الـ "لولار" أو "الدولار اللبناني"، هو مصطلح اقتصادي جديد، أُضيف إلى معجم المصطلحات الاقتصادية التي برزت خلال الأزمة التي تعصف بلبنان، فقد تعددت أخيراً أسعار صرف الدولار الأميركي، وتراوح هامشها بين 1500 ليرة لبنانية كسعر صرف رسمي، و 5000 ليرة في السوق الموازية.
وتشير مصادر في المصرف المركزي (مصرف لبنان) إلى أنه "نتيجة عمق الأزمة السياسية، وتأثيراتها النقدية، إضافةً إلى استمرار تهريب الدولار، والمواد المستوردة والمدعومة من مصرف لبنان، فقدَ الأخير قدرته على التدخل في السوق للجم انفلات سعر صرف الدولار. وبات تدخله محدوداً يهدف إلى تخفيف الآثار السلبية عن المواطن من جهة، ومحاولة الحصول على العملات الأجنبية، ومنع خروجها من لبنان من جهة أخرى".
المضاربة المحمية
أضافت المصادر ذاتها أن "تدخل المصرف المركزي مع المصارف الخاصة لرفع قيمة الدولار بالنسبة للودائع الخاضعة للقيود، إلى 3000 ليرة، هو لتخفيف خسائر المواطن بين قيمة الدولار الحقيقية في السوق التي تسعى أيضاً إلى التخفيف منها مع الصرافين الشرعيين إلى حدود 3500"، مشددةً على أن "المضاربات الجارية من خلال السوق السوداء، وبعض الصرافين غير الشرعيين هي التي تجهض خطة حاكم مصرف لبنان".
ونفت مصادر المركزي أن تكون السياسة المصرفية هي التي تسببت في تعدد أسعار الدولار بهذا الشكل الكبير، مؤكدةً أن استمرار اعتمادها رسمياً سعر صرف عند 1500 ليرة لبنانية، هو لضبط أسعار المواد الأساسية، مشيرةً إلى أنه لو رفع "مصرف لبنان" رسمياً سعر الصرف إلى 3000 ليرة، ستتضاعف فوراً كل الأسعار، مستشهدةً بسعر صفيحة البنزين الذي سيبلغ حينها حوالي 50 ألف ليرة، إضافة الى أن تسليفات المواطنين ستتضاعف.
وأكدت المصادر بأنه لولا وجود سوق سوداء "محمية" من بعض القوى النافذة، لكان هناك سعران للدولار، الأول رسمي، والآخر يتراوح بين 3000، و 3500 ليرة، ولما وجِد مصطلح الـ "لولار" المستجد الذي يشير إلى الودائع بالدولار في المصارف الخاصة.
الأثر المُضاعف
في المقابل، ترى مصادر معارِضة للسياسات النقدية التي يتبعها "مصرف لبنان"، أن مصطلح الـ "لولار" بدأ بسبب اعتماد عملية الأثر المُضاعف لدى مصارف خاصة عدة، تسعى إلى استقطاب الدولارات من الخارج وتتم مضاعفتها رقمياً بحيث تصبح أموالاً افتراضية، ولا توجد مقابلها نسبة كافية من العملة الورقية إذا أُريد استبدالها، الأمر الذي تسبب بفقدان قيمة الودائع بالدولار لدى المصارف.
وكشفت المصادر ذاتها أنه على الرغم من إعلان توقيف عملية الأثر المُضاعف للدولارات النقدية، إلا أنها لا تزال ناشطة سراً، حيث تراوحت المضاعفة بين 2.1 و2.7 للدولار، وذلك حسب المصرف، والقيمة المالية مشيرةً إلى أنه "في حال كنت تملك 100 دولار نقداً يمكنك إيداعها وفق هذه الآلية في حساب مصرفي فتصبح حوالي مئتي "لولار" حسب المصطلح غير الرسمي".
الدولار المحلي والأجنبي
يوضح المحلل الاقتصادي جاسم عجاقة أن إطلاق مصطلح الـ "لولار" على الودائع في المصارف اللبنانية هو للتمييز بينها، وبين الأخرى النقدية بالدولار الأميركي، حيث بات هناك فرق في قيمة الدولارات المحولة من الخارج، وتلك الموجودة نقداً بأيدي المواطنين، وبين الأخرى المحتجزة في المصارف.
ويشرح الآلية التي اعتمدتها المصارف، حيث أنها توقفت نهائياً عن تسديد السحوبات بالدولار للمواطنين واستبدلتها بسقوف معينة على سعر 3000 ليرة للدولار، وفي حال تجاوز العميل السقف الشهري المسموح يستكمل الشطر الثاني على السعر الرسمي وهو حوالي 1500 للدولار، معتبراً أن هذه الآلية أدت إلى تدني قيمة الدولار في المصارف كون سعر الصرف في السوق الموازية يتجاوز 5000 ليرة مقابل الدولار.
