تدرس لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في مجلس الشورى السعودي توصية تدعو وزارة العدل إلى إلزام المحاكم وضع آلية للتأكد من علم الزوجة في حال ارتباط زوجها بعقد زواج آخر أسوة بما تم إقراره مؤخراً (إشعارها حال قيام زوجها بتطليقها)، وقد اشترك في هذه التوصية محمد النقادي، ونورة المري، وجاء في مسوغاتها الحفاظ على الأسرة، والأبناء وفق النظام الأساسي للحكم، كما أن الإسلام حث على إشهار الزواج، وجعله أحد شروط نجاح العقد. ومن باب أولى إبلاغ الزوجة، خصوصاً أنها ستصبح طرفاً فيه بحكم وجود الأبناء وحقوق الورثة. وأشار المقترح أن الإشهار شرط للزواج الشرعي، وأنه يجب أن تكون الزوجة الأولى ضمن من يتم إعلامهم بارتباط زوجها بأخرى، لأن اشتراط الإشهار يدل على نفي السرية في الزواج.
وأوضحت مبررات التوصية أن الأساس في عقد النكاح الصدق، وعدم الغش والتدليس، لأنه في حال عدم معرفة المرأة بارتباط زوجها بامرأة أخرى قد يلحق بها الضرر وبالأبناء، إضافة إلى أن الزواج السري له آثار سلبية حتى على الزوجة الثانية، وعلى أبنائها، مبينه وفقاً لما نشر في صحف محلية أنه في كثير من الحالات يحرم الأبناء من التعليم، والحقوق بسبب السرية في الزواج.
وعلى الرغم من أن التوصية المطروحة للنقاش والتداول في مجلس الشورى، تم تأجيلها من قبل اللجنة المختصة إذ طلبت إخضاعها لمزيد من الدراسة، وتقديمها بعد الانتهاء من كافة التفاصيل على هيئة تقرير متكامل، إلا أن آراء الشارع السعودي تباينت بين مؤيد، ومعارض لإعلام الزوجة بزواج زوجها عليها.
حق للمرأة
رأت عضو في المجلس التنفيذي ولجنة الثقافة والنشر في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية سهيلة زين العابدين أن من حق المرأة أن تعلم بزواج زوجها من امرأة أخرى، وقالت "الحياة الزوجية قائمة على الصراحة والصدق، وهما الأصل في عقد أي نكاح. وزواج الرجل من امرأة ثانية على زوجته دون علمها إخلال بمبدأ الصدق والعدل الذي قام على أساسهما عقد النكاح".
مضيفةً أن إعلام المرأة بالزواج الثاني يأتي حفظاً للحقوق، فلها حق أن تعلم بنية زوجها قبل زواجه، وإخبارها من المحاكم الشرعية بذلك قبل زواجه، وفي هذا حفظ لحقوق الزوجة الأولى والثانية أيضاً، لأنها قد تنجب الأطفال الذين يصبحون إخوة لأبناء الزوجة الأولى. مبينةً أن إقرار المحاكم الشرعية بخطوة إخطار المرأة بطلاقها في رسالة نصية قرار منصف وعظيم ولكن يجب أيضاً أن يكون لها ذات الحق في حال رغبة الزوج في التعدد قبل أن يتم عقد قرانه فليس من العدل أن يعقد الزوج قرانه بزوجة أخرى دون أن تعلم الزوجة الأولى، وكأن هناك إنصافاً للرجل، وظلماً للمرأة "حسب قولها"، مشيرةً إلى أنه يجب إقرار موافقة الزوجة الأولى على زواج زوجها من امرأة أخرى، أو التأكد من أنها تعلم بهذا الزواج، فهذا حق شرعي كفله الشرع لها حتى لا تقع ضحية للغش والتدليس.
الإشهار شرط أساسي
في سياق متصل ذكرت المحامية بيان زهران أنه من الناحية الشرعية يشترط لإتمام أي زواج الإيجاب، والقبول، وشهود، وإشهار. والإشهار هنا يتوجب أن يعلم بهذا الزواج الجميع بمن فيهم الزوجة الأولى، وقالت "فعلى الرغم من أنه لا يوجد هناك نص شرعي يثبت حق وجوب معرفة الزوجة الأولى بزواج زوجها من امرأة أخرى، إلاّ أن اشتراط الإشهار يدل على نفي السرية في الزواج، لاسيما أن طبيعة المجتمعات في السابق كانت تقوم على مبدأ التقارب، فالجميع يسكنون القرية الواحدة، والجميع يعلم بأي زواج يتم، إلاّ أن هذا تغير في ظل ازدياد أعداد الناس، وظهور الكثير من مسميات الزواج كالمسيار، وغيرها حتى أصبح بند الإشهار لا يعرف على مستوى المدينة، مضيفةً أن عدم علم الزوجة بزواج زوجها من امرأة أخرى ليس إسناداً معتداً به في إقامة رفع قضية الطلاق على الزوج في حال رفضها للزواج الثاني، فالقاضي هنا لا يعتمد على اعتراضها بعدم معرفتها إلاّ بشرط أن تكون الزوجة قد اشترطت على زوجها في عقد النكاح أن لا يتزوج عليها من امرأة أخرى، ووافق على ذلك، مبينةً أنه في مثل هذه الحالة يفسخ عقد النكاح بموجب الشرط، ولكن في الحالات الأخرى التي لا يتم الاشتراط فيها قبل الزواج لابد أن يتم ربط الزواج الثاني بحدوث الضرر في حال رغبة الزوجة الأولى بالطلاق وهذا الضرر يتخذ عدة صور، كضررها من غيابه الكثير عن بيت الزوجية، أو هجره لها، وكان بسبب زواجه من أخرى، مشيرةً إلى أن عدم العلم بالزواج الثاني لا يعتبر أساساً للطلاق، وليس هناك حكم شرعي بضرورة إخبار المرأة بزواج زوجها.
