لم يحدث أن انقلبت الدنيا، أو بالأحرى جانب منها، على "رجل دين" مثلما فعلت مع الشيخ عبدالله رشدي. انقلاب وتقلبات وتقليب لمنظومة تدخل الدين ورجاله في الحياة اليومية لعموم المصريين من ألفها إلى يائها تدور رحاها بشكل غير مسبوق هذه الآونة.
وشاءت الأقدار أن يكون "الداعية" المثير للجدل المؤجج لغضب دعاة الدولة المدنية وأنصار خروج المرأة من قمقم "الحرملك" وزنزانة "سي السيد" هو نقطة الانطلاق للغضب المتفجر والجرأة المفتقدة من قبل التيار المدني في مواجهة تحالف التيارات الدينية الصريحة وتلك التي تربت في كنفها، وتعتقد أنها مدنية لكنها غارقة في التديين حتى شوشتها.
تشويش المريدين
التشويش من قبل مريدي رشدي ومحبيه والمدافعين عنه حول فرضية النقاب واستحالة دخول الجنة لغير المسلمين وملابس المتحرش بها التي تدفع الرجل إلى التحرش بها لم تخفف من وطأة الغضب هذه المرة.
هذه المرة تحولت المرأة من قطعة حلوى يقف عليها الذباب حال تخلت عن ورقتها، ومن علبة تونة دون غطاء معدني فأكلت محتوياتها القطط والكلاب الضالة، إلى سيارة تركها مالكها مفتوحة فسرقها اللصوص.
إنها تشبيهات البعض من المنتمين إلى تيارات إسلامية تعكس تفسيرات متشددة للدين وتم ترويجها بنجاح منقطع النظير في المجتمع المصري على مدار نصف قرن مضى.
نصف القرن الماضي شهد تغلغل أفكار لا تمت بصلة للثقافة المصرية إلى المجتمع كله، لكنها وجدت في المرأة المصرية مجالاً أكثر خصوبة لفرض الهيمنة وشاشة أكثر اتساعاً لإشهار السيطرة.
كما شهدت العقود القليلة الماضية تنامي ظاهرة ما يعرف بـ"الدعاة الجدد" والمتمثلة في شكل وسن جديدة لـ"رجال الدين"، فبدلاً من رجال الدين المعممين المتقدمين في العمر المتحدثين باللغة العربية الفصحى، تسلل رجال دين؛ بعضهم درس علوم الدين وتخصص فيها، والبعض الآخر امتهنه كهواية معتمداً على كاريزما شخصية وطرق مسرحية مؤثرة كتلك التي يتبعها خبراء التنمية البشرية. ثم تطورت الصرعة لتشمل طريقة تخلط بين الجد والهزل، وتدس تفسيرات دينية بالغة التشدد أو غارقة في الابتذال ولكن في قالب "مودرن" جذاب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الدعاة المودرن
جاذبية الدعاة الشباب المودرن، ومنهم الشيخ عبد الله رشدي بطل الجدل المشتعل حالياً، خلقت لهم قاعدة شعبية عريضة بين الشباب من الجنسين، مضافاً إليها ميل شعبي مفرط في السنوات الأخيرة لصناعة ما يشبه الكهنوت ونَسبه إلى الإسلام. وإذا أضيف إلى ذلك هيمنة المرأة، وتحديداً جسدها، باعتبارها الشغل الشاغل لرجال الدين وهمهم الأكبر وحديث الساعة وكل ساعة، يكون رشدي أحد أبرز المنضمين لجهود مكافحة المرأة عبر شروح دينية بعينها.
