لماذا ترتفع أسهم "وول ستريت" بينما يحترق الشارع الرئيس؟ سؤال طرحته شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، التي تحدثت عن نمو حالة من الانقسام بين "وول ستريت" والشارع الأميركي بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة، وسط تفشي جائحة فيروس كورونا والاضطرابات المدنية الواسعة النطاق. وأضافت شبكة الأخبار "بالنسبة إلى الكثيرين، برز صعود السوق كسبب وأعراض للفجوة الآخذة في الاتساع بين من يملكون ومن لا يملكون".
وأضافت أن مؤشر "داو جونز" الصناعي ارتفع بأكثر من 400 نقطة، حيث تعافى "ستاندرد آند بورز 500" الآن بنسبة 40 في المئة من أدنى مستوياته في مارس (آذار) الفائت. ومع ذلك، فإن الملايين من العمَّال وأصحاب الأعمال الصغيرة يكافحون من أجل التغلب على تداعيات وباء كورونا والاضطرابات المدمرة اقتصادياً التي أعقبت وفاة جورج فلويد على يد شرطة مينيابوليس والتي جعلت شاشات التلفزيون والقنوات الإخبارية الأميركية تعج بصور السيارات المحترقة ونوافذ المتاجر المحطمة وصور النهب التي تعرضت لها مدن أميركية.
قال مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في مؤسسة "موديز أناليتيكس" لشبكة "إن بي سي نيوز"، إن "سوق الأسهم تمثل ثروات حظ، وطالما صنّاع القرار في البلاد يشعرون أن الاقتصاد لن يتأثر بشكل كبير بسبب أعمال الشغب، فلن يُسعّروا ذلك في سوق الأسهم".
قانون "كاريس" كسر تراجع السوق
من جانبه قال ويلي ديلويش، استراتيجي الاستثمار في "بيرد"، "أعتقد أنه مجرد افتراض في هذه المرحلة من الاضطرابات القائمة التي أتوقع أن تنحصر في عدد قليل من المدن أو قد لا تدوم طويلاً بما يكفي ليكون لها تأثير، لقد تم كسر تراجع السوق في مارس الماضي بسبب التدخل النقدي والمالي القوي من الاحتياطي الفيدرالي وقانون "كاريس" CARES، ولا يزال مدعوماً بالخطوات المتخذة لدعم النظام المالي".
وكان الكونغرس الأميركي أصدر قانون مساعدة مكافحة فيروس كورونا والإغاثة والأمن الاقتصادي "كاريس"، بدعم ساحق من الحزبين، ووقع عليه الرئيس ترمب في 27 مارس الماضي. ويضفي رزمة الإغاثة الاقتصادية هذه التي تزيد على 2 تريليون دولار على التزام إدارة ترمب بحماية الشعب الأميركي من الصحة العامة والآثار الاقتصادية لـ"كوفيد-19".
ويوفر هذا القانون مساعدة اقتصادية سريعة ومباشرة للعمال الأميركيين والعائلات والشركات الصغيرة، ويحافظ على الوظائف في الصناعات الأميركية.
الشركات الصغيرة لا تزال تكافح
وقالت كريس رومال، مساعد التعليم الخاص في روتشستر، نيويورك، "هذا يجعلني غاضبة لأننا أنقذناهم في عام 2008. إنهم هنا فقط بسبب ما فعلته الحكومة، مدخراتي التقاعدية أنا وزوجي لم تتعاف إلا أخيراً من هذا الانهيار، لقد عدنا للتو من تلك الأزمة المالية لعام 2008".
وتكافح الشركات الصغيرة مع عمليات الإغلاق التي فرضها البقاء في المنزل بسبب تفشي فيروس كورونا إلى جانب الاحتجاجات التي أعقبت مقتل فلويد، وما أعقبها من إتلاف للممتلكات جراء أعمال الشغب والنهب. وعبرت رومال عن إحباطها من أن "وول ستريت" لا تفعل المزيد لمساعدة الشوارع الرئيسة في جميع أنحاء البلاد. وقالت إن تلك المهمة، على ما يبدو، تُركت للأميركيين العاديين، وكثير منهم يواجهون انعدام الأمن المالي بأنفسهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب محللين، فإن السياسة النقدية امتصت الصدمات مما خفف من هبوط السوق. وقال مارك زاندي "يعرف المستثمرون أن مجلس الاحتياطي الاتحادي سيفعل كل ما يلزم للحفاظ على السوق من الانهيار، وهذا يوفر أرضية صلبة ويقود السوق إلى أعلى".