"كبار العلماء": كتمان الزواج الثاني يجوز
في السياق ذاته أبدى علماء وأعضاء في هيئة كبار العلماء آراءهم في حكم الزواج على الزوجة الأولى من دون علمها، واشتراطها على زوجها عدم التعدد.
حيث يرى عضو هيئة كبار العلماء أحمد سير المباركي أن عدم إخبار الزوجة والأولاد ليس من المصلحة، وقال "لا يلزم الإنسان أن يخبر زوجته أنه سيتزوج أو تزوج، ولكن الواجب أن يكون الزواج معلناً بحضور الولي والشهود، فإذا تمت أركان الزواج وشروطه صح الزواج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويستدرك بالقول "لكن ينبغي للإنسان أن يكون ذا عقل راجح، وسياسة حكيمة في أموره الزوجية والعائلية، فليس من المصلحة دائماً عدم إخبار الزوجة والأولاد بالزواج؛ لأنه قد يترتب على ذلك مفاسد في المستقبل من ناحية الأنساب والميراث، وأيضاً علاقة الأولاد ببعضهم بعضاً فإنهم إذا لم يكونوا على صلة بإخوانهم، فربما يحصل ما يحصل بعد وفاة الوالد".
ويخلص المباركي إلى أن "الكتمان عن الزوجة يجوز، ولكن لا ينبغي أن يطول لأن فيه مفاسد وإلا هو لا دخل له في أركان العقد ولا في شروطه؛ لأن هناك شهوداً وأناساً علموا عن هذا الزواج، فلا يضر كتمانه عن الزوجة والحالة هذه".
أما صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء، وعضو مجمع الفقه الإسلامي، فيرى أنه "يجوز للمرأة أن تشترط على زوجها عند الزواج ألا يتزوج عليها"، مشيراً إلى أنه إذا خالف الزوج الشرط وتزوج عليها، فلها الخياران، البقاء معه أو الفسخ، لقوله (صلى الله عليه وسلم) "المسلمون على شروطهم"، وهذا شرط لها فيه مصلحة".
الاستئذان غير ملزم
من جانبه أوضح المدرس في المسجد الحرام الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله العجلان أنه لا يلزم استئذان الرجل زوجته الأولى عند الزواج من الثانية، مرجعاً ذلك إلى أنه لو لزم ذلك لما تزوج رجل بامرأة أخرى إلا قليل، معلقاً ذلك على شرط العدل بقوله "أن يثق الرجل من نفسه في القدرة على العدل بين زوجاته".
وأضاف "إن رفضت الأولى زواج الثانية، أو رفضت الثانية زواج الثالثة، أو رفضت الثالثة زواج الرابعة فلا ينظر إلى رفضها".
من جانبه، يرى الداعية الإسلامي محمد صالح المنجد أنه لا شيء على الزوج إذا تزوج على الأولى من دون علمها، ولكن عليه العدل بينهما.
وقال "سئل الشيخ ابن عثيمين عن رجل توفي وترك زوجة وأولاداً، وبعد وفاته علمت الزوجة والأسرة بأنه كان متزوجاً امرأة أخرى منذ عدة سنوات، دون علم الزوجة الأولى والأولاد؛ فهل يأثم المتوفى على إخفاء خبر زواجه عن أهله؟ فأجاب "لا يأثم المتوفى على إخفاء تزوجه بالمرأة، لكن يجب إعلان النكاح لأمر النبي محمد بذلك. فإذا كان النكاح معلناً كما لو كان نكاحاً في قرية أخرى، وأعلن في القرية فإنه يكفي، وإن أخفى ذلك عن أهله، وزوجته الأولى".
في حين يرى عضو الإفتاء في منطقة القصيم خالد بن عبدالله المصلح، أن ما يسمى بالزواج السري ليس سراً، وقال "إنما إخفاء خبر النكاح عن بعض من قد يتضرر بذلك لأي سبب هذا لا يؤثر على صحة النكاح، فهو صحيح، وإذا اتفق الطرفان على ذلك، فهو من الأمور التي تندرج تحت ما يكون من الصلح، أو الشرط الذي يكون بين الزوجين، لكن هذا النوع من الزواج لا يكون الرضا به من الطرفين إلا لتحقيق غرض لكل واحد منهما، وإلا فإنه في الحالة الاعتيادية حتى لو كان طرف يرغب في هذا، وطرف آخر يرفض ستنتهي الأمور إلى عدم الاتفاق، لكن يجب التوافق بين الطرفين لتحقيق مصلحة لكل منهما، فما يتصل بحكم هذا النكاح، فهو صحيح، وليس فيه حرج، لكن يبقى أن كل ما يترتب على القسمة يكون فيه العدل فيقسم لها كما يقسم لغيرها من الزوجات".