يقول الكاتب أسامة غريب في كتابه "لمس أكتاف" (2011)، "لا أستطيع أن أنكر إحساسي بالأسى على حال الفقراء المعذبين في الأرض الذين يترنحون تحت وقع الضربات التي يتلقونها من الحكومة ومن رجال الدين على السواء. ولا ألوم الفقراء الذين لا يملكون العلم والمنطق، ولا يستطيعون أن يكشفوا الحيلة البسيطة، كما لا ألوم الحكومة التي تركت الناس يتلهون في خيبتهم الثقيلة حتى ينسوا حالهم البائس، وبالطبع لا ألوم رجال الدين الذين تلتقي أشواقهم مع رجال الحكم في تلبيس الناس السلطانية".
السلطانية الكابسة على الرؤوس
"السلطانية"، أو الإناء، وتستخدم العبارة في الإشارة إلى الضحك على العقول، التي كبست على الكثير من الرؤوس، وحبست سيل الأفكار ووقفت حائلاً أمام المسار الطبيعي للتطور الثقافي والحضاري خوفاً من أن يكون هذا ضد الدين، وهذه مناقضة للمتدينين جعلت "الدعاة"، لا سيما الجدد يتمتعون بشعبية جارفة وأفكارهم لا تحظى إلا بقول "آمين" من قِبل الملايين.
وكلما قفزت إلى الساحة واقعة تحرش أو تسللت إلى منصات التواصل الاجتماعي حادثة اعتداء ذات طابع جنسي، مال الدعاة إلى تحميل المرأة أو الفتاة مغبة ما حدث، سواء مباشرة عن طريق التشكيك في الملبس والسلوك والأخلاق والنوايا، أو بطريق غير مباشر بتبرئة الساحة أولاً عبر القول أن "التبرج" لا يبرر الاعتداء أو التحرش، إلا أنه سبب رئيس.
لائحة أسباب لا أول لها أو آخر تنهال على الرؤوس في كل مرة. "التحرش سببه خروج المرأة من البيت"، "التحرش سببه نظرات الفتاة أو المرأة غير الملتزمة بالنظر إلى الأرض"، "التحرش سببه وجود المرأة في مكان أو توقيت لا يصح وجودها في كليهما أو أيهما"، "التحرش سببه عدم قدرة الشباب على الزواج"، "التحرش سببه انشغال المرأة عن زوجها"، ولا يتوقف سيل الأسباب عن التدفق. لكن تظل ملابس النساء والفتيات الشغل الشاغل للقاصي والداني.
اللوم على المتحرَّش بها
وما إن تفجرت خيوط قصة الشاب المصري أحمد بسام زكي، الذي وجهت له عشرات الفتيات اتهامات غير رسمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالتحرش والاغتصاب والتهديد حتى انبرى، كما هو متوقع، عدد من رجال الدين ليلقي بلائمة ما جرى على أكتاف المتحرش بهن والمغتصبات.
وأول من وصل إلى صفوف المبررين هذه المرة كان الشيخ الشاب المثير للجدل ذو العضلات المفتولة والملابس العصرية والخواتم الفضية عبد الله رشدي. غير أنه وصل هذه المرة عبر قيام أعضاء الفريقين المتناحرين بالتنقيب في مخزون رشدي العنكبوتي والخروج بتدوينة كتبها في حادث تحرش سابق لكنها تنطبق على كل المتحرشين والمتحرش بهن من وجهة النظر السائدة.
تدور التدوينة في مجملها كالعادة في إطار مقدمة لا بد منها حيث "المشكلة ليست في التحرش فكلنا متفقون أنه جريمة ليست لها مبررات"، ثم سرعان ما تعرج على "الملابس المثيرة" باعتبارها أحد أسباب التحرش التي لا يمكن أن ينكرها أحد. ويتعمق رشدي أكثر فيجد أن "مشكلة التحرش لا يجب أن تتوقف عند المتحرش وجريمته، بل يجب أن نعالج الأسباب، وعلاج الأسباب يعني أن توضع الملابس الفاضحة في جملة مفيدة كسبب. لا بد أن نعالجه لمخالفته الشرع والعرف معاً".
