في الوقت الذي تبدو حبال الوصال والتواصل، مقطوعة تماماً، بين طرفي النزاع الليبي في شرق البلاد وغربها، تواصلت بشكل متزايد الجهود الدولية الرامية، إلى تقريب الرؤى بين فرقاء الخارج، التي تباعدت بين بعضها بعضاً حدّ الشقاق، حول الأزمة الليبية، لتقاطع المصالح وتشابك الأطماع، في البلد الغني بالثروات والخلافات، في آن واحد.
وبعد غياب طويل، عادت الولايات المتحدة لتمارس دوراً ريادياً في الملف الليبي، أفادت قنواتها الرسمية بأنها تسعى من خلاله، إلى تهدئة مستدامة وعودة الجميع إلى طاولة الحوار، بما يفضي إلى حل سياسي ينهي الأزمة، ويجنّب المنطقة تبعاتها الخطيرة، على كل المحيطين بها.
هذا الانخراط الأميركي غير المسبوق، في سياق الأزمة الليبية منذ سنوات، عزّز التوقعات بشأن فرص التسوية السياسية، إذا واصلت واشنطن ضغطها على أطراف النزاع، ليس في داخل ليبيا فقط، بل خارجها أيضاً.
مساع لتفكيك المليشيات
وبشكل رسمي، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أنها مارست ضغطاً على حكومة الوفاق، لتفكيك الميليشيات المسلحة وتسليم أسلحتها، في مناسبتين خلال الأسبوع الماضي، بدأت بلقاء سفيرها في ليبيا وقيادة الـ "أفريكوم"، مع وفد من حكومة الوفاق، في مدينة زوارة، غرب طرابلس، ثم في لقاء عبر الدوائر التلفزيونية المغلقة، بين مسؤولين سياسيين وأمنيين في واشنطن، مع وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، قبل يومين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفتت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، الجمعة 26 يونيو (حزيران)، إلى أن "مناقشات مسؤوليها مع باشاغا دارت حول تسريح الميليشيات"، مؤكدة أن "نهاية حصار طرابلس، خلق فرصة متجددة لحل الميليشيات، في غرب ليبيا وشرقها"، وشددت على "ضرورة تمتع جميع المواطنين الليبيين بحماية قوات أمن قادرة وخاضعة للمساءلة، بعيداً من الأخطار، التي تشكلها الميليشيات والجماعات المسلحة والمقاتلون الأجانب"، وقالت "الوفد الأميركي أكد معارضته جميع التدخلات الأجنبية في ليبيا، وناقش ضرورة وقف فوري لإطلاق النار، والعودة إلى المفاوضات الأمنية والسياسية، التي تشرف عليها الأمم المتحدة".
توجه نحو الشرق
وفي الإطار ذاته، أفادت الخارجية الأميركية في بيانها بأن وفداً أميركياً سيجري محادثات مع ممثلين عن الجيش الوطني الليبي، على غرار المحادثات التي أجريت مع وزارة الداخلية في حكومة الوفاق، بشأن حل الميليشيات المسلحة، مؤكدةً عزمها على مواصلة الضغط، على طرفي النزاع، لحلحلة النقاط الخلافية البارزة، التي تساهم في تعقيد الأزمة، ودعت السفارة الأميركية لدى ليبيا إلى فتح حقول وموانئ النفط، التي أغلقتها قبائل موالية للجيش قبل أشهر، معتبرة أن "تمكين المؤسسة الوطنية للنفط من استئناف عملياتها، شرط أساسي للتوافق الليبي، حول التوزيع العادل لثروة البلاد"، وأوضحت أنه "كلما طالت فترة إبقاء النفط الليبي رهينة للمصالح الأجنبية، احتاجت البلاد وقتاً لاستعادة عافيتها اقتصادياً، ودفع رواتب القطاع العام، وتحسين البنية التحتية، وتغطية تكاليف استيراد المواد الغذائية والأدوية الحيوية"، وجددت السفارة تأكيدها "دعم الولايات المتحدة الكامل للمؤسسة الوطنية للنفط، وسط حملة غير مسبوقة مدعومة من الخارج، لتقويض قطاع الطاقة في ليبيا ومنع استئناف إنتاج النفط".
