منذ أن علمت الأجهزة الأمنية في قطاع غزّة، نية بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي القيام بتظاهرات ومسيرات رافضة للوضع المعيشي في قطاع غزّة، بالتزامن مع الذكرى السنوية الـ 14 لسيطرة حركة "حماس" على القطاع بالقوة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية المبرمة عام 2006، شرعت تلك الأجهزة بحملة اعتقالات واسعة ضد كوارد حركة "فتح".
الاعتقالات سياسية
وبقلق، تابعت المؤسسات الحقوقية سلسلة الاعتقالات التي قامت بها الأجهزة الأمنية في غزّة، خصوصاً أنها جاءت على خلفية نية القيام بعمل سياسي، واعتبرت ذلك خرقاً للقوانين الدولية، وانتهاكاً صريحاً لحقوق الرأي والتعبير المكفولة وفقاً للأعراف والقوانين الفلسطينية.
ولم تكن هذه الحملة الأولى التي تقوم بها أجهزة "حماس" الأمنية، من خلال سلسلة اعتقالات طالت عدداً من كوادر حركة "فتح"، بل تكرر الأمر كثيراً منذ سيطرتها على القطاع، ولكن هذه المرة تعتقد المؤسسات الحقوقية بأن سلطة الأمر الواقع في غزة تقوم بالاعتقالات متعمدة ولأهداف سياسية بحتة.
ويرى المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان محمد عماد لـ "اندبندنت عربية" أن موضوع الاعتقالات السياسية مقلق جداً، لا سيما أن تلك الاعتقالات تأتي كرد فعل سياسي بين قطبي الوطن والفصيلين المتنازعين (حركتا "فتح" و"حماس")، بمعنى لو تمّ اعتقال أنصار حركة "حماس" في الضفة الغربية، فستقابلها حملة اعتقالات واسعة في قطاع غزّة لكوادر ونشطاء حركة "فتح".
حراك سياسي
المتحدث باسم حركة "فتح" في قطاع غزّة إياد نصر لفت بدوره إلى أن أجهزة "حماس" شنت حملة اعتقالات واسعة في صفوف كوادر "فتح"، وطالت أمناء سر أقاليم الحركة في مختلف مدن القطاع، إضافة إلى مناصرين لـ "فتح"، موضحاً أنّ ذلك يجري في إطار سياسة القمع والترهيب التي تمارسها "حماس" ضد سكان القطاع.
وبعد الرصد والمتابعة، تبيّن أن أجهزة "حماس" الأمنية شنت طوال الأسبوع الماضي، سلسلة اعتقالات لأبناء حركة "فتح"، واحتجزتهم أكثر من يوم داخل مقراتها الأمنية، وحققت معهم باستخدام القوة والعنف، ثمّ أطلقت سراح بعضهم.
والسبب وراء حملة الاستدعاء والاعتقال التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في غزّة، أتى على خلفية تجمّع عشرات النشطاء من قيادات وكوادر ومناصري حركة "فتح" في مكان عام، للمطالبة بتحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام في الذكرى الـ 14 للانقسام الداخلي الفلسطيني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
القوة البوليسية
ومن وجهة نظر وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزّة، قال المتحدث باسمها إياد البزم إن "الأجهزة الأمنية تعمل من أجل حماية النسيج المجتمعي، والحفاظ على حالة الأمن والاستقرار الداخلي، وتتخذ الإجراءات القانونية بحق كل من يسعى إلى إثارة الخلافات الداخلية أو إثارة الفتنة بين سكان غزّة، ويعمل على تهديد الأمن والسلم المجتمعي".
وعقّب على كلامه المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي محمد عماد معتبراً أن حملات الاعتقال التي قامت بها حركة "حماس" تستهدف لوناً سياسياً بعينه، وممارسات الأجهزة الأمنية تخالف حديثه، وقال إننا رصدنا استهداف كوادر وأعضاء حركة "فتح" في غزة بشكل متكرر خلال السنوات الـ 14 الماضية.
وأشار عماد إلى أن سلطة الأمر الواقع تحاول إضفاء الصبغة القانونية للاعتقالات من خلال التبرير واستخدام الحجج، لكن ذلك غير مقبول من ناحية القانون الفلسطيني، والعهد الدولي لحقوق الإنسان اللذين يؤكدان حرية الرأي والتعبير، لافتاً إلى أن ممارسات أطراف السلطة في الأراضي الفلسطينية تظهر النزعة البوليسية في الحكم.
وبحسب إفادات أحد المعتقلين المفرج عنهم، فإن الأجهزة الأمنية في القطاع حققت معهم حول نشاطاتهم المتعلقة بالتجمع السلمي، وكذلك الدعوة إلى إقامة مثل هذه النشاطات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
سلطة الأمر الواقع تخالف القوانين
وأوضح نائب مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان حمدي شقورة أن أجهزة "حماس" تصادر حرية التعبير والتجمع السلمي، وهي حقوق مضمونة بالقانون الأساسي الفلسطيني، بموجب المادتين (19و26)، ولا تجوز مصادرتها تحت أية ذريعة، مطالباً أجهزة "حماس" بالكف نهائياً عن أعمال الاعتقال والاستدعاءات على خلفية الانتماء السياسي، أو حرية التعبير.
منافية للقانون
وقال شقورة إن ممارسات أجهزة "حماس" منافية للقانون إذ لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي، كما يجب الإبلاغ عن كل من يلقى القبض عليه أو يتم توقيفه والأسباب، لكن ذلك لم يحدث في غزّة، ولا يقتصر الأمر على اعتقال الناشطين السياسيين، بل يتخطى ذلك إلى اعتقال الصحافيين، يقول تحسين الأسطل نائب نقيب الصحافيين لـ "اندبندنت عربية" مضيفاً إن حملة الاعتقالات السياسية التي قامت بها أجهزة "حماس" الأمنية طالت عدداً من الإعلاميين، وهذا يدل على استمرار انتهاكاتها واعتقالاتها التعسفية بحق حرية الرأي والتعبير في قطاع غزة.
ويرى المرصد الأورومتوسطي أن اعتقال الصحافيين دليل على السلوك البوليسي الذي تستخدمه سلطة الأمر الواقع في قطاع غزّة، مشدداً في الوقت نفسه على أن تقييد حرية العمل الصحافي مخالف للقانون الفلسطيني والدولي بل من المفترض توفير الضمانات للعمل الصحافي.