التنقيب عن تدوينات
استمرت عمليات التنقيب، وخرج المنقّبون بتدوينة أخرى كتب فيها رشدي في واقعة تحرش أخرى، "ليس من الطبيعي أن تخرجَ فتاةٌ بملابس لا تصلحُ إلا للنومِ ثم تشكو التحرش". ولم يفته أن يسارع إلى التأكيد على أن ملابس النوم لا تبرر التحرش كما يفعل من وصفهم بـ"ضعاف العقول" الذين لا يفهمون كلامه. وذيل تدوينته بقوله إن "من تستعرض جسدها بزي فاحش أمام شباب تملؤه الرغبة ويمنعه الفقر فهي شريكة في الجرم".
"الشريكات في الجرم" هذه المرة ومعهم عدد لا بأس به من الرافضين والمنددين لمتلازمة التحرش وملابس النساء شنوا حرباً عنكبوتية شنعاء ضد رشدي. وتم تدشين كمّ مذهل من الهاشتاغات التي تضع صفة "مبرراتي" و"متحرش" و"مجانص" (في إشارة ساخرة إلى عضلاته المفتولة التي يمعن في كشفها عبر الـ"تي شيرتات"، التي يرتديها)، بالإضافة إلى هاشتاغات أخرى تتناول مأساة التحرش في مصر مثل "طمنوا بناتكم" و"مفيش سبب" و"حق المصريات فين" وغيرها.
وفي المقابل، دشن آخرون هاشتاغات تدعم رشدي، منها "أدعم عبد الله رشدي"، و"عبد الله رشدي مش متحرش"، بالإضافة إلى هاشتاغ دائماً يستخدمه رشدي في تغريداته وتدويناته وهو "الأزهر قادم".
محسوب على المؤسسة الدينية
وهذه ليست المرة الأولى التي يضع فيها رشدي مؤسسة الأزهر ووزراة الأوقاف في مواقف محرجة وأوضاع لا يحسد عليها. فرشدي محسوب على المؤسستين، وفي الوقت نفسه دائماً يفجر جدلاً بآرائه وغضباً بمواقفه واحتقاناً بفتاواه. وفي كل مرة، يلتزم الأزهر الصمت حيال رشدي ما أدى إلى انتقاص شعبية الأزهر لدى فئة من المصريين المنددين بتدخل رجال الدين في كل كبيرة وصغيرة وعلى وجه الخصوص حياة الإناث وملابسهن وكلامهن وتصرفاتهن ومعيشتهن وعملهن وتعليمهن ومشكلاتهن.
وفي سابقة تحسب له، خرج العدد الأسبوعي من جريدة "صوت الأزهر" وغلافها يحمل قنبلة انفجرت في وجه رشدي ومريديه. حمل الغلاف رسماً لوجه فتاة وشعرها يتطاير وعناوين عدة تعني الكثير. "طمنوا بناتكم" "الصمت عن هذه الجرائم يهدد أمن المجتمع"، و"الأزهر الشريف وضع كل الأمور في نصابها ورفض لوم الضحية أو اعتبارها شريكة في الإثم"، و"ملابس المرأة أياً كانت ليست مبرراً للاعتداء على خصوصيتها وحريتها وكرامتها"، و"التحرش إشارة أو لفظاً أو فعلاً جريمة قانونية وإثم شرعي وانحراف سلوكي وتجريم الفعل والفاعل يجب أن يكون مطلقاً ومجرداً من أي شرط أو سياق".
الروشتة الأزهرية
المفاجأة الإيجابية للتيار المدني والصدمة الرهيبة جداً للتيار الخالط الدين بالمرأة بالملابس بحقوقها جاءت في "الروشتة الأزهرية" لعلاج التحرش، التي خلت من ذكر مواصفات الملابس التي تضمن عدم التحرش، ونصت على، تفعيل القانون والتجريم والعقاب، توعية الفتيات بحقوقهن وواجباتهن، وتعزيز الثقافة الدينية والوازع الأخلاقي والحوار داخل الأسرة، ووقف التناول الإعلامي والدرامي الذي يظهر المتحرشين كشخصيات محببة.
