واصل أطراف النزاع الليبي، إدارة الظهور بعضهم إلى بعض، على الرغم من الرحلات الكثيفة إلى الخارج. فإلى موسكو، توجّه رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، للتشاور مع قادة الكرملين في شأن مستجدات الملف الليبي، لا سيما المبادرات السياسية وآخرها المبادرة المصرية، وكان صالح نفسه مهندسها ورحّبت بها موسكو أيّما ترحيب.
بينما واصلت حكومة الوفاق في العاصمة طرابلس، استقبال ضيوف مثيرين للجدل، غالبيتهم قادة عسكريون من أعلى المستويات في أنقرة، ما أثار التكهنات في شأن ترتيبات محتملة للمعركة الفصل في سرت والجفرة.
توافق بين بنغازي وموسكو
من بنغازي، توجّه صالح، إلى موسكو بعدما أنهى مباحثات مثيرة مع وزير الخارجية اليوناني، قادت إلى تفاهمات في شأن ترسيم جديد للحدود البحرية مع أثينا، تقاطعت خطوطها بشكل مقصود، مع تلك التي رُسمت في أنقرة، بينها وبين طرابلس.
وصرح المستشار الإعلامي لمجلس النواب فتحي المريمي لـ"اندبندنت عربية"، أن "المستشار صالح شدّد في مشاوراته مع المسؤولين الروس، على أن المجتمع الدولي فرض حالة الاقتتال الحالية في ليبيا عبر منحه الشرعية لجسم غير منتخب، وهو المجلس الرئاسي الذي عجز عن تحقيق النقاط المتّفق عليها في الصخيرات المغربية".
وأكد أن "ولاية المجلس الرئاسي وصلاحيته انتهتا منذ مدة طويلة، بالتالي الحكومة الحالية غير شرعية".
وذكّر صالح بأن "الاتفاق السياسي نصّ على انسحاب المجموعات المسلحة من المدن، وبدلاً من ذلك، أحكمت الميليشيات قبضتها على حكومة الوفاق ومؤسساتها، وفي مقدمها مصرف ليبيا المركزي".
وأوضح للمسؤولين الروس أن "المبادرة المصرية هي الحلّ الوحيد لقضية ليبيا"، قائلاً "وافقنا على طلب وقف إطلاق النار للتوصّل إلى حلول سياسية، لكن الطرف الآخر لم يعلن التزامه بوقف إطلاق النار، لأنه لا يستطيع إجبار الميليشيات على الجنوح للسلم".
وأشار رئيس مجلس النواب إلى أنه "يعوّل على دور موسكو لتكون وسيطاً فاعلاً في حلّ الأزمة الحالية، لأنها تمثّل فريقاً مقبولاً من الجميع".
لا حلّ عسكرياً
في المقابل، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الجمعة 3 يوليو (حزيران)، استئناف عمل السفارة الروسية في ليبيا، التي تقوم بمهماتها مؤقتاً من تونس".
وأكد أن "لا حلّ عسكرياً للصراع في ليبيا، ويجب على الأطراف وضع حدٍّ لخلافاتهم من خلال المفاوضات".
وقال لافروف بعد لقائه رئيس مجلس النواب الليبي، إن "روسيا أكدت طوال هذه السنوات أن النزاع ليس له حلّ عسكري، وأن جميع التناقضات يمكن ويجب أن تنتهي بأساليب سياسية على طاولة المفاوضات من قبل الليبيين أنفسهم".
وبيّنت الزيارة من جديد، توافقاً ملحوظاً بين معسكر الشرق اللليبي وموسكو حول المسار الأمثل للأزمة في البلاد، من وجهة نظر الطرفين، متمثّلاً في وقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات، المرتكزة على ما اتّفق عليه في "إعلان القاهرة".
وزير الدفاع التركي في طرابلس
في طرابلس، حطّ وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ومعه رئيس الأركان العامة ياشار غولار وعدد من القيادات العسكرية بعد أيام من زيارة مماثلة لرئيس الأركان البحرية التركية، والتقى عدداً من المسؤولين السياسيين والعسكريين في حكومة الوفاق، يتقدّمهم رئيس الحكومة فايز السراج ورئيس مجلس الدولة خالد المشري.
