تعمل ياسمين بكار البالغة من العمر 26 سنة، أستاذة بديلة في مدارس ليستر الثانوية، لكنها مجبرة حاضراً على أخذ إجازة أمومة لأن ابنتها حديثة الولادة باتت جزءًا مَمّا يُعرف باسم "الجيل ك"، في إشارة إلى من وُلدوا أثناء أزمة كورونا. اعتادت بكار، وهي مسلمة ملتزمة، أن ترتدي نقاباً يغطي كامل وجهها ما عدا عينيها، منذ سن الـ14. ويُعدُّ قرارها بهذا الشأن غاية في الأهمية من الناحية الدينية بالنسبة إليها، لكنه يعني في الوقت ذاته إجبارها في أحيان كثيرة على الشعور بالانزعاج في الأماكن العامة، وجعلها هدفاً واضحاً للإسلاموفوبيا في بريطانيا.
وعلى هذا النحو، سارت الأوضاع في 2018 على وجه الخصوص، عندما قارن بوريس جونسون الذي يشغل حاضراً منصب رئيس الوزراء النساء اللواتي يرتدين البرقع بـ"صناديق البريد" و"لصوص المصارف". وفي العمود ذاته الذي كتبه لصحيفة "تليغراف" آنذاك، ذكر أيضاً أن اختيار النساء ارتداء ذلك الغطاء، يُعتبر أمراً "سخيفاً". تسبّب ذلك المقال لوحده بقفزة في حوداث كراهية الإسلام بـ375 في المئة، بحسب مجموعة الرصد "تيل ماما". وخلال الأسابيع الثلاثة التي أعقبت نشر ذلك العمود، ورد أن 42 في المئة من الحوادث التي وقعت خارج فضاء الإنترنت، "أشارت بشكل مباشر إلى بوريس جونسون و/أو إلى اللغة التي استخدمها في مقالته"، بما في ذلك وسم النساء المسلمات اللواتي يرتدين الخمار أو النقاب بـ"صناديق البريد" أو "النينجا".
إنه أمر ما زالت ساندرا جيمس*، من لندن، تتذكّره بوضوح. وقد نقلت إلى "اندبندنت" أن "[جونسون] قدّم شرعية للعنصريين وكارهي الإسلام". اعتنقت جيمس الإسلام في 2006، وترتدي النقاب منذ ست سنوات. وتقول: "وقعت أكثرية المواقف السلبية أثناء شراء البقالة. لقد تعرضتُ للشتم، وطُلب مني أن أعود إلى موطني، ووُصفت بـ"الداعشية" أو "الإرهابية" مرات عدّة". وفي أحد المواقف، دفع شخص غريب عربة التسوّق تجاه جيمس في متجر "تيسكو" الاستهلاكي، وكانت حبلى وقتئذ.
لقد باتت كثيرات من النساء المسلمات معتادات على وجودهن الواضح كنساء يرتدين النقاب أو الحجاب أو البرقع أو غطاء للرأس أو الوجه. ووقع المسلمون ضحية 47 في المئة من جرائم الكراهية الدينية التي حدثت في المملكة المتحدة بين عامَيْ 2018 و2019. ويشير أحد تقارير مجموعة "تيل ماما" إلى أن حوالى 80 في المئة من ضحايا تلك الحالات كان يمكن تحديد هويتهم كمسلمين من مظهرهم، بمعنى أنها طاولت أولئك الذين يرتدون ملابس "تُرْبَط عادة بالإسلام".
وإضافةً إلى ذلك الخوف الدفين المستمر، توجّب على المسلمين التعامل مع الارتفاع الحاد في جرائم الكراهية عقب حوادث الإرهاب العالمي، إذ تسبّب الهجوم على مسجد "كرايستتشيرتش" [نيوزيلندا] في ارتفاع جرائم الكراهية ضد المسلمين في المملكة المتحدة بـ600 في المئة. في أعقاب ذلك، تعرّض رجل في أوكسفورد لسيدة خرجت مرتدية الحجاب، وراح يقلّد أصوات السلاح.
