تكشف صور التقطتها أقمار اصطناعية لغابة الأمازون المطيرة في البرازيل، في يونيو (حزيران) الماضي، عن الآلاف من الحرائق المشتعلة فيها. وفيما يقترب موسم الجفاف، يحذر خبراء في الحفاظ على البيئة من إمكانية أن تعود المنطقة إلى تكرار الحرائق المدمرة نفسها التي نشبت العام الماضي.
وقد رصدت "وكالة بحوث الفضاء البرازيلية" INPE التابعة للحكومة، 2248 حريقاً في غابات الأمازون المطيرة الشهر الماضي، بزيادة قدرها 20 في المئة بالمقارنة مع حرائق يونيو (حزيران) 2019 التي بلغت 1880 حريقاً. وسجل يونيو إنه الشهر الأسوأ في الحرائق خلال أكثر من عقد، وفقاً للبيانات الحكومية.
كذلك أعرب خبراء في الصحة عن قلقهم من أن دخان الحرائق من شأنه أن يؤدي إلى مشكلات في الجهاز التنفسي بين سكان المنطقة، ويزيد صعوبة التصدي للزيادة الهائلة في أعداد إصابات كورونا في البرازيل. وفي هذا الشأن، يُشار إلى أن "منظمة الصحة العالمية" أفادت إن ما يربو على 60 ألف شخص لقوا حتفهم بسبب "كوفيد- 19" في البرازيل، فيما أصيب بالفيروس 1.4 مليون شخص.
وكذلك ذكرت آنا جونز، رئيسة "قسم الغابات" في منظمة "غرينبيس" ("السلام الأخضر") بالمملكة المتحدة أن "هذه الحرائق لم تنشب مصادفة. إذ لم يتخذ الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو أي خطوة لردع أصحاب الماشية ومغتصبي الأراضي، عن اجتثاث غابات الأمازون. وعلى الرغم من جائحة "كوفيد- 19"، ارتفع معدل استئصال الغابات. ونشهد الآن حرائق أُشعلت عن عمد بهدف إزالة الأشجار من تلك الأراضي بغية استغلالها في الزراعة الصناعية".
أردفت، "ليست هذه سوى البداية. على مدى الأشهر القليلة المقبلة، ما لم نشهد تدخلاً قوياً، ستزداد الحرائق على الأرجح وتبتلع مساحات شاسعة من الغابات، مهددة حياة شعوب المنطقة الأصليين والحياة البرية، ومفاقمةً أزمة المناخ على مستوى العالم".
في ذلك الصدد، بلغ متوسط الحرائق في يونيو 2020 زهاء 75 حريقاً يومياً في الأمازون، في مقابل متوسط قدره 1000 حريق تقريباً يومياً عندما بلغت الحرائق ذروتها في أغسطس (آب) 2019.
وكذلك نقلت وكالة "رويترز" عن فيليب فيرنسايد، عالِم بيئة في "المعهد الوطني البرازيلي للبحوث الأمازونية" Brazil’s National Institute of Amazonian Research، "إنه نذير سيء، لكن ما يكتسب أهمية فعلاً هو ما الذي سيحدث من الآن فصاعداً".
وتذكيراً، تظهر بيانات أولية صادرة عن "وكالة بحوث الفضاء البرازيلية" INPE أن معدل إزالة الغابات ارتفع بنسبة 34 في المئة في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، بالمقارنة مع العام الماضي.
سنوياً، تمتص غابات الأمازون نحو ملياري طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يطلقها حرق الوقود الأحفوري، وتؤدي دوراً بالغ الأهمية في التخفيف من وطأة أزمة المناخ المتنامية. في تصريح أدلى به كارلوس نوبري، عالِم مناخ في جامعة "ساو باولو"، إلى وكالة "أسوشيتد برس"، وردت إشارة إلى "أن غابات الأمازون تعمل بمثابة (خزان)، إذ تمتص من الغلاف الجوي ثاني أكسيد الكربون الذي يحبس تحته الحرارة التي تحملها أشعة الشمس".
