أولاً، كان هناك ارتفاع سريع في الإصابات، وفي عدد حالات الدخول إلى المستشفيات، وما يؤسف له، من حالات الوفاة، وثانياً، اضطراب اقتصادي ناجم عن قيود الإغلاق المفروضة للسيطرة على تفشي فيروس كورونا. وقد استُشعِر بتأثير كوفيد-19 مباشرة، وكان رد اليمين المتطرف، فورياً أيضاً.
فبعد أسابيع قليلة فقط على وقوع الجائحة، أصبحت جماعات اليمين المتطرف مرئية بشكل ملموس، من دون تفويت أي فرصة للظهور. ففي الولايات المتحدة راح العنصريون البيض يناقشون طرقاً تساعد على نشر المرض بين الكيانات المجتمعية اليهودية، ما حفز مكتب التحقيقات الفيدرالي على التحذير من ذلك، بينما راحت جماعات مماثلة في المملكة المتحدة تنشر معلومات مضلِّلة تزعم قيام المسلمين البريطانيين بانتهاك قواعد الإغلاق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذ بدأنا نتصارع مع العواقب المترتبة على جائحة كوفيد-19 ما بعد الإغلاق، تحول النقاش إلى كيفية تأثيره فينا على المدى البعيد، وهل نحن مستعدون فعلاً لمواجهة موجة جديدة من الفيروس؟ وإلى أي درجة من الأذى الاقتصادي يمكن لمجتمعاتنا أن تتحمل؟ يمكن القول إن تقريرنا يثير أسئلة حول كوفيد-19 هي نفسها التي يثيرها اليمين المتطرف. ما الذي حققه هذا المرض خلال الإغلاق؟ وماذا سيترك وراءه من ضرر حال خروجنا منه؟
بالتأكيد، مكن الفيروس اليمين المتطرف من إظهار ولعه بالتفكير التآمري. فهناك نظريات مؤامرة عدة عن أصل الجائحة وكيفية تفشيها راحت تبرز، وتتضمن قائمة لا نهاية لها من أكباش الفداء: اليهود، المسلمون، إسرائيل، وكالة الاستخبارات المركزية، الصين، جورج سوروس، بل وحتى الأمم المتحدة. وقد استطاع بعض من نظريات المؤامرة هذه القفز من تداولها بين جماعات مهمشة عبر الإنترنت إلى عموم المواطنين.
وهذه ليست كلمات فقط؛ إذ أصبح انتشار نظريات المؤامرة الآن يسهم في ارتفاع خطاب الكراهية المعادي للسامية، ووقوع الجرائم القائمة على أساس الكراهية، بل وحتى وقوع حوادث من التخريب، مثل إشعال النار في أعمدة برنامج تسيير الهواتف الجوالة الجديد "جي 5" في المملكة المتحدة بسبب النظرية الغريبة التي تراها السبب الحقيقي وراء تفشي جائحة كوفيد-19.
وإضافة إلى نظريات المؤامرة، فإن المخاوف الاقتصادية من الإغلاق قدمت لليمين المتطرف فجوة يستطيع من خلالها الترويج للمشاعر المعادية للمؤسسة الحاكمة. فتقريباً، أظهر كل أنواع اليمين المتطرف قدراً من عدم الثقة في الإجراءات المتخذة لوقف انتشار الجائحة، فلبعض الحركات النازية الجديدة، لم يكن الإغلاق فعلاً شريراً فقط، بل هو مكيدة تفرض خلسةً دولة بوليسية وتصادر الحريات. لذلك، فليس مفاجئاً أن تكون جماعات اليمين المتطرف وناشطوها في الخطوط الأمامية للاحتجاجات المعادية للإغلاق. مع ذلك، فإنه من المقلق أن تتمكن هذه الجماعة السياسية استثمار الأزمة الحالية- حتى إلى درجة التخطيط للقيام بهجوم إرهابي على مستشفى لجذب انتباه الإعلام إليها.
ومع شروع البلدان في الخروج التدريجي من الإغلاق، وتحول الاهتمام العالمي بسرعة إلى أمور أخرى، فإن اليمين المتطرف قد يبحث عن موضوع آخر يحقق عبره الترويج لنفسه. إذ تشير المستجدات خلال هذه الأشهر إلى درجة عالية من التكيف والانتهازية لهذا الجناح السياسي، وهو أمر يمكننا توقعه لتقوية اليمين المتطرف على المدى البعيد. فحال الإعلان عن لقاح مضاد لكوفيد-19، يمكننا أن نتوقع حدوث تحشيد وتسخير ونشر مشاعر معادية له. وإذا كان هؤلاء المتطرفون قادرين على التمازج مع الحركات ذات التمثيل الجماهيري الأوسع مروجين الرسالة نفسها، فإن هذا سيشكل تهديداً ضخماً للأمن الصحي.
ومثلما أظهر الإغلاق، فإن تأثيرات الجائحة ليست في الجوانب الصحية فقط. فالتقلص الاقتصادي الذي تعاني منه مجتمعاتنا، جنبا إلى جنب مع التأثير الاجتماعي للجائحة على حياتنا، يوفران الشروط التي وفقها يزدهر اليمين المتطرف، في توسيع قاعدته وطمس الخطوط التي تفصله عن الحياة السياسية العامة.
نادراً ما رأينا من قبل مزيجاً كهذا، أطلق عليه الخبراء في التطرف تعبير "العوامل الضاغطة" التي تلعب دوراً، مثل ارتفاع البطالة؛ والخوف من عدم الاستقرار السياسي؛ وقضايا الصحة النفسية؛ والخسارة الشخصية؛ والخطاب السياسي الانقسامي. وما يثير القلق، هو أن بعض المجنّدين المنتمين إلى شرائح سكانية أساسية– بمن فيهم الشباب- سيكونون الطرف المتلقي لهذا الوضع.
وما يعمق من الأزمة هو أن جماعات اليمين المتطرف بدأت تعتبرها مجرد عرض جانبي للعولمة، التي قد تكون جذابة لأولئك الذين يشعرون بأنهم "أُغفِلوا". وإذا كانت استطلاعات الرأي في أوروبا لا تُظهر اليمين المتطرف باعتباره منتصراً، فإن أحزاب أقصى اليمين ستسعى مع ذلك إلى الاستفادة من الفرص التي وفرتها الجائحة كي تطالب بإغلاق الحدود وفرض إجراءات صارمة ضد الهجرة.
حالياً، سيركز صنّاع السياسات– وهم محقون في ذلك- على التحكم بالفيروس والتخفيف من التأثيرات الاقتصادية الناجمة عن الإغلاق، لكنهم سيكونون مصيبين إن هم اعتبروا كوفيد-19 عنصراً فعالاً في تعزيز اليمين المتطرف، مع كل المخاطر المترتبة عن ذلك على الاستقرار السياسي والاقتصادي.
( كريستينا أريزا محللة باحثة في وحدة السياسات المتطرفة بمعهد توني بلير للتغيير العالمي)
© The Independent