انهيار تام
برأي وزير الاقتصاد والتجارة السابق، النائب الأول لحاكم مصرف لبنان السابق ناصر السعيدي، فإن "القيود على الأموال المنقولة بما فيها الودائع بالعملات الأجنبية في المصارف، تؤدي إلى فارق بين قيمة الموجودات في الدولة وخارج الدولة، فما يُسمى بالـ "لولار"، أو "الدولار اللبناني"، هو نتيجة طبيعية لتلك القيود"، مشيراً إلى أن "هذا الأمر يحصل في لبنان بشكل غير قانوني يؤدي إلى عشوائية في النظام المالي، والمصرفي ويؤدي إلى التشوهات التي نراها في سعر صرف الليرة في الأسواق".
وقال السعيدي إن "لبنان بات على أبواب انهيار تام لسعر الصرف العام، في حال عدم حصول اتفاق مع صندوق النقد الدولي على الإصلاحات المطلوبة"، معتبراً أن "تدخل مصرف لبنان نقدياً في السوق لن ينفع لأن قدرته باتت محدودة"، مضيفاً أن "الحقيقة المُرّة هي أن مدخرات اللبنانيين وجنى عمرهم في طور التبخر إذا لم تحصل الإصلاحات المطلوبة في أسرع وقت".
وفي معرض رده على أوجه التشابه بين الأزمة الاقتصادية في لبنان، ونماذج الأزمات العالمية الأخرى، قال إنه "لا تجوز مقارنة ما يحصل في لبنان بنموذجي قبرص، أو اليونان، إنما هناك بعض أوجه الشبه بما حصل في الأرجنتين، وفنزويلا، وغيرها من الدول ذات الاقتصادات المدولرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"المركزي" فقد قوته
من ناحية أخرى، لفت المحلل الاقتصادي والمالي، الدكتور إيلي يشوعي إلى أن "تعدد أسعار الصرف للعملات الأجنبية هو إشارة واضحة إلى أن البنك المركزي في هذه الدولة فقدَ قوته وأصبح أضعف من قوى السوق، وبالتالي يقتصر تدخله على محاولة تنظيم السعر لكل قطاع على حدة، وينتج عن ذلك سعر صرف للبنوك مختلف عن سعر الصرف الرسمي، أو سعر الصرف الحقيقي المرتبط بالعرض والطلب"، مشيراً إلى أن "تفاعل العرض والطلب في السوق هو المعيار الحقيقي لتحديد نتيجة السعر الحقيقي للعملة المحلية تجاه أي عملة أخرى".
واعتبر يشوعي أن "ما يحصل في لبنان يدل صراحةً على تخبط المصرف المركزي، وضعفه في ضبط هذه المسألة، ومحدودية قدرته على التدخل في السوق لضبطها"، مضيفاً أن "نظام لبنان الاقتصادي حر، وهو اقتصاد سوق، وكان يُفترض أن يبقى البنك المركزي هو الأقوى في سوق القطع"، مشيراً إلى أن "سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار بات بلا سقف محدد، وهو مرشح لمزيد من التدهور. وشهدنا في دول مختلفة تجارب مماثلة"، مستذكراً أن "لبنان كان في سبعينيات القرن الماضي يملك عملة دولية، وكان يقرض الأسواق الدولية بالليرة اللبنانية"، متأسفاً "للانهيار الدراماتيكي الذي شهدته العملة الوطنية خلال العقود الماضية".
الـ "زولار" أيضاً
في نموذج قد يكون شبيهاً لقضية الـ "لولار"، تقول صحيفة الـ "إيكونيميست"، إن زيمبابوي اعتمدت الدولار المحلي تحت اسم الـ "زولار" منذ عام 2015 بسعر صرف عائم، بعدما انخفضت قيمة العملة بنسبة 60 في المئة، وبعد عجزها عن استقطاب دولارات كافية لتمويل الإنفاق، حينها كان مسموحاً التداول بالدولار والعملات الأجنبية الأخرى في البلد، فقامت السلطات بـ "صناعة عملة محلّية، حُوّلت إلكترونياً إلى حسابات المودعين بالدولار، مع زعم أنها مطابقة للدولار الأصلي".
ووفق الـ "إيكونيميست"، فإن الزبون حين يسحب أمواله من المصرف، فلن يحصل على "العملة الخضراء"، بل الورقة التي أصدرها البنك المركزي في زيمبابوي". وكان يوجد في النظام المصرفي في ذلك البلد الأفريقي قرابة 9.7 مليارات دولار من الودائع بالـ "زولار"، وفقط 660 مليون دولار أصلي. وبقيت الحكومة مُصّرة على روايتها بأنّ كلّ "زولار" يُساوي دولاراً واحداً، إلى أن اضطرت بعد تأزّم الوضع إلى الكشف عن خديعتها.