يبدو أن جائحة كورونا لن تمر بسهولة على الاقتصاد الكويتي الذي يعاني الأمرّين بسبب تأثيرات الجائحة على القطاع الخاص من ناحية، وزيادة عجز الميزانية من ناحية أخرى، بسبب انخفاض إيرادات القطاع العام وتراجع إيرادات القطاع النفطي الذي يشكل نحو90 في المئة من الإيرادات الحكومية.
ودخل عجز ميزانية الدولة عامه السابع على التوالي، حيث أعلنت وزارة المالية توقعها عجزاً بالميزانية للعام المالي 2020-2021 بما يزيد على 30 مليار دولار، كأكبر عجز في تاريخ البلاد. وقد وصل العجز المتراكم منذ العام المالي 2014-2015 ما يزيد على 130 مليار دولار.
ويترك استحواذ القطاع النفطي على 90 في المئة من إجمالي إيرادات الميزانية، الميزانية عرضة لتقلبات الأسعار، إذ بلغ متوسط سعر برميل النفط الكويتي منذ بداية العام 34 دولاراً للبرميل، علما بأن تقديرات الحكومة عند 55 دولاراً.
المصروفات الضخمة
هناك سبب آخر يفاقم الأزمة بالكويت، حيث إن المشكلة ليست في الإيرادات المركزة على النفط، بل في المصروفات أيضاً، إذ إن الرواتب ودعم المنتجات الاستهلاكية تشكل 73 في المئة من إجمالي مصروفات الدولة، ما يجعل الأمر صعباً في قرارات الحكومة بالتحرك في بند المصروفات وتخفيضه لمواجهة الجائحة. فالرواتب على سبيل المثال لا يمكن المس بها، وكذلك تأتي الدعوم التي سيؤدي تخفيضها إلى ارتفاع فاتورة الاستهلاك على الناس. ولا يتبقى إلا بند الإنفاق الاستثماري الذي، وفي حال تم تخفيضه، سيؤثر في النمو بالدولة، علما بأن هذا البند ضئيل نسبياً. وقد بلغت قيمة المصروفات نحو 70 مليار دولار في الموازنة التقديرية للعام الحالي، ويمثل الإنفاق الاستثماري نحو 16 في المئة فقط من إجمالي المصروفات.
تآكل الاحتياطي
وأدى تراكم العجز الى اضطرار الدولة الى استخدام احتياطاتها المالية المتراكمة من سنوات الفوائض لسد العجز. إذ تعتبر أصول صندوق الاحتياطي العام الملاذ الوحيد لسداد عجز الميزانية، بعدما توقفت قدرة الحكومة على الاستدانة في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2017، بسبب انتهاء العمل بقانون الدين العام، الذي لم تنجح في تمريره بمجلس الأمة حتى الآن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد كوّنت الكويت فوائض تراكمت بسنوات طفرات أسعار النفط في صندوق الاحتياطي العام، الذي تدير استثماراته الهيئة العامة للاستثمار، وتقدر قيمة أصوله بأكثر من 140 مليار دولار قبل عام 2015 ليفقد نحو 60 في المئة من قيمة أصوله بنهاية يونيو (حزيران) من العام الماضي بحسب تقرير لديوان المحاسبة.
ومرت أخبار في الصحف المحلية عن شح الصندوق وعدم تمكنه حتى من سداد بعض الالتزامات للمشروعات الصغيرة التي كانت الكويت أقرت لها قانوناً بنحو6 مليارات دولار.
تسييل الأصول الخارجية
وأمام الحكومة أقساط الديون الداخلية والخارجية بحجم 14 مليار دولار منها 8 مليارات دولار سندات دين دولية تُستحق في مارس (آذار) 2022، ومارس 2027، و6 مليارات دولار أذون وسندات خزانة تتوزع استحقاقاتها حتى 2027 أيضاً دون التعويض باستدانة جديدة. وفي ظل هذا الوضع، قد تلجأ الى تسييل استثمارات خارجية في الصندوق السيادي، وذلك في حال نفذ الاحتياطي العام بشكل كامل.
وتسييل أصول خارجية هو ملف شائك، لأن كثيراً منها تم شراؤها بفضل ما يقتطع من إيرادات الأجيال الحالية لمصلحة الأجيال المقبلة، وإذا بدأ تسييل هذه الأصول، يعني ذلك أن البلاد وصلت إلى نقطة سلبية، وما زُرع للأجيال المقبلة يتم حصاده الآن. وفي الغالب هذه الأصول الخارجية بمثابة "ما لا يُمس" في العُرف الكويتي، لذا هناك حساسية كبيرة في هذا الملف.
هروب الاستثمارات
وإن كانت الحكومة تمتلك أصولاً خارجية وداخلية، تمكّنها على الأقل من تجاوز الأزمة، هناك القطاع الخاص الذي يعاني الجائحة وضعف الإنفاق الحكومي. وأبرز مؤشر يظهر أن شركات القطاع الخاص ستتجه للأسوأ في الفترة المقبلة، ما كشفته البورصة الكويتية خلال 5 أشهر ماضية، حيث خرج المستثمرون الأجانب من البورصة بحجم أموال تقارب 325 مليون دولار، على إثر تداعيات جائحة كورونا. ووضع هؤلاء المستثمرون أموالهم في كبرى الشركات الكويتية المدرجة (بنوك وشركات عائلية)، التي تعتبر فعلياً نبض القطاع الخاص الكويتي. وأدى ذلك إلى تأجيل انضمام البورصة لمؤشر مورجان ستانلي لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وأعلن اتحاد مصارف الكويت قبل أيام نية البنوك عدم توزيع أرباح نقدية على مساهميها عن العام المالي الحالي، وهي التي استمرت في توزيعاتها بانتظام لأكثر من عقدين، الأمر الذي يُظهر عمق الأزمة على القطاع الخاص.
توقعات سلبية
وعلى أثر ذلك، جاءت توقعات النمو الاقتصادي قاتمة، حيث توقع البنك الدولي أن ينكمش الاقتصاد الكويتي 5.9 في المئة نهاية 2020، وهو ما يعد الأسوأ بين توقعاته لكافة دول الخليج النفطية، ويفوق معدل انكماش 2017 حين شهدت أسعار النفط تراجعات قياسية.
ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي للكويت نحو 130 مليار دولار يمثل منها القطاع غير النفطي 55 في المائة، بحسب تقديرات الإدارة المركزية للإحصاء، الذي يشهد تراجعاً حاداً بسبب التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا.
مصدات قوية
لكن رغم كل ذلك، تبقى لدى الكويت مصدات مالية يمكن الاعتماد عليها في الأزمات، حيث تمتلك أصولاً سيادية تصل إلى 590 مليار دولار بحسب تقديرات وكالة فيتش، وهو ما ينعكس على تصنيفها الائتماني القوي، الذي أكدت الوكالة تثبيتها له عند AA مع نظرة مستقبلية مستقرة أبريل (نيسان) الماضي، فيما خفضته وكالة ستاندرد آند بورز إلى AA- من AA نهاية مارس الماضي.