الشخصيات المحببة لدى قطاع عريض من المصريين تشبه رشدي ومواقفه المغلفة بلباس ديني. هذه الخلطة السحرية تقول الكثير عما أصاب فئات عريضة في المجتمع المصري من علاقة سطحية بالدين لكنها تصل حد الهوس، وعلاقة حب كراهية تربطه بالمرأة باعتبارها بوتقة للجنس المرغوب الممنوع.
الكاتب والطبيب وصاحب الرأي المندد بتغلغل التيارات الدينية في الحياة العامة في مصر خالد منتصر، قال قبل سنوات، إن "المنتمين للتيارات الدينية أصحاب مصالح حاولوا ضرب المرأة بثقافة مستوردة تقوم على أساس أنها في درجة أدنى من الرجل. هؤلاء يرفضون أي نقاش يمس توصيفاتهم المحقرة من شأن المرأة: صوتها عورة، وعطرها زنا، وهي مصدر للإغواء الشيطاني، بل هي في وضع الكلب والحمار".
ويرى منتصر أن مثل هذه الآراء "الدينية" في المرأة نجحت إلى حد كبير في تزييف وعي المجتمع بمن فيه المرأة. وصارت نساء كثيرات يدافعن عن قيودهن ويروجن لدونيتهن، ويشجعهن في ذلك البعض من النخبة. لكن النخبة تحوي الكثير.
يقين الشيوخ
ومن النخبة من يرى أن المأساة في مصر بدأت مع نكسة يونيو (حزيران) عام 1967، "حين فقد المصريون اليقين". يقول السياسي الليبرالي والكاتب نادر الشرقاوي إن المصريين فقدوا اليقين مع الهزيمة. وظلوا يبحثون عن يقين جديد إلى أن عثروا عليه في شيوخ السبعينيات، وعلى رأسهم الشيخ محمد متولي الشعراوي. وعلى مدار 39 عاماً، لم يتم تقديم بديل آخر ليقنع المصريين باعتناق يقين آخر، فزاد تمسكهم بيقين المشايخ. "ثم حدث ما حدث، وقامت ثورة يناير (كانون الثاني) ثم 30 يونيو (حزيران) وعودة اليقين بالدولة المصرية. هناك بالطبع نعرات عديدة في المجتمع المصري تتحدث عن الأمة المصرية وضرورة إعادة الأمجاد ونتخلى عن الجذور العربية والإسلامية".
ويرى الشرقاوي أن الناس دائماً يبحثون عن يقين مفتقد، وأنه حتى اللحظة لم يتم تقديم يقين وطني لهم يملأ فراغ مشروع الصحوة الدينية ورموزه سواء كانوا الشيخ الشعرواي أو عمرو خالد الداعية المودرن الذي غيّر من شكل المجتمع عبر تجديد اليقين الديني بشكل حداثي.
ثم جاء عبد الله رشدي، الداعية الرياضي الذي يتردد على الجيم، ويتوارى دائماً خلف الأزهر رغم إعلان الأزهر ودار الإفتاء موقفهما الجيد من مسألة التحرش أخيراً. يضيف الشرقاوي، أن مشروع اليقين الجديد يجب أن يكون وطنياً تنويرياً يهدف إلى رفعة الوطن وليس الدين فقط. وهنا يجب أن تكون الدولة مع الدولة المدنية وليس مع الدولة الدينية وإحياء الخلافة، لكن يبدو أن هناك حسابات سياسية تحول دون حدوث ذلك حالياً. وهناك وجهة نظر تشير إلى أن الوضع الإقليمي والداخلي ليس مناسباً للمواجهة مع التيار السلفي حالياً. وعموماً فإن الدولة على استحياء تشجع التنويريين بإعطائهم بعض المساحات.
