لملم مؤتمر بروكسل لمساعدة السوريين أوراقه أمس الثلاثاء 30 يونيو (حزيران) الفائت، وسط أوضاع إنسانية غاية في الصعوبة يحتاج فيها أكثر من أحد عشر مليون سوري بحسب إحصائية أممية، إلى مساعدة طارئة ليتمكنوا من البقاء على قيد الحياة.
وأفضى مؤتمر المانحين الرابع على التوالي في بروكسل المدينة البلجيكية (عاصمة الاتحاد الأوروبي)، ومركز رسم السياسة الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى تعهد الدول بتقديم 5.5 مليار دولار لدعم العمليات الإنسانية وبرامج المرونة والتنمية لعام 2020، وبـ 2.2 مليار دولار في عام 2021 وما بعده.
القوافل المتأخرة
وفي غضون ذلك، تُطرح على هامش (بروكسل 4) المنعقد برعاية المفوضية الأوروبية والأمم المتحدة، جملة تساؤلات حول آليات العمل لإيصال المساعدات إلى مستحقيها، لا سيما تلك الواقعة خارج سيطرة النظام السوري بعد إغلاق الحكومة معابر برية شرق سوريا، ومنها معبر "اليعربية" في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وفي ظل عراقيل وصول المساعدات ومطالبة دمشق بمرورها عن طريقها، ناشد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارك لوكوك، مجلس الأمن الدولي تجديد منح الإذن للمنظمات الإنسانية لنقل المساعدات عبر المعابر، وفق قرار مجلس الأمن 2504، لسد حاجات المهجرين.
وحدد مسؤول الإغاثة حاجة 2.8 مليون شخص في شمال غربي البلاد للمساعدة، ويشكلون 70 في المئة من عدد سكان المنطقة، مع نزوح نحو نصف مليون في بداية العام الحالي. وكانت "عبرت 1781 شاحنة الحدود من تركيا إلى شمال غربي سوريا محمّلة بمساعدات معظمها غذائية في مايو (أيار) الفائت".
المياه الراكدة
وانضم المبعوث الأممي الخاص لسوريا غير بيدرسون، للدعوة إلى وصول المساعدات في الداخل والخارج، وقال "يجب أن تستمر وأن تصل من دون عوائق"، وكشف في كلمة له خلال مؤتمر دعم مستقبل سوريا، أن اللجنة الدستورية ستجتمع في جنيف نهاية أغسطس (آب) المقبل.
ودعا نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، إلى تهيئة المساعدات الإنسانية الشاملة لجميع المحتاجين في جميع أنحاء سوريا من دون تسييس وتمييز وشروط مسبقة، وذلك في كلمته ببروكسل 4.
في السياق ذاته، تطرق نائب وزير الخارجية الروسي النظر إلى الآلية العابرة للحدود التي أنشئت في عام 2014 كإجراء مؤقت وطارئ، واعتبر أنها "لم تعد تتناسب مع الوضع الحالي على الأرض، أو قواعد القانون الإنساني الدولي".
وقائع سورية
مقابل ذلك، لا تبدو دمشق مرتاحة لبروكسل بكل أجزائه ومراحله أو لأي مؤتمر خارج سوريا، ما لم تكن مشاركة به. وعدّ مصدر سياسي سوري هذه المؤتمرات تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي لبلاده، والذي هو "من صلاحية السوريين وحكومتهم الشرعية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وألقى المصدر ذاته اللوم على تلك الدول الداعمة "التي ارتكبت محرّمات وجرائم بحق السوريين تتحمل المسؤولية الأساس عن معاناتهم، ولا يستطيع إخفاء إجرامه وراء القناع الإنساني الزائف، والتسييس الفاضح للجانب الإنساني خدمة لأجنداته"، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية "سانا".
وبالتزامن، يشكك مراقبون للشأن السوري حدوث أي تبديل أو تغيير يطرأ على المساعدات وستبقى تحت رحمة التسييس والتجاذبات السياسية الدولية، ما لم يتوصل السوريون إلى حلول حاسمة لقضيتهم.
ولا يخفي الباحث السياسي والاقتصادي آدم خوري، في حديث لـ "اندبندنت عربية"، ما يحدث من تسييس واضح للمساعدات، فيما الخاسر هو الشعب السوري بكل أطيافه.
