أبقى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (85 سنة) على نور الدين بدوي، في منصب رئاسة الوزراء بعد اجتماع حضره كبار المسؤولين في الدولة مساء السبت، مانحاً إياه الضوء الأخضر لبدء مشاورات تشكيل "حكومة كفاءات" في سياق ترتيبات يُعتقد أنها تسبق إعلان انسحاب دستوري لبوتفليقة من الحكم بدءاً من تاريخ نهاية ولايته الرابعة في 28 أبريل (نيسان) المقبل. وجدد مسؤولون جزائريون كبار، اجتمعوا في زرالدة في الضاحية الغربية للعاصمة، الثقة بنور الدين بدوي، للاستمرار في قيادة الحكومة. وسُرِّبت معطيات الأحد عبر وكالة الأنباء الجزائرية، أشارت إلى أن "بدوي ونائبه، وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، شرعا في مشاورات لتشكيل حكومة جديدة تضم كفاءات وطنية، بانتماء أو من دون انتماء سياسي".
وذكرت وكالة الأنباء الرسمية أن الحكومة الجديدة "ستعكس الخصوصيات الديموغرافية للمجتمع الجزائري"، لافتةً إلى أن جلسة عمل عقدها "بدوي ولعمامرة تمحورت حول بنية الحكومة المقبلة... والمشاورات الجارية ستُوسَع لتشمل ممثلي المجتمع المدني والتشكيلات والشخصيات السياسية الراغبة في ذلك بغية التوصل إلى حكومة منفتحة بشكل واسع".
ويجري رئيس الوزراء اتصالات وصِفت بـ"السرية" مع أطراف في المعارضة وأحزاب من الموالاة ذات امتداد في منظمات موالية من المجتمع المدني، على نحو يمكّن من تقديم "وجوه شابة لم يتداولها الإعلام وليس لها ماضٍ ضمن موجة التصريحات الداعمة للولاية الخامسة لبوتفليقة".
بيد أن جهود بدوي، التي أطلقها الأحد لمحاولة استباق الزمن (قبل الجمعة المقبلة)، اصطدمت من البداية بأول رفض من تكتل نقابي موسع ينشط في قطاع التعليم. ورفض التكتل عقب اجتماع مطوّل دعوة نور الدين بدوي عدد من قادته للقاء مساء الأحد.
وأعلنت النقابات التربوية الست، وهي تنظيمات مستقلة في قطاع التربية الوطنية "عدم تلبية الدعوة التي تلقتها من الوزارة الأولى لعقد لقاء تشاوري"، مؤكدةً في بيان تمسكها بـ "رفض تمديد العهدة الرئاسية الحالية والقرارات المصاحبة لها في رسالة رئيس الجمهورية، ورفض كل محاولات الالتفاف على مطالب الحراك الشعبي السلمي وحماية واحترام سيادة الشعب". ودعت نقابات التربية إلى "مرحلة انتقالية تسيّرها حكومة توافقية بوجوه جديدة تلقى قبولاً شعبياً للخروج من الوضعية غير الدستورية".
وتزامن بيان النقابات مع اعتصامات غير مسبوقة الأحد، لقضاة المجالس القضائية، وتجمّع العشرات، يرافقهم محامون وأمناء ضبط، أمام مقر مجلس قضاء تيبازة والمسيلة، والعاصمة ومحافظات أخرى عدة. وردد المتظاهرون شعارات "لا لمصادرة ارادة الشعب" و "لا لإذلال القضاء من قبل السلطة التنفيذية".
سيناريو انسحاب بوتفليقة
وبعد تسريع رئيس الوزراء ودوائر مرتبطة بمركز القرار، خطواتها، بات بالإمكان استعراض سيناريو انسحاب الرئيس الجزائري من الساحة مع نهاية ولايته الرئاسية، كحل مطروح بقوة، على أن يتم إعلانه لدى تحقق نتائج تلك الخطوات التي انقسمت على أربعة محاور.
وتفرض خطة الرئاسة في المحور الأول، مباشرة بدوي مشاورات سياسية سريعة لمحاولة اقناع شخصيات من المعارضة، بضرورة المشاركة في الحكومة المقبلة التي "يجب إعلان تشكيلتها قبل الخميس المقبل".