التيار الليبرالي والقدرة على الصد
مساحة أخرى يعبر عنها الكاتب والباحث في شؤون تيارات الإسلام السياسي ومؤلف كتاب "الحجاب بين الحقيقة والسراب"، الذي يثير الكثير من الجدل إسلام مصطفى، أن "التيار الليبرالي قادر على الصد والانتصار. وهناك الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين يقومون بهذا الدور، بعدما كانت الأعداد المناهضة لمشروع صحوة الإخوان المسلمين على أرض الواقع قليلة. مريدو هؤلاء الشيوخ واللجان الإلكترونية المسخّرة لخدمة التيارات الدينية التي تتمسك بفرض سيطرتها على المجتمع من خلال المرأة وملابسها يكتبون تدوينة ويشاركونها لتبدو وكأنها ترند وتوجه عام، لكن أنصار التنوير والتفكير يردون عليهم الصاع صاعين ولكن بالحجة والبرهان والمنطق.
ويقول مصطفى إن المنتمين لهذه التيارات دأبوا على ادعاء تفسيرات مجتزأة أو خاطئة، والتيار التنويري يصد ويبني من أجل تعديل دفة الفكر الاجتماعي والثقافي الذي يتخذ شكلاً دينياً.
التدين بالفهلوة
ويشير مصطفى إلى أن بعض المنتمين لهذه التيارات يعتمد على الكذب والتدليس لتحوير معاني وشروح أحاديث نبوية وآيات قرآنية لتخدم غاياتهم في السيطرة على المجتمع بسلاح الدين الترويعي والترهيب حتى يصلوا إلى النتيجة التي يبتغونها. يضيف، "التضليل في التفسير حالياً يتبعه بعض الدعاة الجدد مثل عبد الله رشدي حيث الفهلوة وليس العلم سمة المرحلة. يريدون الوصول إلى المعنى المرجو غصباً ليس علماً أو منطقاً. وجمهور رشدي لا يستند إلى معلومة ولا تهمه المعلومة في شيء. لذلك فإنه (رشدي) دائماً يتعمد على الارتجال في الكلام لأنها طريقة تلقى هوى في قلوب الفئات التي تستهويها هذه المدرسة".
مدرسة أخرى في المواجهة الساخنة بين هيمنة التيارات الدينية على تفاصيل الحياة لا سيما حياة النساء، وبين رغبة تيارات ليبرالية في تحرير المجتمع من قبضة "كهنوت" عصاميين صنعوا كهنوتهم بأنفسهم هي طلب الغوث من الجهات المتخصصة.
طلب الغوث
الكاتبة الصحافية سحر الجعارة كتبت بلاغاً إلى النائب العام، تناشده فيه بـ"حماية المجتمع من انتشار التحرش الجنسي والاغتصاب، وغلق أبواق التحريض على أعراضنا بفتاوى شاذة ومنحرفة تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتؤلب فئات المجتمع على بعضها البعض، وهو ما دأب المدعو عبد الله رشدي، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، على فعله.
تضيف الجعارة أنه بعدما كان كل همّ رشدي تعرية المرأة من الإحساس بالأمان والستر في وطنها، واستغلال صفحاته العنكبوتية في كتابة ما يشير إلى ملابس المرأة التي "تستفز رجولته" أو "سيارة مفتوحة" يجب سرقتها، اتخذ منحنى أخطر وهو التحريض على اغتصاب الأطفال، مبرراً اغتصاب الأطفال بأنه تفريغ للكبت الناجم عن رؤية النساء بملابس مثيرة. وهذه مدعاة لفتح أبواب الفوضى، بحيث يصبح من حق المنتقبة إيذاء المحجبة لأنها كشفت وجهها، ومن حق المحجبة مصادرة وجود السافرة.
