تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر بعروض لحرفيين من المغرب، يمتهنون أنواعاً من الزخرفة الأندلسية على الأسقف وحرفاً مفقودة محلياً في قطاع البناء، مقابل تنامي الطلب من عائلات بل ومؤسسات جزائرية على العمالة المغربية، بغض النظر عن وضعيتها القانونية وعدم امتلاكها لرخص العمل في البلاد.
لم يعد البحث عن مهنيين وحرفيين مغاربة في مجال البناء والزخرفة أمراً صعباً عبر أرجاء المحافظات الجزائرية. في وقت سابق، اقتصرت مهنة هؤلاء على بعض المحافظات الغربية للجزائر لا سيما في تلمسان (520 كلم غرب العاصمة) الحدودية مع المغرب، قبل أن يتوسّع النشاط تدريجاً، مستفيدين من حجم الطلب المحلي والتعامل "اللّين" للسلطات الجزائرية مع غالبيتهم، خصوصاً الوافدين سراً عبر الحدود البرّية المغلقة.
تدهور الوضع في ليبيا
واشتهر الحرفيون والعمال المغاربة في الجزائر بإتقان مهن البناء، تحديداً البلاط والسيراميك وأيضاً الزخرفة والنقش على الجبس. هذه الشهرة أخذت منحى مغايراً مع بدايات 2011 بفعل تسارع حضور العمال المغاربة في سوق البناء الجزائري منذ إغلاق المنافذ البرية مع ليبيا وتدهور الأوضاع الأمنية هناك.
ويقول السايح سوّاق وهو مقاول جزائري يشرف على تشييد عمارات وشقق فاخرة في محافظتي الجزائر العاصمة وبومرداس (50 كلم شرق العاصمة)، إن "آلاف الرعايا المغاربة عثروا على ضالتهم في السوق الجزائرية التي تفتقد لأصحاب الحرف الدقيقة. قبل عقد من الزمن، كان دخول جزء كبير من الحرفيين المغاربة إلى الجزائر عبر الحدود البرية المغلقة. ففي الجانب الجزائري تشكّلت مجموعات مهنية تبحث عن اليد العاملة المؤهلة في فن الزخرفة، وهي من كانت تستقدمهم من مغنية الجزائرية على الحدود مع وجدة المغربية باتجاه تلمسان ثم وهران وبعدها إلى باقي المحافظات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح لـ"اندبندنت عربية" بخصوص توافد الحرفيين المغربيين إلى البلاد، "منذ تشديد كل من الجزائر والمغرب الإجراءات الأمنية على الضفتين، جدار مغربي مقابل خندق جزائري على الشريط الحدودي، انتقل دخولهم إلى المسلك الجوي، مستفيدين من غياب التأشيرة بين الدولتين، بمعنى أن الحرفي المغربي يدخل الجزائر كسائح يحق له المكوث على ترابها فترة ثلاثة أشهر". ويلفت سوّاق الانتباه إلى تفصيل آخر قائلاً، "بعد نهاية فترة الثلاثة أشهر يتوجه معظم المغاربة إلى الحدود التونسية برّاً، يغادرون التراب الجزائري إلى تونس ثم يعودون في فترة متقاربة من أجل الحصول على ختم مغادرة التراب الجزائري، بالتالي تجديد فترة الإقامة لثلاثة أشهر قانونية من دون تكاليف مادية كبيرة".
يروي أنه يُشغّل 12 مغربياً منذ حوالى أربعة أشهر في مشروع سكني ترقوي في محافظة بومرداس شرق العاصمة. "ليست هذه هي المرة الأولى التي أستعين فيها بخدمة حرفيين من المغرب، بصفتي رب عمل أشهد أن عملهم مُتقن للغاية ولا يستوجب أدنى ملاحظات عن عيوب. في مجال البلاط مثلاً، يصل أداء العامل المغربي إلى نحو 40 متراً يومياً نظراً إلى التزامهم المهني العالي".