وتطرّقت المحادثات، بحسب المكتب الإعلامي لحكومة الوفاق، إلى "مجالات التعاون العسكري والأمني وبرامج بناء القدرات الأمنية والدفاعية لقوات الوفاق، في إطار مذكرة التفاهم الموقّعة بين الجانبين، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إضافةً إلى بحث آليات التنسيق بين وزارة دفاع حكومة الوفاق ووزارة الدفاع التركية".
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال في تصريحات صحافية، الجمعة، إن "زيارة وزير الدفاع ورئيس الأركان إلى ليبيا تهدف إلى الاطّلاع على العمل المشترك، بشكل أوضح"، مضيفاً أنه "يجب أن يستمرّ العمل بين أنقرة والحكومة الليبية المشروعة بشكل جدّي".
وتتقاطع هذه الزيارات العسكرية التركية مع معلومات نُشرت في ليبيا تفيد بأنّ أنقرة وحكومة الوفاق سرّعتا الخطى نحو تفعيل الاتفاقيات المشتركة، المتعلقة بإنشاء قواعد عسكرية تركية غرب البلاد والإعداد المشترك للمعركة الحاسمة في سرت والجفرة.
وكان نشطاء ليبيون تداولوا في الأيام الماضية، فيديو يظهر معدات عسكرية ضخمة، متّجهة إلى قاعدة الوطية بحماية قوات ليبية تابعة لحكومة الوفاق، وتلت هذه التحركات زيارة رئيس الأركان البحرية التركي إلى طرابلس.
تنسيق لبسط السيطرة
تعليقاً على ما دار خلال هذه الزيارة، قال المستشار السياسي لحكومة الوفاق محمد بويصير، إنها "تمت بناءً على تكليف من الرئيس التركي للتأكد من استكمال الاستعدادات لمساعدة حكومة الوفاق في فرض سيطرتها، حتى الحدود الشرقية الملاصقة لمصر والخط الحدودي حتى مثلث العوينات جنوباً" .
ووفقاً لما أورده في سلسلة تدوينات على مواقع التواصل، فإنّ "الطرفين يسعيان إلى ما سمّاه (السيادة الجوية الكاملة شرقاً) ومنع أي خرق للأجواء الليبية، من دون إذن حكومة الوفاق وتحييد أي موقع متمرّد"، بحسب وصفه .
وأشار إلى أن زيارة الوفد العسكري التركي المثيرة للجدل، تسعى إلى "الاطمئنان على الترتيبات الخاصة بالجهد البري والبحري المساند للمرحلة المقبلة من العمليات".
إيطاليا تقدم الدعم لإيريني
في سياق آخر، أعلن وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، أن "بلاده ستتمكّن قريباً من توفير أصول عملية إيريني الأوروبية لمراقبة حظر الأسلحة على ليبيا، بعد موافقة البرلمان على مرسوم البعثة التي تشتمل على فرقاطة وطائرتين".
وأكد أنه "من أجل فعالية المهمة، لا بد من نشر القطع العسكرية المخطّط لها، التي يجب أن تكون بحرية وجوية لرصد أنحاء ليبيا، وفي أقرب وقت ممكن".
في السياق ذاته، استبعد الصحافي الليبي محمد يسري، في حديث مع "اندبندنت عربية"، أن "تشير هذه اللقاءات والمباحثات الموسعة، في اليومين الماضيين، إلى قرب التوصّل لتفاهمات سياسية، بقدر ما تشير إلى زيادة حدّة الاصطفاف في الأزمة الليبية، من الأطراف الداخلية والخارجية".
وقال إن "لقاء عقيلة صالح ووزير خارجية اليونان، والوفود التركية العسكرية المتواصلة على طرابلس، يؤكدان أننا مقبلون على موجة تصعيد جديدة لا تهدئة، هذه الموجة ستغرق الجميع في فوضى عارمة لا أحد يمكنه تقدير تداعياتها".