تتأزم الأوضاع داخل حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم، وشريكه "التجمع الوطني الديموقراطي"، بعد إقدام قياديين وناشطين على الاستقالة من الحزبين بسبب المواقف "المبهمة" التي يتمسكان بها في ظل وضع غير عادي تعيشه الجزائر، يؤشر إلى مرحلة جديدة من تاريخ البلاد. ويتجه الحزب الحاكم إلى التخلي عن دعم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مع توسع دائرة الرافضين توجهات منسّق الحزب، معاذ بوشارب، إذ يعتبرون أنه يبتعد عن المبادئ التي أُسست من أجلها "جبهة التحرير الوطني" القائمة على الاصطفاف مع الشعب. وتعد التصريحات التي أدلى بها القيادي في "جبهة التحرير" حسين خلدون، ضربةً موجعة للحزب الحاكم ولبوتفليقة، على الرغم من تراجعه عنها تحت تبرير انها أُخرجت من سياقها، إذ قال إنه يتعين على الحزب أن يتطلع إلى الأمام وأن يدعم أهداف المحتجين، مضيفاً أن "بوتفليقة أصبح تاريخاً الآن".
انسحاب قياديين
كما وجّه القيادي في الحزب الحاكم رياض عنان رسالةً إلى "المناضلين الحقيقيين" يدعوهم فيها الى "النضال من أجل تحرير الحزب من الانتهازيين الذين استحوذوا عليه وأخرجوه عن مساره الحقيقي". وقال عنان إن "حزبنا لم يدر ولن يدير ظهره أبداً لشعبه"، مؤكداً مواصلة العمل على تحرير الحزب وإرجاعه إلى سكّته الحقيقية. وتابع "نضالنا سيستمر ما دام مناضلون مزيفون يسيطرون على الحزب ويتخذونه رهينة، فمكان جبهة التحرير الوطني الحقيقي هو مع الشعب".
ووجّه 61 عضواً في "جبهة التحرير" في اجتماع عقدوه في العاصمة، دعوةً إلى انعقاد اللجنة المركزية التي حلّها بوتفليقة، من أجل اتخاذ قرارات رسمية وشرعية إزاء الأحداث الجارية في البلاد. وأعلن عميرش نذير رئيس المجلس الشعبي الولائي لمحافظة قسنطينة، شرق الجزائر، في صفحته الرسمية على "فيسبوك"، قراره الانسحاب من صفوف حزب جبهة التحرير الوطني، وذلك بسبب "الضغوط الإدارية والحزبية" الممارَسة عليه من قبل الحزب وحليفه "التجمع الوطني الديموقراطي"، رداً على مشاركته في المسيرات الشعبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في السياق نفسه، أوضح المحلل السياسي والقانوني اسماعيل خلف الله أن "الحراك الشعبي السلمي مزّق الصورة المزيفة التي كانت تضعها أحزاب السلطة على أن الوضع الجزائري مستقر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأن الشعب لن يحتج على تقديم رئيس في وضعية مرضية حرجة"، مضيفاً أن "الانشقاقات الحزبية تفسَّر أيضاً على أن المنشقين لم يكونوا مقتنعين بما يسوّقه محيط الرئيس من مشاريع فاشلة وسياسة بيع الوهم وسياسة تغوّل الفساد". وأشار خلف الله إلى أن "هناك من رأى السفينة تغرق فأراد النجاة قبل فوات الأوان". وخلص إلى أن "هذه الانشقاقات أحدثت زلزالاً داخل معسكر بوتفليقة".
منشقون يطالبون برحيل بوتفليقة
من جهة أخرى، دعت حركة "التقويم والتأصيل لحزب جبهة التحرير الوطني" المعارِضة للقيادة الحالية إلى مواصلة الحراك السلمي والحضاري المشرِّف وتكثيفه في ربوع البلاد، إلى حين تحقيق المطالب المشروعة للشعب الجزائري السيّد". وأوضحت في بيان أن "رد السلطة جاء غير متجاوب إطلاقاً مع مضمون رسالة الشعب التي كانت واضحة والتي لم يطالب فيها فقط برحيل الرئيس بوتفليقة، وإنما أيضاً بالرحيل الفوري للسلطة الحاكمة تحت جميع مسمياتها والكف عن العبث بالبلاد ومقدراتها". ونددت حركة "التقويم والتأصيل" بـ "الرغبة الملحّة للسلطة في التمادي في الاعتداء على الدستور، وحبْك مناورة سياسية متجددة متكاملة الفصول، والمغامرة بالجزائر نحو المجهول". وخلصت إلى أن "الجزائر أكبر بكثير من أن تُقزَم في أي شخص أو مجموعة".
من جهته، أوضح القيادي السابق في الحزب الحاكم، سعيد برقية أن ما يحدث داخل "جبهة التحرير الوطني" هو "صورة مصغرة لما تعيشه البلاد، بعد سيطرة زمرة المال الفاسد على الحزب". وقال "آن الأوان لتحرير الحزب وانتزاعه من الزمرة الفاسدة وإعادته إلى سياقه بين أيادي الشرفاء والشباب، وهذه هي المرحلة المقبلة مع الجمهورية الثانية".
حليف الحزب الحاكم ينزف قيادييه
في المقابل، يتعرض الحليف الاستراتيجي لجبهة التحرير، المشارك في الحكم، حزب "التجمع الوطني الديموقراطي"، لبداية حركة هجرة لقيادييه وناشطيه، بعد إعلان مجموعة من مسؤوليه في شرق البلاد، استقالتهم من الحزب وانضمامهم للحراك الشعبي، في واحدة من أعنف الهزات التي يتعرض لها "التجمّع".
ويرى المراقبون أنه في ظل تسارع الأحداث وتوسعها من الشارع إلى دوائر السلطة، فإن الرئيس قد لا يصمد، وقد تكون هناك قرارات جديدة خلال الأيام المقبلة، أهمها إعلان الرئيس التنحي.