وقال "إن جرى الالتزام بتقديم المعونات فهذا الأمر سيساعد في استمرار المهمة الإنسانية للأمم المتحدة، لكن بجزء منها سيتم تسييسه بطريقة غير مباشرة وتوجيه للطرف الذي تدعمه هذه الدول المانحة".
ويعتقد خوري أن المستفيد الأكبر هو الدول التي تحتضن اللاجئين السوريين "قسم سيوجه للداخل السوري لمناطق المعارضة بشكل أساسي، ولا أظن أن المناطق التي يسيطر عليها النظام ستحصل على حصة كبيرة من هذه المساعدات".
انهيار كبير
وفي خضم ذلك، ترزح البلاد تحت وطأة ضربات اقتصادية موجعة كان أقساها انهيار الليرة التي وصلت إلى مستوى متدنٍ، تجاوزت ثلاثة آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد.
في غضون ذلك، بادرت العاصمة السورية بإطلاق حملات مكافحة فساد، والتحقيق مع من يُوصفون بـ "حيتان المال" ورؤوس أموال كبار الشخصيات التجارية في البلاد ومصادر أموالهم، منهم الملياردير رامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد.
ويواصل الناشطون المعارضون للسلطة بث رسائل تأييدهم لإيصال المساعدات الإنسانية عبر معابر بعيدة من قبضة النظام. ويعرب الناشط الحقوقي رضوان العلي، عن تفاؤله بمخرجات بروكسل الحالية، لكن في الوقت ذاته يرى أن "نجاح بروكسل مرتبط بنجاح إيصال المساعدات للقاطنين في الخيام، الذين يزداد واقعهم الصحي سوءاً".
قانون قيصر
ويتحدث العلي عن مستوى الضغط الدولي الذي يزداد بوتيرة عالية على النظام السوري، وفي مقدمه قانون قيصر، وهذا مما لا شك سيساعد على إيصال أكبر ما يمكن إيصاله من حاجات.
ومع كل تلك التطورات، يشهد الداخل السوري والمناطق خارج سيطرة الحكومة ومخيمات النزوح واقعاً معيشياً متدنياً يصل إلى ما يمكن وصفه بـ"أزمة جوع".
وقالت في هذا الشأن المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في جنيف، إليزابيث بيرز، "السوريون يواجهون اليوم أزمة جوع لم يسبق لها مثيل، إذ تصل الأسعار الأساسية إلى مستويات غير مسبوقة حتى في ذروة النزاع منذ تسع سنوات، ويغرق ملايين الناس في قاع الفقر".
وفي بيان صادر في 26 يونيو المنصرم، لفت برنامج الأغذية العالمي إلى أن حوالى 9.3 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة 1.4 مليون في الأشهر الستة الماضية وحدها.
حاجات معلقة
وقد واكبت المنظمات الإنسانية مؤتمراً يخص مستقبل السوريين، ومنها اليونيسف التي ترعى شؤون الطفولة، وبعد تواصل "اندبندنت عربية" مع مكتبها للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لمعرفة تفاصيل أكثر عن دور المساعدات في ما يخص الأطفال، أفدنا بأنه "تعرّض للقتل في سوريا ما معدله طفلٌ كل عشر ساعات بسبب العنف، وقد اقتُلِعَ أكثر من 2.5 مليون طفل وإرغامهم على الفرار إلى البلدان المجاورة، بحثاً عن الأمان".
ولقد وُلد حوالى ستة ملايين طفل سوري منذ بدء الأزمة. ولا يعرف هؤلاء الأطفال سوى الحرب والنزوح، ولكي تواصل اليونيسف تقديم المساعدة الحيوية لهم، فإنها تحتاج حالياً إلى 575 مليون دولار أميركي للبرامج داخل سوريا وفي الدول المجاورة، من ضمنها 241.2 مليون دولار أميركي لبرامج التعليم.
ووضع صندوق الأمم المتحدة للسكان، مكتب سوريا ما أسماه "ورقة موقف" خاص بمؤتمر "دعم مستقبل سوريا والمنطقة"، والذي أوصى بزيادة التمويل المرن متعدد السنوات لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية.
ولفت صندوق السكان في ورقته إلى جملة العوامل التي عرّضت النساء والفتيات لمخاطر متزايدة من العنف، إضافة إلى تأثير حالات النزوح وتزايد التوترات مع المجتمعات المضيفة، مع ما تشهده البلاد من ضائقة اقتصادية فاقمها فيروس كورونا المستجد.