على الرغم من المقاطعة الواسعة، يصرّ رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون على المضي باللقاء الحواري في موعده و"بِمَن حضر". وتشير مصادره إلى أن مَن يقاطع، عليه أن يتحمّل المسؤولية أمام الوطن والشعب والتاريخ، مشدّدةً على أن هدف اللقاء هو التفاف الأطراف حول رفض الفتنة وتحصين الوحدة الوطنية. وقد أنجزت دوائر رئاسة الجمهورية الترتيبات اللوجستية والبروتوكولية والإعلامية الخاصة باللقاء.
وكان القصر الرئاسي وجّه الدعوات إلى 20 شخصية متوزعة بين رؤساء جمهورية وحكومات سابقين ورؤساء الكتل النيابية والأحزاب الفاعلة، إلّا أنّ نصف المدعوّين أعلنوا المقاطعة. فتحوّل اللقاء إلى حوار الفريق السياسي الملحق بتحالف التيار الوطني الحر و"حزب الله"، مع تسجيل خرق وحيد سجّله رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي يشارك وفق المعلومات بناء على تمنّي رئيس مجلس النواب نبيه بري وانسجاماً مع موقفه المبدئي بتلبية أي دعوة حوار.
وأشار النائب بلال عبد الله إلى أن مشاركة جنبلاط في لقاء بعبدا تقرّرت منذ البداية، مضيفاً أن قيادة الحزب الاشتراكي لم تحسم بعد مستوى تمثيلها. وشدّد على أن "الناس قلقة على مستقبلها، ونحن أمام أزمة كيانية، والفرصة ليست مناسبة لتسجيل نقاط"، مردفاً أنه "لن نوافق على تحميل الثورة مسؤولية الفتنة، ولا يمكن تحميل الناس مسؤولية أزمة النظام، ومن غير المسموح لأحد شيطنة الانتفاضة".
ووفق مصادر قيادية في الحزب الاشتراكي، فإنه سيحاول طرح مجموعة من النقاط على المتحاورين في بعبدا، لا سيما "قانون قيصر" وتداعياته على لبنان وقضية التهريب على الحدود، إضافةً إلى استمرار الهدر في الكهرباء وعدم الاستجابة إلى مطالب صندوق النقد الدولي بإجراء إصلاحات عاجلة في القطاع.
وأضافت مصادر الاشتراكي أن الحزب يضع الهاجس الأمني على رأس أولويّاته، ويسعى من خلال حوار بعبدا إلى إيجاد مساحة لربط النزاع مع القوى الأخرى ضمن ضوابط الاستقرار.
رحيل "الفريق الحاكم"
رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كان آخر المعتذرين عن المشاركة في لقاء بعبدا، قائلاً "تلقّينا منذ أيام دعوة إلى اجتماع جديد في بعبدا وتوقّفنا طويلاً لندرك ما هدف الاجتماع ولم نستطع معرفته، فالوضع في البلد في مكان والمسؤولون في مكان آخر تماماً. كل ما يهمّ الشعب هو لقمة العيش التي لا يمكنه الحصول عليها"، سائلاً "ماذا بقي من لبنان الذي نعرفه؟".
وتوجّه جعجع إلى رئيس الجمهورية، قائلاً "يا فخامة الرئيس، السلطة عندكم وعليكم التدخل عند الإخلال بالأمن وحتى اليوم نسأل لماذا لم تتدخلوا حتى تم تكسير نصف بيروت. لِمَ هذه الدعوة؟ ما هدفها؟". وإذ اعتبر أن الهدف من الدعوة هو ذرّ الرماد في العيون"، دعا الفريق الحاكم إلى الرحيل بعدما فشل فشلاً ذريعاً.
حوار بلا ميثاقية!
وكانت كتلة المستقبل النيابية قد أعلنت عدم مشاركتها في لقاء بعبدا "اعتراضاً على عجز العهد وحكومته عن إدارة الوضع العام في البلاد بكل مستوياته". وبذلك تكون الكتلة قد لاقت موقف رؤساء الحكومات السابقين، الذين يعتبرون أن "الاجتماع من دون أفق" وأن الدعوة والهدف منها في غير محلّهما ويشكّلان مضيعةً لوقت الداعي والمدعوين".
وتشير مصادر رؤساء الحكومات السابقين إلى أنه كان على رئيس الجمهورية تلقّي رسالة المقاطعة من قبل ممثلي الطائفة السنية بشكل واضح وتأجيل اللقاء حتى نضج الظروف المناسبة وبعد الاتفاق على عناوين للحوار بدل تجاهل طائفة بكاملها وضرب الميثاقية المتعارف عليها بين مكوّنات المجتمع اللبناني، منتقدةً اعتبار الرئيس أن الطائفة ممثلة من خلال النائب فيصل كرامي الذي يرأس كتلة نيابية تابعة لـ"حزب الله"، أُنشئت لاختراق الطائفة السنية.
