بينما لا تزال مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، تتأرجح وتتنقل بين منابر عدّة، الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي، ثمة قضايا جوهرية تبقى معلّقة تبحث عن حلّ، في اتفاق ملزم يشكّل ضماناً، لتحقيق مصالح الجميع من دون الإضرار بأي من الأطراف الثلاثة.
في هذه الأثناء، جدّد السودان تمسّكه بالوصول إلى اتفاق قبل البدء بملء السدّ، ورفض أي تحرك إثيوبي منفرد في هذا الخصوص، لضمان أمان وسلامة تشغيل سدّ الروصيرص الذي بات مصيره مرتبطاً بأمان السدّ وتشغيله.
وبحسب تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السودانية الرسمية لوزير الري ياسر عباس، فإن الجانب السوداني يحسب كل السيناريوهات لضمان حقوقه، ولم ييأس بعد من التوصّل إلى اتفاق بين الدول الثلاث، ما دفعه إلى رفع الأمر إلى مستوى الرؤساء للقرار السياسي.
في السياق ذاته، دعت الخارجية السودانية مجلس الأمن الدولي، إلى وقف أي إجراءات أحادية الجانب. وطالبت في خطاب رفعته إلى المجلس، بالعمل على إثناء أطراف القضية عن أي إجراءات أحادية، بما في ذلك ملء السد قبل التوصّل إلى إتفاق.
وأكدت أن مثل تلك الإجراءات تُعرّض للخطر أمان وسلامة تشغيل سدّ الروصيرص السوداني، كما تعرّض حياة الملايين في المصبّ للخطر. وطالبت الخرطوم مجلس الأمن بدعوة قادة مصر والسودان وإثيوبيا إلى إظهار إرداتهم السياسية، للوصول إلى الاتفاق المنشود.
وتُعتبر قضية أمن وسلامة سدّ خزان الروصيرص العتيق، حاضرة في كل منابر التفاوض، وأحد مرتكزات الموقف السوداني، كونه أصبح يقع تحت رحمة سدّ النهضة وفي مرماه المباشر، من حيث تهديد أمان جسم الخزان، أو كفاءته التشغيلية، وما يتبع ذلك من تداعيات ومضاعفات على النواحي الاقتصادية والاجتماعية.
الروصيرص في خطر
لكن كيف سيؤثر تشغيل وملء سدّ النهضة في سدّ الروصيرص، في غياب اتفاق ملزم لكل الأطراف؟ يجيب الوكيل السابق لوزارة الكهرباء والموراد المائية المهندس موسى عمر في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "أن سلامة الملء والتشغيل، مرحلة مرتبطة بكل من سدَّيْ النهضة والروصيرص، ومن المهم الالتزام الكامل بالتبادل اليومي للبيانات بين السدين، كما هو متفق عليه، إلّا أنّ عدم التوقيع على اتفاق بذلك، يعني عدم الإلزام والالتزام، وعليه فإنّ هذا الأمر يضع عملية تشغيل الخزان في خطر لعدم توفر البيانات الخاصة بالتصريف الداخلي والتغير الأقصى له، وبيانات رصد حالة سلامة سدّ النهضة، فضلاً عن خطط الطوارئ وكل المسائل التشغيلية الفنية الأخرى".
ويضيف "التنسيق المطلوب يجب أن يُبنى على الالتزام والتعهد عبر اتفاق مكتوب، على تبادل بيانات الملء و التفريغ، والالتزام بالتعاون التام لضمان ملء وتفريغ السدَّيْن بتناغم وانسجام تامين، لارتباط قواعد ملء سدّ الروصيرص بوارد المياه من سدّ النهضة وبفترة الفيضان".
تهديد بانهيار الخزان
في المقابل، يقول الدكتور أحمد المفتي المتخصّص في شؤون المياه والسدود، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إن المخاطر ستزداد على خزان الروصيرص وكل السودان، في حالة عدم وجود اتفاق ملزم لكل الأطراف، للتنسيق بين السدود السودانية والإثيوبية، لأن غياب أمان وسلامة سدّ النهضة، يجعل الخزان مهدداً بالانهيار بشكل مباشر، ما يجعل الاتفاق الملزم، إلى جانب مسألة التعويض عن الأضرار، ضرورة حتمية.
