اتخذ الرئيس الأميركي أوائل الأسبوع الماضي، إجراءً آخر لمنع دخول الأجانب بلاده. ففي محاولة للحد من انتشار كوفيد-19، مدّد دونالد ترمب "إيقاف منح بعض البطاقات الخضراء (التي تسمح للأجانب بالإقامة في الولايات المتحدة) وتعليق تأشيرات الدخول لعمال أجانب آخرين حتى نهاية عام 2020"، على حد تعبيره.
قد يبدو القرار للوهلة الأولى حكيماً لمنع تفشي فيروس كورونا على نطاق أوسع في البلد الأكثر تضرراً على صعيد العالم، غير أن تأثيره الجانبي، في حقيقة الأمر، سيكون خطيراً وطويل الأمد، إذ سيؤجج مشاعر الخوف من الأجانب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا كان ترمب متشدداً سلفاً حيال الراغبين بالهجرة إلى الولايات المتحدة، فإن "كوفيد-"19 أعطاه مبرراً آخر لاتخاذ تشريعات أشد صرامة بشأن دخول الأجانب إلى بلاده. وتذكي إجراءاته مشاعر الخوف من الأجانب لدى الأميركيين.
غير أن هذا النوع من رد الفعل على تفشي فيروس كورونا لا يقتصر على الولايات المتحدة، ففي المملكة المتحدة، كشفت الجائحة عن مشاعر الخوف التي سبق أن أثارها، أخيراً، الجدل حول بريكست والهجرة. تغذّينا على الخطاب المعادي للهجرة، الذي قُدم إلينا خالياً من الحقائق ومشحوناً بمصطلحات تبدأ حالما تُهضم بنشر الخوف والكراهية من أبناء الدول الأخرى.
أقيم في مدينة مرثاير تايدفيل، بإقليم ويلز، وكانت لي خلال فترة الإغلاق حوارات مع أصدقاء عديدين قالوا لي، إنهم يترددون في شراء وجبات الطعام الصينية الجاهزة، خوفاً من إصابتهم بالفيروس.
يمكن القول إن خوفهم حقيقي، وليس بالضرورة قائماً على كراهية الشعب الصيني، لكن بالطبع بلا أساس علمي على الإطلاق، هذا إذا حاكمنا الأمر على أساس الفهم العلمي للكيفية التي يتفشى الفيروس وفقها. مع ذلك، فإن الاستماع المتكرر إلى مخاوف فجة كهذه من دون اعتراض عليها، سيؤدي إلى خوف راسخ سيكون من الصعب التحرر منه لفترة طويلة بعد انتهاء الجائحة. والحقيقة، أن هذا هو سبيل تفشي العنصرية ومشاعر الخوف من الأجانب.
ألمس هذا الوضع بشكل مباشر يومياً. ففي ويلز، أدير مشروعاً للناجيات من عمليات الإتجار بالبشر، في كارديف ونيوبورت. وأغلب النساء اللواتي أعمل معهن يأتين من بلدان مثل ألبانيا، ونيجيريا والصين والكونغو وسريلانكا. وهن جئن للعيش في المملكة المتحدة إما بناء على رغبتهن أو قسراً. مع ذلك، ما زلن يتعرضن للتمييز القائم على بلدانهن الأصلية.
نعرف من النقاش الدائر بين الناس العاديين حول الهجرة أنهن يجب ألا يكنّ هنا، وأن أشخاصاً "مثلهن" يجب أن يبقوا خارج بلادنا. فهنّ يرهقن البنى التحتية لدينا، ويستنزفن مواردنا، ولا يسهمن في دعم المجتمع، وربما يشاركن في نشاطات إرهابية أيضاً.
بالطبع، لم يجلس أي ممن يوجهون هذه الاتهامات مع موكلاتي لتناول فنجان قهوة وسماع قصصهن. فهم لم يعيشوا التجارب المريرة التي واجهتها هؤلاء النساء، ولم يشعروا يوماً بالخوف من الحرب. كذلك فإن المتهمين يفوتون على أنفسهم فرصة استكشاف الجمال الداخلي لكل من هؤلاء النساء؛ وهم لا يعرفون أي شيء عن طيبتهن؛ وصلابتهن، وشجاعتهن وقدرتهن على التكيف، أو حكمتهن وخبراتهن التي يمكنهن مشاركتها مع الآخرين.
لقد تعمد النقاش حول بريكست إهمال هذا الجانب. إذ رأى الأجانب خطراً على سلامتنا وراحتنا، وليس مكسباً كبيراً لوطننا. والآن راح كوفيد-19 يعزز تلك الرؤية.
من الصعب تحقيق توازن خلال هذه الجائحة الفريدة من نوعها، إذ يجب أن نغلق حدودنا لفترة قصيرة لمنع تفشي فيروس كورونا، مثلما اختارت دول كثيرة أن تفعل. إلا أننا يجب أن نرفض بشدة فكرة أن كل أجنبي يدخل البلد سيجلب معه عدوى مميتة، ونحترس من محاولات إشاعة الخوف من الأجانب. يجب أن نحمي الحياة، فيما نحمي التنوع ونعمل على بناء احترام جديد للأفراد الذين لم يولدوا في المملكة المتحدة.
إن أفضل طريقة تمكننا من التصدي لمشاعر الخوف من الأجانب، تتمثل في تنمية الصداقة مع أشخاص من بلدان مختلفة. لاحظت ذلك بنفسي. لا أستطيع القول إني شعرت بالخوف على الإطلاق من شخص ما ينتمي إلى بلد آخر، لكن عليّ الاعتراف بأني أحسست بقدر من التوتر حول كيفية التواصل معهم، والقلق بشأن الموضوع الذي يجب أن نتحدث معاً عنه.
بيد أننا حالما استطعنا التعرف على وجوه الأشخاص، وبدأنا نتبادل الأفكار والقناعات بشكل ودي، أخذت تلك المخاوف تتبدد. فعلى الرغم من كوفيد-19 وبِغَضّ النظر عن بريكست، ستكون فعالية كل بلد في أحسن أحوالها إذا حارب من أجل التنوع ورفض الخوف من الأجانب.
يجب ألا يعمي كوفيد-19 عيوننا عن هذه الحقيقة.
© The Independent