ورأى القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش أن غاية الدعوة إلى هذا اللقاء، هي محاولة توزيع مسؤولية الفشل بين من يتحمّلها حقيقة ومن لا يتحمّلها لإغراق الجميع أو التنصّل من المسؤولية، ملقياً على رئيس الجمهورية تبعات وصول الأمور إلى هذا الواقع. واعتبر أن إصرار عون على اللقاء بِمَن حضر، يأتي لأن تراجعه أمام حالة ميثاقية، يعني التسليم بانهيار عهده.
وأشار إلى أن هذه الدعوة هي محاولة للحصول على تغطية وطنية شاملة للممارسة والأداء الفاشلَيْن للفريق الرئاسي والحكومة والتجاوزات الدستورية على اختلافها.
هروب الى الأمام
في المقابل، أسف عضو تكتل "لبنان القوي"، النائب آلان عون، لتوالي الاعتذارات عن حضور اللقاء، مشدّداً على أن "منطق الحوار يجب أن يُعتمد دائماً مهما اشتدّت الخلافات السياسية" ولافتاً إلى "وجوب مواجهة التحدّيات يداً واحدة، لأن تداعيات الأزمة تطاول الجميع من دون استثناء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف زميله في الكتلة ذاتها النائب فريد البستاني أن "حضور اجتماع بعبدا الذي دعا إليه الرئيس عون واجب وطني، خصوصاً في خضمّ الوضع المصيري الذي يمرّ به لبنان"، داعياً الذين أعلنوا مقاطعتهم الاجتماع إلى إعادة التفكير في موقفهم ووضع الخلافات جانباً وإعلاء المصلحة الوطنية فوق الاعتبارات.
في حين رأت مصادر التيار الوطني الحر أن توالي الاعتذارات عن المشاركة في اللقاء الوطني هو دليل على استمرار بعض القوى بالتنصّل من مسؤولياته الوطنية ومحاولات بائسة لحشر الرئيس وتسجيل النقاط.
ورطة بري؟
في السياق، أشارت المعلومات إلى أن بري هو من اقترح على عون الدعوة إلى لقاء وطني، وذلك خلال اللقاء الرئاسي الثلاثي الأخير الذي عُقد في بعبدا غداة الارتفاع الجنوني في سعر الدولار إلى حدود السبعة آلاف ليرة الذي فجّر غضب الشارع في بيروت والمناطق واستدعى عقد جلسة طويلة لمجلس الوزراء دارت وقائعها صباحاً في السراي الحكومي وبعد الظهر في القصر الجمهوري وقطعها لبعض الوقت لقاء بين عون وبري ورئيس الحكومة حسان دياب.
وبحسب المعلومات، فإن الرئيس بري تكفّل لعون إجراء الاتصالات لتأمين حضور جامع في "اللقاء الوطني"، بعدما أبدى الأخير تخوّفه من عدم مشاركة بعض المدعوين من رؤساء حكومات سابقين وقادة بعض الكتل النيابية.
تظاهرات غاضبة
من جهة أخرى، تستعدّ مجموعات منضوية في الانتفاضة الشعبية لسلسلة تحركات بالتزامن مع انعقاد "الحوار الوطني". واعتبرت مصادر في الحراك أن توالي الاعتذارات عن المشاركة "جعل وكأن الرئيس يحاور نفسه". فهو يتحاور مع شركائه، في حين يعتكف معارضوه والشارع يتظاهر، مطالباً بحدّ أدنى من حقوقه ورافضاً الهيمنة الأحادية التي تُمارس من جانب تحالف عون (الأمين العام لـ"حزب الله" حسن) نصر الله.
وأضافت "هذا الفشل يأتي ليكشف العهد أكثر أمام الرأي العام المحلي والخارجي، ويُسقط من يده ورقةً أرادها ربّما ليستر بعضاً من الإخفاقات عن عيون الداخل والخارج".
وتؤكد المصادر ذاتها أن التظاهرات ستكون على مداخل القصر الجمهوري، "للمطالبة باستقالة حكومة إفلاس لبنان وتأليف حكومة مستقلة بالفعل تحظى بثقة الشعب اللبناني واستقالة رئيس الجمهورية ووضع خطة للنهوض الاقتصادي وتحديد المسؤوليات وحماية الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود وضمان ودائع المواطنين في المصارف وتعزيز استقلالية القضاء، إضافةً إلى العمل الجدّي على استعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين وإعداد قانون انتخابات عادل بإدارة مستقلة وإجراء انتخابات نيابية بأسرع وقت ممكن".