في مقلب آخر، مع استمرار وباء كورونا في اكتساح العالم، تحاول الحكومات وضع معايير للسيطرة على انتشار الفيروس، ولن يكون بعض المسلمين بعد الآن الأقلية التي ترتدي أغطية (على الوجه). اعتباراً من 15 يونيو (حزيران) 2020، فرض بوريس جونسون، ذلك السياسي نفسه الذي تسبّب في موجة من مشاعر العداء للمسلمين عبر مقاله في 2018، إلزامية ارتداء الجميع أغطية على الوجه عند استخدام وسائل النقل العام في إنجلترا. كما أنه شجع على وضعها في الأماكن الأخرى التي يصعب تطبيق التباعد الاجتماعي فيها مثل المتاجر والسوبرماركت. وكذلك أصدرت الحكومة إرشادات حول كيفية صنع أغطية للوجوه في المنزل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مع أن الدافع وراء ارتداء غطاء الوجه مختلف، لكن النتيجة ذاتها: فُرض على الأمة وضع الغطاء ذاته الذي كان اعتماده سبباً في تعرّض أقلية (من غير المعروف بدقة عدد النساء المنقّبات، على الرغم من وجود تقارير حول تضخيم في الإحصاءات) للتدقيق والسخرية على مرّ الزمن.
تعمل السيدة شاينا أحمد (32 سنة) مدرّسة في حضانة ومتزوجة من إمام مسجد في جنوب شرقي إنجلترا. وتقول إن ارتداء النقاب أو غطاء الوجه في بريطانيا قبل كورونا كان "مرهقاً للغاية" بسبب الضغط الذي جعلها لا "تطلق أحكاماً" على الأخريات اللواتي قرّرن خلعه تماماً. ووفق كلماتها، "أشعر بأنه عليّ أن أكون ودودة جداً في الأماكن العامة، لأنني أمثّل المجتمع المسلم أمام المجتمع غير المسلم... إضافةً إلى المرتبة التي يمنحني إياها المجتمع المحلي المسلم كزوجة لإمام مسجد".
في سياق مُشابه، ترى هؤلاء النساء المسلمات أنه على الرغم من ترحيبهن باعتماد أغطية الوجه حاضراً، إلّا أنّهن مستاءات من الاختلاف في التعاطي مع الأمر. وبحسب بكار، "إذا كنتُ أرتدي نقاباً، بينما يرتدي الشخص الذي إلى جانبي غطاءً على وجهه، فإننا نغطّي الجزء ذاته من وجهَيْنا. وليس من اختلاف إلّا في الأسباب".
في الإطار عينه، تمحور عدد من الحجج التي أُثيرت ضد ارتداء غطاء الوجه الإسلامي في الأماكن العامة خلال العقد المنصرم، حول فكرة عدم قدرة مَن ترتديه في أن تكون جزءًا من مجتمع عامل، إذ لا يستطيع الأفراد التحدث إليكِ، ولا تقدر السلطات أن تحدّد هويتكِ، أو أن عدم رؤية الوجه بالكامل قد تشكّل خطراً أمنياً (خصوصاً في المطارات، وعلى متن الطائرات وفي وسائل النقل الأخرى. ولطالما التهبت تلك الأماكن بمشاعر العداء ضد المسلمين، لكنها باتت أماكن تغصّ بأغطية الوجه ضد الفيروس).
وعلى نحو مماثل، تجسّد هذا الرياء في النموذج الفرنسي، عندما اعتبرت الحكومة كل أغطية الوجه الدينية غير قانونية في 2011. لكنها في 10 مايو (أيار) 2020 جعلت أغطية الوجه ضد "كوفيد-19" إلزامية مع فرض غرامات جزائية على غير الملتزمين. لكن، ما زال البرقع ممنوعاً.
وتتناول بكار ذلك الأمر، مشيرةً إلى برهان على أن المسألة لم تكن تتعلّق أبداً بالقضايا اللوجستية، لكنها تتمحور حول الإسلاموفوبيا في واقع الأمر. وتتابع، "كشفت القواعد الجديدة عن تحيّزات الأشخاص... لم يكن الأمر مرتبطاً أبداً بخرق المعايير الأمنية أو تحديد الهوية أو حتى وجود عائق للتواصل ضمن المجتمع الأوسع. لقد تعلّق الأمر دائماً بما يمثّله الغطاء، ولأنه يمثّل الإسلام، افترض الناس أن تغطية الوجه عقلية رجعية".
وتؤيد جيمس ذلك، "يتمتّع النقاب بسمعة سيئة بسبب استخدام الإعلام صورة امرأة تغطّي وجهها كلّما حدث أمر رديء يختصّ بالإرهاب أو المتطرفين".
