مهّدت أستراليا الخميس، التاسع من يوليو (تموز)، الطريق أمام منح إقامة دائمة للآلاف من مواطني هونغ كونغ المقيمين على أراضيها، رداً على إجراءات قمعية للصين بحق المعارضة، ما أثار رداً غاضباً من بكين، وقال رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، إن حكومته بصدد تعليق اتفاق تبادل تسليم الملاحقين بين هونغ كونغ وبلاده، إضافة إلى تمديد صلاحية التأشيرات الممنوحة لحوالى 10 آلاف شخص من هونغ كونغ يقيمون في أستراليا وفتح الباب أمام آلاف آخرين يرغبون في بدء حياة جديدة على الأراضي الأسترالية.
وقال موريسون إن هذه الإجراءات اتخذت رداً على فرض الصين قانوناً صارماً جديداً للأمن القومي في هونغ كونغ، معتبراً أن القانون "يشكّل تغييراً أساسياً في الظروف" في المدينة التي تحظى بحكم شبه ذاتي، وأضاف خلال مؤتمر صحافي، "أستراليا تقوم بتعديل قوانينها. قوانيننا السيادية وبرنامجنا السيادي للهجرة، أمور تقع على عاتقنا وتخضع لاختصاصنا القضائي، بما يعكس التغيرات التي نراها تحدث هناك".
بكين تندّد: انتهاك للمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية
وردّت بكين منددة بالإجراءات الأسترالية، ووصفتها بانتهاك "للمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية"، وحذّر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تجاو ليجيان من أن بكين "تحتفظ بحق اتخاذ مزيد من الإجراءات، ستتحمّل أستراليا جميع العواقب"، وأضاف "أي محاولات لقمع الصين لن تنجح".
وقالت وزيرة الخارجية الأسترالية ماريز باين، إن إجراءات الصين في هونغ كونغ نوقشت في وقت سابق الخميس مع الشركاء الأمنيين ضمن ما يسمى تحالف "العيون الخمس"، وهم إضافة إلى أستراليا، نيوزيلندا والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا.
تفاقم التوتّر بين البلدين
وجاء إعلان موريسون غداة قيام الصين بفتح مكتب جديد لجهاز الأمن في هونغ كونغ، لمراقبة تطبيق القانون الذي يعاقب على أنشطة تخريبية وانفصالية والإرهاب والتواطؤ مع قوى أجنبية، والقانون الذي جاء في أعقاب احتجاجات مطالبة بالديمقراطية تخلّلتها أحياناً أعمال عنف، هو أكبر تغيير جذري في الحريات في هونغ كونغ منذ أن أعادتها بريطانيا إلى الصين في 1997 بموجب اتفاقية تعهّدت الحفاظ على نمط الحياة فيها لـ 50 سنة.
وندّدت الصين بالانتقادات الواسعة للقانون، ومن المتوقّع أن يفاقم قرار أستراليا تقديم حمايتها لمواطنين من هونغ كونغ التوتر القائم فعلاً بين الدولتين، وكانت بكين فرضت في الأشهر القليلة الماضية رسوماً جمركية على عدد من السلع الأسترالية المستوردة، وعرقلت التجارة في سلع رئيسة أخرى رداً على إجراءات أسترالية لمواجهة تدخل صيني على أراضيها، والصين التي تعدّ أكبر شريك تجاري لأستراليا ومنافساً على النفوذ في منطقة الهادئ، غضبت بشكل خاص عندما قادت كانبيرا الدعوات لإجراء تحقيق في أصل فيروس كورونا.
دول عدة في المواجهة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدورها، تقوم نيوزيلندا بإعادة النظر في علاقاتها بهونغ كونغ على خلفية القانون الجديد، وفق ما أعلن وزير الخارجية وينستون بيترز، الذي أشار إلى أن ذلك "يشمل اتفاقيات تسليم الملاحقين وفرض قيود على صادرات سلع استراتيجية والنصائح المتعلقة بالسفر".
وعلّقت كندا أيضاً اتفاقية تبادل تسليم ملاحقين مع هونغ كونغ، بينما عرضت الحكومة البريطانية مساراً نحو الجنسية لأكثر من ثلاثة ملايين من سكان هونغ كونغ.
وقلّل موريسون من أهمية أسئلة حول ما إذا كان الموقف بشأن هونغ كونغ يمكن أن يؤدي إلى مزيد من ردود الفعل الانتقامية من الصين، وقال "سنتّخذ قرارات تتعلق بما هو في مصلحتنا وسنتّخذ قرارات بشأن قوانيننا وتحذيراتنا وسنفعل ذلك بعقلانية ورصانة وثبات".
كما بدا رئيس الوزراء الأسترالي غير آبه بالرد الغاضب للصين، إذ أصدر بعد ساعات بياناً مشتركاً مع نظيره الياباني شينزو آبي في أعقاب اجتماع قمة عبر نظام الفيديو، انتقدا فيه إجراءات بكين لإحكام السيطرة على بحر الصين الجنوبي الاستراتيجي، وفي إشارة مبطنة إلى الصين، دان الزعيمان "التطوّرات السلبية الأخيرة" في المنطقة، بما في ذلك عسكرة جزر متنازع عليها و"الاستخدام الخطير والمهدّد" لسفن بحرية و"ميليشيات بحرية" ضد سفن دول أخرى.
جذب الاستثمارات إلى أستراليا
وبموجب الإجراءات التي أعلنت الخميس، يحق لحوالى 10 آلاف مواطن من هونغ كونغ يعيشون في أستراليا بتأشيرات دراسة أو عمل، البقاء فيها لخمس سنوات إضافية، مع مسار للحصول على إقامة دائمة، وقُدم البرنامج أيضاً لمقاولين أو عمال مهرة يرغبون في المجيء إلى أستراليا في المستقبل.
وأوضح موريسون "إذا كانت هناك أنشطة تجارية ترغب في الانتقال إلى أستراليا، لخلق وظائف وجلب استثمارات وتحقيق فرص لأستراليا، سنكون استباقيين وسنسعى لتشجيع ذلك".
وتذكّر هذه الإجراءات برد أستراليا على أحداث ساحة تيان انمين القمعية عام 1989، عندما قدّمت كانبيرا الملاذ لآلاف الطلاب الصينيين وعائلاتهم، لكنها تناقض سياسات الحكومة الحالية المحافظة التي تفرض قيوداً على الهجرة.
وقال موريسون إنه لا يستبعد تهافتاً على تقديم طلبات لتأشيرات جديدة من سكان هونغ كونغ، لأسباب منها القيود المفروضة على السفر للحد من انتشار فيروس كورونا، وأضاف أنه سيكون "من المؤسف جداً" إذا حاولت الصين منع أهالي هونغ كونغ من الاستفادة من العرض الأسترالي.