباط) 2018، أثناء جولتها الصحافية على هامش فيلم "ريد سبارو" ("العصفور الأحمر")، ارتدت لورانس فستاناً أسوداً رقيقاً من أجل جلسة تصوير شتوية على سطح أحد الأبنية في لندن.
وأُحيطت بممثلين ذكور شاركوها البطولة، وقد تلفّعوا جميعاً بملابس دافئة ومعاطف صوفية. شكل ذلك تذكيراً غير رسمي بالفجوة بين ما يُتوقّع من الرجال والنساء، لكن تصرف وسائل الإعلام [حيال ذلك المشهد] أوحى بأن لورانس قد أُرغمت على الظهور بتلك الإطلالة تحت تهديد السلاح. بدأت التحليلات في الظهور الواحدة تلو الأخرى. في النهاية، أجبرت الممثلة على الرد عبر صفحتها على "فيسبوك" (التي نادراً ما كانت تُحدّث وقد حذفت الآن). وكتبت، "هدّئوا من روعكم أيها الناس. كل الملابس التي ترونني فيها من اختياري. إن هذا الموقف متحيز جنسياً، إنه سخيف، ليس هذا تصرفاً نسوياً. إنه يخلق تشتيتاً سخيفاً عن القضايا الحقيقية".
ثم جاءت اتهاماتها بالوقاحة. عندما استلمت جائزة "غولدن غلوب" لأفضل ممثلة عن فيلم "جوي" في 2015، استهدفت أحد المراسلين لاستعماله هاتفه خلال مؤتمر صحافي. ولاحظت ساخرة، "لا يمكنك العيش خلف هاتفك، يا أخي". لكن الإنترنت كوّنت رواية للحادثة تصر على أن اللغة الأم لذلك الصحافي لم تكن الإنجليزية، وقد استخدم هاتفه من أجل قراءة سؤاله. في المقابل، أكد أحد الحضور أن الصحافي المذكور عمل فعلياً على التقاط صور ومقاطع فيديو للممثلة. وفي حفل جوائز "بافتا" 2018، عندما استنكرت لورانس بطريقة مرحة توصيف جوانا لاملي لها بأنها "الممثلة الأكثر إثارة على هذا الكوكب"، تجاوبت أطياف من الجمهور البريطاني مع الموقف، كأن لورانس قد ارتكبت خيانة للتو. جرى التعامل مع الامتعاضات البسيطة والمناقشات الصادقة (حول علاقتها الخاصة بامتياز العرق الأبيض مثلاً) بإلحاح لاهث الأنفاس. لن يعاني الرجال في هوليوود أبداً من تدقيق على تلك الدرجة نفسها.
لقد طالبها العالم بالصدقية، لكنه رفض بعد ذلك أن يسمح للورانس بأن تصوغ هويتها الخاصة. نُسِجَتْ القصص حولها باستمرار. أهي جريئة ومتواضعة؟ أم "فتاة رائعة" جرى تركيبها بأسلوب ساخر؟ تتلخص مأساة لورانس في أنها صعدت إلى الشهرة في الوقت نفسه الذي بلغت فيه الإنترنت قمة هيمنتها، فيما لم يتعلم المشاهير بعد الوسائل التي يمكنهم بها تجييش المنصة عينها لاستعادة جزء من حس التحكم في كيفية رؤيتهم للعالم. (خذوا مثلاً العارضة كريسي تايغن، التي جعلت من "تويتر" مهنة ثانوية بشكل أساسي، بفضل نسختها الخاصة من الصدق غير المشذب). عندما تعود لورانس إلى التمثيل في نهاية المطاف، ربما ستجرب حظها في السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي. أو ربما سنكون نحن قد تعلمنا أخيراً كيف نكثر من تعاملنا معها كممثلة ترشحت أربع مرات لنيل الأوسكار، ونقلل من اعتبارها أنثى بديلة عن صديقتنا المفضلة اللعينة.
© The Independent