تنطوي قصة الوباءين هذه على تناقض واضح. ففيما يثير فيروس كورونا رد فعل وطني ويستدعي تمويلاً غير محدود وتفاعلاً شعبياً شبه كامل، يواجه الآلاف من أبناء بلادنا خطراً آخر على حياتهم يتمثل في الوفيات المرتبطة بتناول المخدرات، والتي لم تلقَ استجابة أو انتباهاً مماثلاً.
لكن لدى المملكة المتحدة والولايات المتحدة كل العناصر الاجتماعية التي من شأنها أن تفاقم بالتأكيد الأعداد القياسية الحالية للوفيات المتعلقة بتناول هذه العقاقير: العزلة والبطالة الجماعية والمدخول المنخفض والأمل المسروق الذي سيقضي باكراً على حياة الآلاف.
قد لا نُلام إن تغاضينا عن هذه الوفيات لو كانت قدرتنا على إيقافها محدودة، كما هو الحال بالنسبة إلى كوفيد-19. إلا أننا في الحقيقة غير عاجزين أبداً ونعلم كذلك كيف نعكس حالات الجرعة الزائدة من خلال تدخلات الإنعاش والعلاج القائم على الأدلّة.
يستغلّ سياسيونا كل فرصة سانحة لتذكيرنا بأنّهم يسترشدون بالعلم في ما يخص كوفيد-19 لكن الحكومة تجاهلت مستشاريها العلميين في المجلس الاستشاري المعني بمراقبة إساءة استخدام المخدرات، في موضوع تقليص معدلات الوفيات المرتبطة بتعاطي العقاقير.
وحزب العمّال مذنب بالقدر نفسه بسبب التزامه الصمت، وهو موقف سلبي يدعم أساساً المقاربة الانتقائية التي تتبناها هذه الحكومة تجاه السياسات القائمة على الأدلّة. وما يدلّ عليه رد فعل السياسيين، أو غيابه، هو أنّه حتّى في يومنا هذا، فإنّ الحكم الأخلاقي هو ما يحدّد القرارات بشأن القضايا الصحية التي تستحق التركيز عليها، وليس الأدلة العلمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ارتفعت معنوياتنا جميعاً بسبب ما حدث من تعبير أسبوعي عن الامتنان للعاملين في القطاع الصحي وبسبب الروايات التي استمعنا إليها عن تضحيات الأفراد من أجل حماية غيرهم من فيروس كورونا. لكن هذا التعاطف ليس غائباً فقط بالنسبة إلى من يعانون من مشاكل مع العقاقير، بل يُنظر لمن يتعاطونها على أنهم أنفسهم مسؤولون عن الضرر النفسي والجسدي الذي يلحق بهم. وليست هذه النظرة البليدة والمنتشرة سريّة أو كتومة بل إن الشعور بالخزي والوصمة التي تلاحق المدمنين لا يساعدان أبداً على تعزيز تعافيهم من الإدمان.
لسنا مضطرين للبحث طويلاً عما يحرّك مشاعر التعاطف الوطنية حقاً، فمعاناة القطط والكلاب تثير دائماً ردود فعل أفضل من تلك التي يلقاها العالقون في دوامة الإدمان. لا تُنظّم أي نشاطات تلفزيونية أو لقاءات أو ماراثونات تحظى بالرعاية بهدف جمع التبرعات للمدمنين على العقاقير. وتقبع غالبية أعضاء هذه الفئة في سجوننا بدل مستشفياتنا، في عام 2020.
أمّا أبطال وباء كوفيد-19 فهم أنفسهم الأشرار في وباء الجرعات الزائدة، ومن يلعب هذين الدورين المتناقضين بكل وقاحة ليس سوى صناعة الأدوية. فتوفير الأدوية المستحضرة من الأفيون وتوسيع إنتاجها هو نشاط مربح للغاية، حتّى وإن كان ثمنه وفاة عشرات الآلاف ممن يتعاطونها. وإذ لا تبدي أي إحساس بسخرية الوضع، فإن بعض شركات الدواء لا تسعى إلى توفير هذه العقاقير التي تسبب الإدمان فحسب، بل تصنّع كذلك الأدوية التي يمكنها عكس تأثير الجرعات الزائدة التي لا مفرّ منها. ولا تقف الممارسات غير الأخلاقية عند هذا الحدّ: فمراقبة ازدياد الطلب على هذه العقاقير يجعلها ترفع أسعارها بشكل انتقائي وتضمن زيادة أرباحها إلى الحدّ الأقصى، من دون أن تفكّر للحظة بكلّ العاجزين عن تحمّل كلفة الأدوية التي تعتمد عليها حياتهم.
يمكننا أن نشعر بشيء من الفوقية بشأن الطريقة التي يتعرض بها الأميركيون لتأثير شركات الأدوية هذه من خلال الإعلانات التلفزيونية والافتراضية التي تروج لمنتوجاتها. لكن حتّى في غياب هذه الإعلانات في المملكة المتحدة، يُعطى واحد من بين كل أربعة أشخاص وصفة طبية لدواء مخدّر أو دواء آخر يمكن أن يتسبب بالإدمان.
وكانت دراسة أجريت قبل تفشي كوفيد-19 قد وجدت أنّ أكثر المناطق حرماناً في البلاد تشهد أعلى معدلات لإصدار الوصفات الطبية. وهذا يدل على أنّ ما يتسبب بزيادة تعاطي هذه العقاقير هو وصفها تبعاً للمشاكل الاجتماعية وليس الصحية، مثل وصف الأدوية المضادّة للاكتئاب لعلاج الكآبة الناجمة عن البطالة. والإعلان يومياً عن صرف الآلاف من أعمالهم لا يوفّر أبداً البيئة التي ستعكس الألم الاجتماعي الذي تشعر به أكثر مجتمعاتنا حرماناً.
ربّما يلوح بعض الأمل في خاتمة قصة الوباءين، وربما ينعكس الالتزام المالي من أجل مكافحة أحدهما بشكل إيجابي على الآخر. على الرغم من سنوات طويلة من التناقض السياسي تجاه من يعانون من مشاكل مع تعاطي العقاقير، هناك احتمال بأنّ تكون الرغبة في مساندة الأشخاص الذين ليس لديهم أي أمل اقتصادي، معدية بما فيه الكفاية كي تمتدّ إلى المعرّضين لخطر الموت قبل أوانهم بفعل العقاقير.
( إيان هاميلتون أستاذ مساعد في مجال الإدمان في جامعة يورك )
© The Independent