أُبرم اتفاق الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في يناير (كانون الثاني)، ومع ذلك، ما زال الطرفان يعملان على تنفيذه، فثمة مشكلة تتمثّل في أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي مختلفان على تفسير هذا الاتفاق.
ويتلخّص الجانب المتنازع عليه بمسألة أيرلندا الشمالية وعلاقتها بباقي مناطق بريطانيا. ربّما تذكرون أنّ هذه القضية احتلّت موقعاً مهماً للغاية في محادثات العام الماضي. ويقول الاتحاد الأوروبي إن المملكة المتحدة قد التزمت فرض نوع من الرقابة الجمركية على حركة البضائع بين أيرلندا الشمالية وبريطانيا العظمى يُسمّى "تصريح إخراج موجز" للسلع. في المقابل، تردّ إنجلترا بإيضاح أن تفسيرها للاتفاق لا ينصّ على وجوب اتّخاذها هذه الخطوة. وقد نشرت سابقاً "ورقة ريادية"، وهي وثيقة رسمية تقدمها الحكومة إلى البرلمان، تشرح فيها الإجراءات التي ستنفذها من دون أن تأتي فيها على ذكر هذه الخطوة.
بموجب هذه الرقابة التي يشير إليها الاتحاد الأوروبي، سيتعيّن على المنتجين في أيرلندا الشمالية تعبئة استمارات بيروقراطية إضافية إن أرادوا نقل بضائعهم إلى البرّ البريطاني الرئيس. وهذه المسألة جوهرية لأنّ بوريس جونسون شدّد خلال حملته الانتخابية أنّ شيئاً لن يتغيّر في هذا الإطار. وعلى هذا الصعيد، قال مايكل غوف، وزير شؤون مجلس الوزراء، المكلف الإشراف على تطبيق اتفاق الانسحاب من الجانب البريطاني، أمام لجنة برلمانية الأسبوع الماضي إن لتفسير الاتفاق على هذا النحو أسبابه السياسية.
وشرح الوزير للجنة شؤون أيرلندا الشمالية التابعة لمجلس العموم أن "الحجّة التي نقدّمها إلى الاتحاد الأوروبي أيضاً هي أنّه لو أصرّيتم على استحداث بنية تحتية جديدة وكبيرة وعلى وجود جديد وكبير، فإنّ ما ستفعلونه في الحقيقة هو جعل هذا البروتوكول غير مقبول بالنسبة إلى غالبية المجتمع المحلي في أيرلندا الشمالية، وتخاطرون بالتالي باحتمال تصويتهم ضدّه في الانتخابات المقبلة... لو أردتم حقاً مساعدة الناس في أيرلندا الشمالية، كما تقولون، لكنتم ستعتمدون المقاربة التي وضعناها في ورقتنا". بيد أن الاتحاد الأوروبي يقول إنّ هذا بكل بساطة ليس اتفاق الانسحاب الذي خَلُصت إليه المفاوضات بين الطرفَيْن.
وصرّح ميشال بارنييه للصحافيين بعد جولة المفاوضات الرابعة بأن "بعض الأهداف المدرجة في هذه الورقة الريادية، مثل تفادي تقديم تصريح بإخراج البضائع من أيرلندا الشمالية إلى بريطانيا العظمى، لا تنسجم مع الالتزامات القانونية التي قبلت بها المملكة المتحدة في البروتوكول".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن من هو المحقّ؟ فلنلقِ نظرة على الاتفاق لمعرفة الجواب.
الفقرة الأهم في سياق بروتوكول أيرلندا الشمالية هي "المادة 5.4" التي تنصّ على ما يلي: "ستُطبّق كذلك أحكام قانون الاتحاد الواردة في الملحق 2 لهذا البروتوكول، وفقاً للشروط المذكورة في ذلك المُلحق، (على حركة السلع) من أيرلندا الشمالية إلى المملكة المتحدة وفيها". ويُشكّل هذا إجمالاً التزاماً من جانب بريطانيا بتطبيق قانون الجمارك الأوروبي في أيرلندا الشمالية. وما يُسمّى بـ"الملحق 2" هو قائمة طويلة من القوانين الأوروبية التي تغطّي الأجزاء المعنية في قانون الجمارك الأوروبي. ومثّلت هذه النقطة جزءًا مهماً من حلّ أزمة العام الماضي بغية التوصل إلى اتفاق وليس هناك من يشكّك بأنّ واقع الحال كان كذلك.
ولماذا تُعتبر هذه النقطة وثيقة الصلة بالموضوع؟ لأنّ قانون الجمارك الأوروبي يشترط تقديم تصاريح موجزة لإخراج السلع من منطقة السوق الموحّدة. ويقول الاتحاد الأوروبي إنه لا يستطيع السماح بخروج السلع من السوق الموحّدة من دون استصدار هذه التصاريح لأنه بحاجة إلى إحصاءات دقيقة، ومن شأن أيّ ثغرة أن تقوّض الموضوع برمّته. لكن سبب طلبه تصاريح الإخراج الموجزة غير مهم في هذا السياق فعلياً: فالمملكة المتحدة وافقت بمنتهى الوضوح على اعتمادها قانون الجمارك الأوروبي، وهو يتضمّن هذا البند.
لذلك، ليس هناك أساس قانوني يجيز عدم تطبيق بريطانيا الرقابة المذكورة آنفاً. وهذا ما يجعل من حجّة غوف أمراً سياسياً: إذا نُفّذ هذا الاتفاق، فقد لا يعجب الوحدويين الأيرلنديين الشماليين، من البروتستانت المؤمنين بضرورة بقاء إقليمهم جزءًا من المملكة المتحدة. والردّ البديهي على هذه الحجّة هو: حسناً، كان عليكم ألّا تقبلوا به إذاً، أليس كذلك؟ وسواء قبلتم حجّة مايكل غوف أو لا، فهي فعلياً طلب للتراجع عن الاتفاق الذي توصّل إليه الطرفان.
وهذا الأمر مهم جداً بالنسبة إلى المباحثات الراهنة الأخرى حول التجارة. فإذا لم يُطبَّق اتفاق الانسحاب كما يجب، قد يمتنع الاتحاد الأوروبي عن إبرام اتفاق تجاري مع المملكة المتحدة.
© The Independent