كانت الصين البلد الأول الذي ضربته جائحة فيروس كورونا. وكان اقتصادها الضحية الأولى، فقد تقلص الناتج 10 في المئة في الربع الأول من عام 2020 مع الإغلاق التام لمقاطعة هوبي ووقف كثير من كبرى المدن الصينية لجزء كبير من النشاط.
لكن الصين تبدو أيضاً، ظاهرياً، أول اقتصاد يتعافى. وبينت أحدث أرقام رسمية صدرت الخميس نمواً مثيراً للإعجاب بلغ 11.5 في المئة خلال الفصل الثاني من العام، وفاق ما كان معظم المحللين يتوقعونه. ويفوق مستوى النشاط الإجمالي في الصين الآن المستوى الذي كان عليه حين دخول البلاد في الأزمة.
ومن هذا المنظور، يضع ثاني أكبر اقتصاد في العالم كابوس فيروس كورونا وراءه، ويستأنف العمل كالمعتاد.
فكيف حققت الصين ذلك؟ وهل تستطيع البلدان الغربية تعلّم أي شيء من هذا المثال؟ وهل يصح الانطباع القائل أن هذا الاقتصاد نجح في تجاوز الأزمة؟
كيف حققت الصين ذلك؟
الأمر الأول الذي ينبغي أن يُلاحظ هو وجود مخاوف منذ مدة طويلة في شأن صحة الأرقام الصينية الرسمية، وليس ثمة ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الأرقام تحسنت فجأة، فالصورة قد لا تكون دقيقة. وإلى ذلك، لا يوجد أيضاً مبرر للتيقن من أن الإحصاءات أصبحت أكثر دقة هذا العام.
ولو تقبل المرء أن البيانات تقدم صورة دقيقة في شكل معقول، من الواضح أن معظم الانتعاش يعود إلى الصناعة والبناء وليس استهلاك الأسر. وقفز أيضاً إجمالي الائتمان والإقراض بأنواعهما بقوة في الفصل نفسه، ما يبين كيفية تمويل هذا النشاط.
وهذا يوحي بأن التعافي ناتج بكثافة من إجراءات التحفيز التي نفذتها الحكومات المركزية والمحلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحافظت الصادرات الصينية أيضاً على قوتها في شكل مفاجئ في الفصل الثاني، على الرغم من تراجع التجارة العالمية، في حين زادت الشركات الصينية على ما يبدو حصتها في السوق.
ويعتقد لويس كويجس المحلل في "أوكسفورد إيكونوميكس" بأن أحد أسباب ذلك قد يكون تحويل الشركات الصينية بسرعة العمليات نحو زيادة صادرات البضائع التي تحظى بطلب عالمي مرتفع مثل معدات الحماية الشخصية.
هل يستطيع الغرب القيام بالأمر نفسه؟
ومن المهم الإقرار بأن الاقتصاد الصيني لا يزال مختلفاً جداً على الصعيد الهيكلي عن الاقتصادات الغربية. فقطاع الخدمات الصيني أصغر كثيراً من نظيره الأوروبي أو الأميركي.
وعلى الرغم من الهجرة الكبرى للعاملين الصينيين من الريف إلى المدن العملاقة، مثل بكين وووهان وشانغهاي في العقود الأخيرة من الزمن، لا يزال نحو 40 في المئة من السكان الصينيين ريفيين.
ويقل استهلاك الأسر في الصين عن 40 في المئة مقارنة بما بين 50 و70 في المئة في الغرب.
واقتصاد الصين ونظامها المالي موجهان من الدولة أكثر بكثير من أي بلد في الغرب، مع اعتمادهما اعتماداً كبيراً على الاستثمار في البنية التحتية الممول من مصارف تملكها الدولة لتوجيه النمو منذ الأزمة المالية قبل عقد من الزمن.
وهذا كله يعني أن أي سياسات اقتصادية يجري تبنيها في الصين، حتى لو بدت ناجحة، قد لا تكون مضمونة النجاح في سياق غربي.
هل تعافي الصين هو فعلاً كما يبدو؟
دخلت الصين هذه الجائحة في نوع من الأزمة الاقتصادية. فقد تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019 بأكمله إلى 6.2 في المئة، وهو الأضعف في نحو 30 سنة.
وتتسارع شيخوخة السكان في البلاد، ما يثير مخاوف مفادها أن الصين "قد تشيخ قبل أن تثري". وبرز شعور قوي بأن نموذج النمو المستند إلى الاستثمار في البنية التحتية الممول بديون قد فقد زخمه وأصبح يهدد بإطلاق أزمة مالية محلية.
وتتلخص سياسات بكين الرسمية في إبطاء الاستثمار في البنية التحتية كي يُخلي موقعه لاستهلاك الأسر، الذي يجري تشجيعه، كمصدر مهيمن للإنفاق. وبرز أيضاً توجه منظم لدفع الصين باتجاه الإنتاج ذي القيمة المضافة المرتفعة والابتكار التكنولوجي الرائد. لكن الحرب التجارية التي يشنها دونالد ترمب هدّدت هذا الطموح.
ويبدو أن احتواء السلطات الصينية الفيروس محلياً كان فاعلاً نسبياً إلى الآن. ونجحت في إخراج نفسها من الحفرة الاقتصادية العميقة التي وقعت فيها في وقت سابق من العام.
لكن التعافي المدفوع بالاستثمار لم يقدم شيئاً لتعزيز إعادة التوازن الضرورية للاقتصاد. فمجالات مثل البيع بالتجزئة والضيافة لم تنتعش في الفصل الثاني. ويبقى الاستهلاك أدنى مما كان عليه في وقت سابق من العام ويجب أن ينتعش بقوة في النصف الثاني من عام 2020 إذا كان للانتعاش العام أن يكون مستداماً.
وتستمر تلك التحديات الاقتصادية الهيكلية الصينية الضخمة. ويُرجح فعلياً أن تتفاقم إذا أوصدت الأسواق الغربية أبوابها وتوقفت الاستثمارات في السنوات المقبلة مع اتساع العداء والشك إزاء النظام المتزايد استبداداً في بكين.
© The Independent