وطالبت الجعارة بتطبيق القانون لأنه وحده القادر على توصيف ما اعتبرته جرائم ارتكبها المشكو في حقه، مشيرة إلى أن أحاديثه الإعلامية وتصريحاته وتدويناته على مدار سنوات عمله "الدعوي" حافلة بكمّ مذهل من التحريض على العنف ضد المرأة، وتكدير السلم العام، وبلبلة الرأي العام بنشر أخبار فتاوى عدائية عدة.
صك دخول الجنة
يشار إلى أن وزارة الأوقاف المصرية كانت قد أوقفت رشدي عن العمل الدعوي وأحالته إلى التحقيق في فبراير (شباط) الماضي بعد تغريدة ألمح فيها إلى "استحالة أن يدخل الجنة غير المسلم"، عقب تكريم دولة الإمارات لطبيب القلب المصري العالمي مجدي يعقوب صاحب لقب "طبيب القلوب". وكتب رشدي، "العمل الدنيوي مادام ليس صادراً عن الإيمان بالله ورسوله فقيمته دنيوية تستحق الشكر والثناء منا نحن البشر في الدنيا فقط، لكنه لا وزن له يوم القيامة. ومن السفاهة أن تطلب شهادة بقبول عملك في الآخرة من دين لا تؤمن به أصلاً في الدنيا".
وقتها أصدرت دار الإفتاء المصرية بياناً دافعت فيه عن مجدي يعقوب وهاجمت من وصفتهم بـ"مثيري الشغب عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
التواصل الاجتماعي خارج السيطرة
لكن مواقع التواصل الاجتماعي تبقى خارج السيطرة. وفريقا أنصار رشدي وربط التحرش بالملابس وتحديد مقاييس ماذا ترتدي المرأة لحماية الذكور من جريمة التحرش "اللا إرادية" في مقابل أنصار إعمال العقل وتحرير المرأة المصرية من غمة الشعبوية الدينية التي تدغدغ شهوات الرجال عبر سلاح التدين مزدوج المفعول مشتبكان كما لم يشتبكا من قبل.
وفي الوقت الذي تبقى السمة الطاغية على مؤسسات عدة في الدولة ومواقفها الرسمية مائلة إلى الحفاظ على أخلاق المجتمع وفضيلته وسلوكه عبر حث الفتيات والنساء على ارتداء ملابس محتشمة مع إلقاء القبض على فتيات "تيك توك" لأنهن يعرضن المجتمع لخطر الانهيار الأخلاقي، خرج المجلس القومي للمرأة بموقف حاز إعجاب وتقدير التيارات الليبرالية.
موقف المجلس الشجاع
منذ بدء تواتر مجاهرة فتيات بتعرضهن للاعتداء والتحرش والاغتصاب من قبل أحمد بسام زكي والمجلس يتابع ويشجع الفتيات على التقدم ببلاغات رسمية لينال من يستحق العقاب اللازم وليكون عبرة لكل من تسول له نفسه المساس بالفتيات والتحرش بهن.
وأعلنت رئيسة المجلس مايا مرسي غير مرة عن دعم المجلس الكامل للفتيات ضحايا التحرش والاغتصاب، مع توفير المنصات الإلكترونية اللازمة للإبلاغ. ولم يكتف المجلس بذلك، بل تقدم ببلاغ للنائب العام للتحقيق في الوقائع المشار إليها على "إنستغرام" عبر صفحة "Assault Police" التي حوت كمّاً كبيراً من مجاهرات الفتيات والطفلات بما تعرضن له.
وعقب صدور قرار النائب العام المستشار حماده الصاوي بحبس المتهم أحمد بسام زكي أربعة أيام على ذمة التحقيق، تقدم المجلس بالشكر والتقدير له. ووصفت مرسي الخطوة بأنها "أثلجت قلوب نساء وفتيات مصر وخلقت شعوراً بينهن بالأمان".