إشارة لا تخفى واتهام مماثل
وحمل هذا البيان، من السفارة الأميركية، إشارة واضحة إلى التقارير المتواترة، التي تتحدث عن وجود قوة حماية روسية، تابعة لفرقة "الفاغنر"، داخل حقل الشرارة، جنوب ليبيا، أكبر حقول النفط المنتجة في البلاد، الأمر الذي نفته قيادة الجيش والمصادر المقربة منها، في اليومين الماضيين، وهو ما أشار إليه، وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، بقوله إن "سيطرة مرتزقة شركة (فاغنر الروسية) على حقل الشرارة النفطي، سابقة خطيرة بسيطرة وتحكم مرتزقة أجانب، في ثروات الليبيين، مضيفاً، في سلسلة تغريدات على "تويتر" أن "سيطرة عناصر روسية على حقول النفط الليبي، يعدّ تهديداً خطيراً للأمن القومي، ويهدد مصالح الشركات الأميركية والأوروبية، ذات العلاقة بالقطاع النفطي في ليبيا، والتي ستكون رهينة لتغوّل روسي غير مسبوق".
وفي الوقت الذي عدّت مصادر مقربة من الجيش، تصريحات باشاغا، محاولة لاستمالة الموقف الأميركي، ردت لجنة الطاقة التابعة للبرلمان الليبي، على هذه الاتهامات، باتهام رئيسها النائب عيسى العريبي، للمؤسسة الوطنية للنفط، بأنها هي من تسعى لتسليم مواقع نفطية لأطراف خارجية، قائلاً "مؤسسة النفط في طرابلس، تلهج نحو سيطرة تركيا على الحقول والموانئ النفطية"، ومشيراً إلى أن "المؤسسة في طرابلس، كانت في الماضي تثمّن دور الجيش الوطني الليبي، في حماية مقدرات الشعب"، وأضاف العريبي، في تصريح تلفزيوني، "مؤسسة النفط في طرابلس، تغض النظر عن تهريب النفط، في منطقة سيطرة حكومة الوفاق، ولم تصدر أي بيان ضد هذه التجاوزات، حتى الآن".
اهتمام مفاجئ يثير الأسئلة
ويرى الصحافي الليبي أحمد سالم الفيتوري أن "تنامي الاهتمام الأميركي أخيراً بالملف الليبي، يطرح أسئلة عدة حول التوقيت والأسباب"، قائلاً لـ "اندبندنت عربية"، "هذا الاندفاع الأميركي في ليبيا، قد يعني انتقالنا من مرحلة الصدام عبر الوكلاء، إلى صدام مباشر بين القوى الرئيسة في المشهد الليبي والحقيقية، وعلى رأسها واشنطن وموسكو، وهذا قد يعمّق الأزمة ويعقدها".
ويتفق الباحث والأكاديمي فرج الجارح، مع هذا الطرح، قائلاً "بنظرة فاحصة إلى كل البيانات الرسمية الأميركية، التي توالت أخيراً، حول الأزمة الليبية، نستنتج بسهولة أن كلّ هذه البيانات، صبّت في اتجاه واحد، منع تمدد روسيا في ليبيا، وهذا ما قفز بالملف الليبي من هامش اهتمامات الإدارة الأميركية، إلى بند الأولويات"، ولفت إلى أن "استشعار خطورة التمدد الروسي، وإمكانية اتخاذ ليبيا قاعدة إستراتيجية خطيرة لموسكو، في الضفة المقابلة لمقرّ علميات الناتو في المتوسط، الموجودة في نابولي جنوب إيطاليا، دفعت الولايات المتحدة، إلى تشجيع تركيا على التدخل، للجم هذا المدّ الروسي، ولذلك هي تتعامى عن ممارسات أنقرة في ليبيا، وتركّز على كل تحرك صغير، لخصمها اللدود في البلاد".
وقال الصحافي الليبي هشام بن صريتي "بعيداً من هذه النظرة التشاؤمية المصاحبة للتمدد الأميركي، أعتقد أنه يمكن أن يقود إلى تفاهمات ليبية، تحت الضغط الذي تمارسه واشنطن حالياً، مهما كانت دواعيه وأسبابه"، وأضاف "بعد الحرب العالمية الثانية، استفادت ليبيا من التنافس الأميركي الروسي، على الهيمنة فيها، بتحقيق الاستقلال لتجنب هذا النزاع، وأعتقد وأتمنى أن التنافس الحالي، سيقودنا إلى تسوية خارجية، تعيد ترتيب المشهد الداخلي، وتقود إلى حلّ سياسي طال انتظاره، فتدخّل واشنطن بهذا المستوى، لن يبقي الأمور على حالها".