واستطراداً، ينبعث نحو 40 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون على المستوى العالمي، سنوياً. وتشكل الحرائق في الأمازون تهديداً مزدوجاً. إذ لا تدمر الغابات اللازمة لامتصاص الكربون فحسب، بل تنفث الحرائق أيضاً ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ذلك الشأن، ليس خفياً أن حرائق الغابات في الأمازون يُشعلها أشخاص يستولون على الأراضي ويقطعون الأشجار ويحرقونها على امتداد تلك الغابة، بغية إفساح المجال أمام الماشية والمحاصيل. وقد تعرض بولسونارو لانتقادات بسبب تجريده الغابات من أشكال حماية ساعدت في تحقيق انخفاض قياسي في اجتثاث الغابات بين عامي 2004 و2012. للأسف، ارتفعت نسبة إزالة غابات الأمازون في السنوات الأخيرة، وسجلت في 2019 أعلى مستوى لها منذ 11 عاماً.
في مقلب مغاير، دعا بولسونارو إلى مزيد من الزراعة وعمليات استخراج المعادن في مناطق محمية من غابات الأمازون. وقد عمل الرئيس على نشر القوات المسلحة بهدف حماية الأمازون في مايو (أيار) الماضي، تماماً مثلما فعل في أغسطس من العام الماضي. وعلى الرغم من تلك المبادرة، ارتفع معدل إزالة الغابات بنسبة 12 في المئة في مايو الماضي بالمقارنة مع العام السابق، وازدادت أيضاً في يونيو.
في تطور متصل، أوضحت آن ألينكار، مديرة العلوم في "معهد أمازون للبحوث البيئية" Amazon Environmental Research Institute IPAM، وهي منظمة غير حكومية، إنه "عندما يحل موسم الجفاف في منطقة الأمازون، ستصبح هذه الأشجار المقطوعة وقوداً للنيران. وقد شكلت الأشجار المقطوعة عنصراً رئيساً لموسم الحرائق في 2019. وربما تتكرر تلك الحوادث نفسها في 2020 في حال لم تُتَخذ خطوات لمنعها".
من جهة أخرى، تتأهب المجتمعات المحلية في منطقة الأمازون للتصدي للدخان الذي يغطى المنطقة خلال موسم الحرائق، إذ يبلغ ذروته عادة بين أغسطس ونوفمبر (تشرين الثاني).
في حديث إلى "رويترز" أيضاً، ذكر غيوليرمي بيفوتو، عالم في الأمراض المعدية في ولاية "أمازوناس"، أن تردي جودة الهواء من شأنه أن يؤثر سلباً في مرضى فيروس كورونا. وفي أوقات سابقة، شكلت تلك الولاية الواقعة في المنطقة الشمالية من غابات الأمازون المطيرة، إحدى أكثر المناطق تضرراً بالوباء في البرازيل.
واستطراداً، ذكر بيفوتو أن "المصابين بـ"كوفيد" معرضون أكثر لمواجهة تأثيرات التفاعل بين التلوث و"كوفيد- 19"، وما يتسبب به من إطالة أمد الحالات ومكابدة أعراض أكثر".
وتذكيراً، تحتل إصابات فيروس كورونا في البرازيل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. وفي المقابل، يعتقد خبراء في الصحة أن العدد الفعلي للحالات في البرازيل ربما يكون أعلى من الإحصاءات الرسمية بسبعة أضعاف. وقد ذكرت جامعة "جونز هوبكنز" الأميركية أن البرازيل تُجري في المتوسط 14 اختباراً طبياً لكل 100 ألف شخص يومياً، أي أقل بـ20 مرة من المعدل المطلوب لتتبع الفيروس.
(شاركت "رويترز" في إعداد التقرير)
© The Independent