يدفع النجاح المتواصل للفن الرقمي، وصناعة أفلام الرسوم المتحركة والإنيميشن الرسامين وفناني الرسوم المتحركة الفنية للبحث الدؤوب عن تقنيات مبتكرة لتجسيد شخصيات خيالية، أو مواقف تكاد تقترب من الواقع، أو تضفي على المشاهد الطبيعية مزيداً من الخيال مثل استخدام شخصيات خرافية، أو شخصيات الدمى المتحركة التي يستوحى بعضها من عالم الخيال التي تزخر بها كتب الأطفال المصورة، والتي تحوي مضامين اجتماعية، وعلمية، وأدبية. وأخيراً ظهر جيل جديد من الشابات الرسامات المتخصصات في رسوم قصص الأطفال وحكاياتهم، وتجسيد شخصيات متحركة.
توظيف التقنيات
تقبل كثير من الشابات السعوديات في القطيف شرق السعودية على تعلم فن الرسوم المتحركة، وتحريك الشخصيات الناطقة الذي يقوم على إجادة استخدام التقنيات الحديثة وتوظيفها في صناعة شخصيات، وأحداث متحركة عن طريق الدمج بين فني الكتابة القصصية والرسم معاً.
بدأ فريق نسائي سعودي متخصص في إنتاج سلسلة من أفلام الرسوم المتحركة عمادها شخصيات كارتونية بهوية عربية، وتأمل القائمات عليها أن تكون مؤثرة في الأطفال لاهتمامها بالقضايا الاجتماعية.
وتتناول الرسوم المتحركة قصصاً بهدف توعية الأطفال بأساليب، ومهارات حياتية وتعزيز القيم الإيجابية لديهم، والتوعية بأسلوب شيق جذاب باستخدام شخصيات كرتونية تجذب الأطفال، وتلفت انتباههم لزيادة مستوى التفاعل لديهم، وتدعم هذه القصص الكرتونية وصول الرسائل التوعوية وفهمها واستيعابها.
قصص كرتونية محلية
تعول منتجة الأفلام الكرتونية فاطمة الدبيسي على إتقانها كتابة القصص القصيرة بأسلوب شيق كمدخل فني في تخصصها لأفلام الكرتون قائلة" إنها مهتمة بالتصميم الغرافيكي الذي تمنحه الفكرة التي تعتمد أساساً على الترفيه، إضافة لكونها تحمل رسائل اجتماعية تُلهم الأطفال وأسرهم، وتحفزهم على القيام بأعمال وممارسات إيجابية" لذلك نسعى كفريق مشترك من عدة تخصصات تقنية وفنية لإنتاج سلسلة من القصص الكرتونية الجديدة المُنتجة محلياً، نُنشئ أمثلة ونماذج يحتذى بها في سلوكيات الأطفال اليومية". وتضيف الدبيسي "بدأنا كفريق متخصص في مجال صناعة أفلام الرسوم المتحركة والإنيميشن. كان بدايةً لإرضاء رغبتنا في تصميم رسوم متحركة تشبهنا في الطباع العربية، وتحاكي قيم مجتمعنا، وتشكل الفريق من خمس فتيات. سعينا لتطوير مهاراتنا الفنية إلى جانب تخصصاتنا الجامعية كمهندسات لبرمجة تقنيات الحاسوب، وهندسة التصميم الداخلي إضافة إلى بعض التخصصات الصحية، لكتابة المحتوى الصحي التوعوي في بعض الأفلام الكرتونية للتوعية الصحية كالزهايمر، وأمراض الكلى، والتوعية بمخاطر فيروس كورونا كوفيد19".