في ذلك الصدد، غالباً ما يُعدُّ ارتداء النقاب في المملكة المتحدة مرادفاً لظلم المرأة أو إجبارها على ارتدائه (سواء من قبل زوجها أو والدها). لكن بالنسبة إلى بكار، كان والدها هو الشخص الذي سألها إذا كانت بالفعل تريد ارتداءه. بينما لم يكن أحد في دائرة معارف جيمس، المسلمين أو غير المسلمين، راضياً عن فكرة ارتدائها النقاب. وإضافةً إلى ذلك، تحمل النساء المنقّبات عبء فكرة أنهن "يرجعن النساء المسلمات إلى الوراء". وتشير جيمس أيضاً إلى ابتعاد النساء المسلمات الأخريات عنها لكونها المنقّبة الوحيدة في المكان. وبحسب كلماتها، "النساء المسلمات في المملكة المتحدة (وهن نساء ملونات) حاولن جاهدات الانخراط في المجتمع، بالتالي لو وقفتُ أنا [المنقّبة] بالقرب منهنّ أو عانقتُهنّ، فإنّهن يخشينَ إدراجهن في [هوية الآخر] المُغايِرَةْ".
في سياق متصل، تأمل تلك النساء في أن الاتجاه السائد والمتوقع استمراره في المستقبل المنظور، لتغطية الوجه في وسائل النقل العام التي تُعتبر أمكنة تتعرّض فيها كثيرات من المسلمات لصدمات عدّة، سيزيد التعاطف والتفهم. في ذلك الشأن، تقول السيدة أحمد، "من اللطيف أن يجرّب الآخرون تغطية جزء من الوجه، على أمل أن يصبحوا أكثر تعاطفاً مع اللواتي يرتدين الغطاء لسبب آخر غير الوباء". كذلك تشعر بالاطمئان حاضراً بسبب رؤية آخرين يرتدون أغطية على الوجه خلال الأيام العشرة الماضية.
وبحسب كلماتها، "رأيتُ مجموعة من الأشخاص في شارعي يضعون غطاء وجه أسود، وكان من اللطيف رؤية أشخاص يبدون مثلي لمرة واحدة. يدفعني ذلك إلى التفكير ’ما هو الفارق بيني وبينكم؟". وتضيف أحمد أن ذلك سيسمح لها بزيادة استعمالها وسائل النقل العام، إذ إنّها فضلت في السابق قيادة سيارتها خشية تعرّضها للهجوم.
على غرار أحمد، تعرب بكار عن اعتقادها بأنّ الأشهر القليلة المقبلة ستوفر مساحة متغيّرة لعلاقتها مع نقابها، إذ تخلعه عادة في الأماكن العامة عندما تشعر بأنها مهدّدة. وصارت حاضراً تستخدم غطاء وجه مُدمجاً بكمّامة، ما يخفّف من قلقها ويقلّل من شعورها بالاستهداف.
بعبارة أخرى، ستختلف الأسباب التي تجعل النساء يخترنَ ارتداء النقاب أو غطاء الوجه، على الرغم من أنه غالباً ما يُنظر إلى المنقّبات من الخارج بوصفهن مجموعة متجانسة. في ذلك الصدد، تشير أحمد إلى أن التوسّع في استخدام تلك الأغطية بما يتجاوز فرضها عبر معايير الإسلام، قد جعلها مقبولة. وعلى الرغم من رياء الوضع، إلّا أنّ رؤية أغطية الوجه تشعرها بالراحة وتقلّل من شعورها بأنها "الآخر".
وتضيف، "أفعل ذلك لأسباب شخصية، بينما يتمثّل الدافع لدى الشخص الذي إلى جانبي في فيروس كورونا". كذلك تأمل أحمد في أن تقوّض أغطية الوجه بسبب كورونا الجدل مستقبلاً حول عدم ملاءمة النقاب للمجتمع. ووفق كلماتها، "لا أشعر بمجرد أنه يؤكد معتقداتي وصواب ما أفعله في المجتمع، بل إنه يحمي صحتي حاضراً. إنه شعور لطيف، بغض النظر عن المدة التي قد يدوم عليها".
مع أننا لا نعلم إلى متى ستستمرّ إلزامية تغطية الوجه في المملكة المتحدة، إن لم يكن هناك أمل بوجود لقاح قبل عام 2021 على أقلّ تقدير ومع التهديد الذي يلوح في الأفق بحدوث موجة ثانية من العدوى، من المنطقي أن نتوقّع أنها لن تكون مؤقتة. بالنسبة إلى النساء المسلمات اللواتي عانين طويلاً من العنصرية المحتجِبة بسبب ارتدائهن غطاء للوجه، فهنّ يأملنَ في أن توفّر تغطية الوجه حماية ضد الفيروس الجديد وكذلك ضدّ التحيّزات والعدائية في المستقبل.
لم يعد باستطاعة السياسيين أو عامة الناس الادّعاء أن تغطية الوجه تشكّل تهديداً، عندما يحتاجون فقط إلى النظر في المرآة.
* جرى تغيير بعض الأسماء في المقال.
© The Independent