أما المحور الثاني فيتمثل بـ "إطلاق ورشات عمل على المستوى المركزي مع قيادة جمعيات من المجتمع المدني" على أساس أن السلطة "تتفق مع مطالب الحراك الشعبي". وعُهد لمئات الجمعيات عقد لقاء أولي في فندق الرياض في العاصمة السبت الماضي، فيما كُلِّف ولاة محافظات "البحث عن شباب من الحراك" يمكن ائتمان توجهاتهم السياسية، لتقديمهم ضمن مشروع الندوة الوطنية.
أما المحور الثالث، فكان على مستوى أعلى، ويقتصر على ترتيبات قادها الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي مع شخصيات مستقلة تمتعت بنفوذ ضمن النظام الجزائري خلال مراحل سابقة. وشملت المشاورات أيضاً مسؤولي أحزاب، نفى بعضهم ذلك رسمياً، إلا أن مصادر متابِعة أكدت حدوث تلك اللقاءات.
أما المحور الرابع، فيقوده لعمامرة، ويعمل على استمالة عواصم مؤثرة في القرار الدولي لدعم الحلول "السياسية" التي يقترحها بوتفليقة في نهاية ولايته. ويتجه لعمامرة الإثنين إلى موسكو، بعد جولات على باريس والإتحاد الأوروبي. ويحاول جس نبض عواصم غربية، في حال انتقال الجزائر إلى مرحلة "غير دستورية" بوجود الرئيس بوتفليقة.
إلا أن مصادر رفيعة وصفت هذه القرارات بالترتيب لـ "خروج مشرف لبوتفليقة" في نهاية ولايته في 28 أبريل المقبل، وتحقيق ما يشبه "المقايضة" مع الحراك الشعبي، عبر مغادرة بوتفليقة الحكم بشكل فوري، في مقابل بقاء الحكومة لتأطير عملية التحضير للندوة الوطنية.
أربعة أشهر وخمسة أيام لترتيب المرحلة المقبلة
وفي حال التوافق على انسحاب بوتفليقة من المشهد السياسي، فإن ذلك قد يمر دستورياً، واستثناءً، عبر المادة 102 التي تحدد مسارات شغور السلطة، سواء بوجود مانع صحي أو الاستقالة.
ونصُ الفقرة الأولى من المادة 102 هو "إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهماته بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع".
أما الفقرة الثانية من المادة 102، فتحدد مسارات انتقال السلطة في حال استقالة الرئيس. وتقول إنه "في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً ويثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية... وتُبلَّغ فوراً شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان الذي يجتمع وجوباً... ويتولى رئيس مجلس الأمة مهمات رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوماً، تنظَّم خلالها
وإذا جنح بوتفليقة إلى هذا الخيار تحت تأثير ردود فعل الشارع عبر المسيرات المليونية، وتحركات القطاعات الشعبية على مدار أيام الأسبوع، فيكون بذلك قد اقتنع بتسليم السلطة لرئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، غير المرفوض كلياً من قبل المعارضة والشارع على الرغم من ولائه لبوتفليقة.
أسبوع فاصل في تاريخ الجزائر
وعلى الرغم من توالي المسيرات في الجزائر ومقابلتها بقرارات رئاسية لم تحظ بالإجماع، فإن معطيات عدة تقدّر أن الأسبوع الحالي سيكون حاسماً لتفادي سيناريو المسيرة الخامسة في 22 مارس (آذار) الحالي. وتريد مؤسسة الرئاسة ضمان انتقال سلس للسلطة، لكن الأهم في نظرها، هو تمكنها من التحكم في آليات اختيار عضوية الندوة الوطنية.
يأتي هذا كله في سياق محاولات إقناع لأشخاص وصِفوا بـ"عقلاء الجزائر"، للمشاركة في صنع سيناريوهات توافقية للمرحلة المقبلة. وطُرحت أسماء مثل وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي ورئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش والرئيس الجزائري الأسبق ليامين زروال.