إقبال جديد
ويضيف سوّاق أن العمالة المغربية تضاعفت في السنتين الأخيرتين لأسباب نجهلها، "في وقت سابق كانت محصورة في حرفيي زينة الجدران، أما الآن فهناك توافد لعمالة البناء العادية، هؤلاء أيضاً مثاليون جداً في عملهم. يبدأ العامل المغربي مهماته في السابعة صباحاً ويغادر موقع العمل في السابعة مساءً، كما أنهم يعملون بمنطق التويزة أي التعاون على العمل الواحد جماعياً، فحينما أتفق مع مغربي واحد على إنجاز عمل محدّد، يستقدم من يساعده لإتمام العمل في الفترة المتّفق عليها على أن يتقاسموا الأجر في النهاية من دون أفضلية لأحد على حساب الآخر. الـ12 عاملاً في الورشة التي أشغلها حصلوا معاً على ما يقارب 400 مليون سنتيم جزائري في فترة أربعة أشهر، وهو أجر محترم (قرابة 31 ألف دولار)".
الوضعية القانونية
سوق العمل الجزائرية معقّدة جداً في تحصيل تراخيص العمل للرعايا الأجانب عموماً، إذ يستوجب استقدام مهني أجنبي تقديم طلب إلى مديريات التشغيل المحلية، وما يرافق ذلك من زيادة في الضرائب على المؤسسات المشغلة وتكاليف التأمين، لذلك يختار الحرفيون المغاربة الاستفادة من الفترة القانونية للوجود على التراب الجزائري (ثلاثة أشهر) قبل المغادرة براً إلى تونس أو المغرب ثم العودة مجدداً.
وينفي السايح سوّاق تعرّض الرعايا المغاربة لـ"ابتزاز من أصحاب ورشات المقاولة بسب بعدم تمتّعهم بتصاريح للعمل" قائلاً، "هذا غير صحيح، على العكس تماماً يكفي أن يكون العامل مغربياً لتكون المعاملة معه مثالية. هناك عشرات الآلاف في السوق الجزائرية وليس فيهم من يملك تصريحاً بالعمل، ومع ذلك يشتغلون ويحصلون على مقابل مادي أفضل من العامل الجزائري".
لكن تقريراً سابقاً لفرع الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في محافظة "الشلف" قال إن "هناك نحو 250 ألف مهاجر غير شرعي مغربي يشتغلون في قطاعي البناء والزراعة الموسمية، بعضهم طالتهم تجاوزات من طرف بعض الجزائريين الذين لا يدفعون لهم مستحقاتهم، ويهددونهم بالتبليغ عنهم لدى الأمن بتهمة الإقامة غير الشرعية".
كورونا منعت العودة
المحامي الجزائري الهادي بهلولي يوضح لـ"اندبندنت عربية" في هذا الخصوص، أن "القانون الجزائري في ما يخص العمالة الأجنبية يشترط تصريحاً وبطاقة تقنية إذا تعلّق الأمر بشركات جزائرية أو جزائرية متعاقدة مع أخرى أجنبية، وعدم التصريح بالأجنبي يُعدُّ مخالفة قانونية"، وعليه "يتفادى الرعايا المغاربة الوقوع تحت طائلة القانون بمغادرة التراب الجزائري دورياً قبل نهاية مدة الإقامة القانونية".
ويضيف أن المشرّع الجزائري قنّن العمل للأجنبي بموجب تصاريح "وفق نص المادة 05 من القانون 10/81، وفيه إلزام أصحاب المؤسسات بهذه الشروط والقيود، وإلّا تعرضوا لعقوبات جزائية، إذ إنّ القوانين تنصّ على معاقبة المستخدم الذي يشغّل عمالاً أجانب لا يحوزون على تراخيص قانونية مطابقة للشروط طبقاً للمادة 19 من القانون ذاته".
كذلك فرضت كورونا على عدد كبير من العمال المغاربة مِمَّن لم يتمكّنوا من العودة إلى بلادهم في غياب رحلات جوية، حظر تجوال بعد تخطّيهم الفترة القانونية ومدتها 90 يوماً. ومن المعلوم أن السلطات المغربية رحّلت عدداً كبيراً من رعاياها لكن عدداً آخر لا يزال عالقاً إلى اليوم.