ويشدّد على أهمية أن يسبق الاتفاق الشروع في عملية ملء سدّ النهضة، على أن يتضمّن جزئية الأمان، وفاءً للمبدأ الثامن من إعلان المبادئ الموقع في 2015، الذي نصّ على أن تستكمل إثيوبيا أمان السدّ، إلى جانب أهمية تحديد نصيب وحصّة كل طرف من المياه، إضافةً إلى حسم قضية الملء الأول والتشغيل.
استمرار الضغوط الإثيوبية
ويوضح المفتي "أن إعلان إثيوبيا عزمها على بدء ملء السدّ خلال أسبوعين، يشكّل إبطالاً لأهم مخرجات قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة بتأجيل الملء، وهي الفترة التي منحتها القمة الأفريقية للجان الفنية للفراغ من أعمالها، من دون أن تعطي تلك الدول الفرصة للنظر في تقارير تلك اللجان، معتبراً ذلك استمراراً للضغوط التي ظلّت تمارسها أديس أبابا على بقية الأطراف.
ويقترح تكملة المفاوضات السابقة بأخرى من نوع جديد، يستند إلى المبدأ رقم 2 من إعلان المبادئ، "التنمية والتكامل الإقليمي المستدام"، وذلك ممكن على أساس التفاصيل المتفق عليها في اتفاقية عنتبي التي استغرق توقيعها 15 سنة، ويمكن الاتفاق على إطارَيْه القانوني والمؤسسي خلال شهرين أو ثلاثة.
وينتقد المتخصص في شؤون المياه والسدود، ترك النظر في الأمور الأساسية المتبقية، مثل إلزامية الاتفاق وأمان السد والأمن المائي والتعويض عن الأضرار للجنة فنية هندسية، محدّداً ثلاثة خيارات أمام السودان، إما الاستسلام، أو المواجهة، أو القبول بما يصدر عن مجلس الأمن الدولي على أن يكون جاهزاً لذلك.
قصة السد العتيق
وبحسب وثائق وزارة الري السودانية، مرّ إنشاء خزان الروصيرص العتيق، بـ 68 سنة ليصل إلى ما هو عليه الآن، وبمراحل عدّة منذ العام 1952، عندما كلّفت الحكومة السودانية آنذاك إحدى الشركات البريطانية بإعداد دراسة جدوى لإنشاء سدّ خرساني يتّسع على الأقل لتخزين مليار متر مكعب من المياه في منطقة الدمازين، لتوفير مياه الري لكل المشاريع المروية في النيل الأزرق بمساعدة خزان سنار.
عام 1955، كلّفت شركة فرنسية بتصميم خزان بسعة أكبر، يُنفَّذ على مرحلتين، الأولى بسعة 3 مليار متر مكعب من المياه، والثانية بسعة 7.4 مليار متر مكعب.
انطلق العمل، وانتهت المرحلة الأولى في 1966، ليبدأ العمل بتركيب ماكينات التوليد (توريبنات) في المحطة على خمسة مراحل.
وبهذا أصبحت محطة توليد الروصيرص، تمثّل العمود الفقري لشبكة الكهرباء القومية في السودان، توفر الكهرباء النظيفة والرخيصة لعدد من مشاريع التنمية.
الأطول عالمياً
ومن أجل توفير مخزون إضافي من المياه للمساهمة في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ولاية النيل الأزرق والسودان عموماً، أبرمت الخرطوم في أبريل (نيسان) 2008 اتفاقية مع إحدى الشركات الصينية لبدء تنفيذ مشروع تعلية سدّ الروصيرص، بتشييد امتداد جديد للسدّ القديم يبلغ طوله حوالى 25 كيلومتراً، مع رفع جسمه إلى عشرة أمتار إضافية، ما جعل سدّ الروصيرص ينافس عالمياً ضمن أطول السدود الكهرومائية للري وتوليد الطاقة الكهربائية المائية.
وهدفت التعلية إلى رفع السعة التخزينية للسدّ من 3 إلى 7.4 مليار متر مكعب وزيادة طاقة التوليد الكهربائي بنسبة 50 في المئة لتصل إلى 1800 ميغاواط، وتوفير مياه الري للمشاريع الزراعية المروية القائمة على النيل الأزرق طوال العام والتوسّع الرأسي في مشاريع الريّ بالمضخات القائمة على ضفاف النيل الأزرق وزيادة الأراضي الزراعية، مستدامة الري الدائم بمليوني فدان.