أما زميلتها في ذات العمل ليلى حسين فلديها أسباب أخرى لتعلم رسم الشخصيات الكرتونية وتحريكها لكونها من المهتمات بصناعة الإنيميشن، وتقول لـ"اندبندنت عربية" إنها "درست في سنواتها الجامعية عدة أنواع من صناعة الرسوم المتحركة، وترغب في صقل هذه المهارة وتطويرها عبر الرسم والتحريك معاً، وشيئاً فشيئاً تجسدت شخوص القصص رسوماً صامتة على الورق ثم على شاشة التلفار، لكن أردنا أن نمنح هذه الرسوم حياة، ونجعلها تنطق بصوت أفكارنا، وتتلون بألوان خيالاتنا، فجاءت أفكارنا في صناعة الرسوم المتحركة، أو "الإنيميشن" التي ظهرت بقوة خلال السنوات الأخيرة بمساعدة القوة المبتكرة، التكنولوجيا"
وفي أحد تصاميم أفلام الرسوم المتحركة التي زارتها "اندبندنت عربية" تكاتفت جهود الفتيات لتشكل قصص الرسوم المتحركة الحافلة بالرسائل، إضافة لمجموعة أفكار متكررة تتم إعادة تدويرها من فيلم لآخر كضرورة البعد عن الكذب، ومراقبة الضمير، وأهمية تكوين الصداقات، وإيجاد نقاط القوة في شخصية كل طفل، وعدم محاولة التشبه بالآخرين، والاعتزاز بالصفات الشخصية، وأهمية الحب والصداقة. وتبين زينب الجشي إحدى عضوات الفريق أن "هناك أهدافاً تربوية نستهدف فيها مخاطبة الأطفال، وتوعيتهم من خلال مشاهدتهم لأفلام الكرتون والاستمتاع بها، كما أنها تدعم تعزيز نموهم الاستكشافي، والنفسي، وإثارة اهتمامهم بالموضوع المطروح لهم من خلال هذه الشخصيات الكرتونية"
الأعمال الفنية الرقمية
يشهد هذا الفن الحديث إقبالاً متزايداً على تعلمه في الآونة الأخيرة بالتزامن مع تقدم التطبيقات الإلكترونية، وانتشار برمجيات الحاسوب التي سهلت الأعمال الفنية الرقمية، ودعمت المهارات الإبداعية الفردية. وفي حديثه مع "اندبندنت عربية" يقول أنور العثماني رسام تحريك، إن الإنيميشن والرسوم المتحركة باتت قادرة على أن تجسد كل ما يمكن أن يتصوره العقل البشري خاصة مع تنامي، وتطور التقنيات الحديثة بسرعة هائلة، وتحول أغلب التقنيات إلى الذكاء الاصطناعي، أصبح الأمر الآن مجرد إعطاء أو إدخال أوامر ليصبح الحلم مجسداً"
ويوضح أنور الأساليب المتبعة في تحريك الدمى، والشخصيات، فالأساليب والتقنيات تختلف وهي كثيرة ومتجددة كل الوقت، لكنها تعتمد دائماً وأبداً على نفس المبادئ التى وضعها الفنانون السابقون، وبخاصة عملاق هذا المجال "والت ديزني"، ولُخِصت هذه المبادئ لتكون 12 مبدأ من طرف عملاقي شركة ديزني المصممين Ollie Johnston وFrank Thomas عبر كتابهما، The Illusion of Life: Disney Animation"
ويبين العثماني "الفرق بين التقليدي والرقمي، إذ يعتمد التقليدي على أن يكون فنان الرسوم المتحركة ذا موهبة قوية في الرسم على عكس الرقمي، فلا تعتبر إجادة الرسم ضرورية لكنها قيمة مضافة"
صناعة "الإنيميشن"
كما يؤكد رسام التحريك أنور أن التكنولوجيا لعبت دوراً كبيراً في تطوير هذه الصناعة، وتسريع عمليات الإنتاج، وإلغاء المعرفة التقنية المتخصصة مع إدخال الذكاء الاصطناعي في كثير من مراحل الإنتاج التي كانت تأخذ وقتاً طويلاً، وتتطلب مهارات معرفية مختلفة. الآن أصبح بإمكان طفل لا يتعدى نيف وعشر سنين إنتاج فيلم قصير للرسوم المتحركة من جواله عبر تطبيقات لا تتعدى بضعة دولارات".
ويضيف، هناك تقنيات عديدة تستخدم الآن في صناعة "الإنيميشن" حتى القديمة منها لازالت تستخدم إلى الآن، فالبعض منها منتجة من طريق الرسم، وهي من أقدم التقنيات. تعتبر هذه التقنية من أصعب التقنيات لأنها تتطلب مجهوداً ووقتاً طويلاً، فلرسم ثانية واحدة يتطلب رسم12، أو 24، أو 30 رسمة، واستخدام تقنية Stop motion، أو إيقاف الحركة التي تعتمد على أخذ صور بزيادات صغيرة بين كل إطار، ليتم أخذ صور لمسرح مصغر يحتوي على دمى وديكور وإضاءة، كذلك الرسوم والمجسمات المصممة بالحاسوب، وهي التقنية السائدة اليوم في إنتاج "الإنيميشن" سواء كانت ثلاثية الأبعاد3D، أو ثنائية 2D".
وتعزز عروض أفلام الرسوم المتحركة نسب متابعيها من خلال التنويع في أساليب التقديم ومن ذلك الاستعانة بالتقنيات الرقمية ليبقى سحرها المميز الذي يجتذب آلافاً من الناس.