وقال سمير سمانة، كبير المحللين الاستراتيجيين للسوق العالمية في معهد ويلز فارجو للاستثمار لـ"إن بي سي نيوز"، إن نفوذ البنك المركزي في الشارع الرئيس محدودة لأنه يعتمد على البنوك.
وأضاف أن الأدوات الوحيدة المتاحة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي هي خفض أسعار الفائدة وتوفير السيولة. وأضاف أن المشكلة هي أنهم لا يستطيعون السيطرة على أين تذهب تلك السيولة، وربما جزء جيد من تلك الأموال انتهى به الأمر إلى إيجاد طريقه إلى الأصول المالية.
وأشار مراقبون إلى أن الحدث الوحيد الذي قد يثقب الفقاعة في السوق سيكون إذا نجح الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تهديداته بإرسال قوات أميركية إلى المدن. وقال ديلويش "إن التأثير النفسي لرؤية وجود أقوى للشرطة أو وجود عسكري في المدن، سيثير قلق المستثمرين أكثر من طمأنتهم".
اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء
وقال زاندي "إذا أسفرت الاضطرابات عن تصعيدٍ مثل إعلان الأحكام العرفية أو نشر الجيش في شوارع المدن الأميركية الكبرى، فقد يكون ذلك كافياً لنشر الذعر بين الناس".
حتى المدخرين المتقاعدين الذين يسعدهم أن يروا محافظهم تنتعش غير مرتاحين. وعبر دوج هانغليتر، المتخصص في تكنولوجيا المعلومات في ضواحي فيلادلفيا، عن قلقه من التداعيات الطويلة المدى التي تحدثها سياسات مثل التخفيضات الضريبية على تسريع الدخل، إذ قال "الأغنياء يزدادون ثراءً، والأغنياء لديهم المال للاستثمار"، وهذا يعكس عدم المساواة.
وقال لشبكة "إن بي سي نيوز"، "يسيء الناس فهم ما يجري في السياسة الأميركية". اعتدت أن أكون متحفظاً للغاية، البقاء للأصلح. وأضاف "صوتت لترمب، والآن ومع التفاوت في الدخل، نحن بحاجة إلى القليل من الاشتراكية في بلادنا، فقط من أجل البقاء، وأنا على استعداد لرفع ضرائبي إذا تم استخدام الأموال بحكمة".
الاستجابة الاقتصادية قد لا تكون الفصل الأخير
وكان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، قال يوم الأربعاء الماضي، إن الكونغرس، وليس الاحتياطي الفيدرالي، قد يحتاج إلى ضخ المزيد من المساعدة المالية لتوجيه البلاد خلال الوباء الذي تسبب بالفعل في "مستوى من الألم يصعب استيعابه بالكلمات". وأشاد بالمشرعين لاتخاذهم إجراءات سريعة، لكنه أقر بالحاجة إلى مزيد من التحفيز.
وقال باول صباح ذلك اليوم خلال مؤتمر عُقد عبر الفيديو مع معهد بيترسون للاقتصاد الدولي "هناك شعور متزايد بأن الاقتصاد قد يتعافى بشكل أبطأ مما نود".
وبينما خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة إلى ما يقرب من الصفر ونفّذ سلسلة من إجراءات تخفيف الأزمات التي تدعم الإقراض والسيولة، قال باول إن "الاستجابة الاقتصادية" في الوقت المناسب والكبيرة بشكل مناسب من قبل البنك المركزي قد لا تكون الفصل الأخير.
وأشار إلى أن نطاق وسرعة الانكماش الاقتصادي "أسوأ بكثير من أي ركود منذ الحرب العالمية الثانية"، لكنه لا يزال يرفض الدعوات لرفع أسعار الفائدة. وحتى قبل تفشي جائحة "كوفيد-19"، شجع الرئيس الأميركي دونالد ترمب وبعض خبراء السياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي على النظر في أسعار الفائدة السلبية لتعزيز الاقتصاد.
وتابع "أعلم أن هناك معجبين بالسياسة، لكن في الوقت الحالي ليس هذا الأمر الذي نفكر فيه"، مضيفاً "نعتقد أن لدينا مجموعة أدوات جيدة وهذا هو ما سنستخدمه".