على مدى عقود، قبضت شخصيات مقرّبة من السلطة السورية على أكبر الاستثمارات في القطاعات الحيوية داخل البلاد، بينما اليوم تبرز شخصيات قريبة من طهران وموسكو تشغل حيزاً متنامياً في اقتصاد مرحلة ما بعد الحرب.
حقيقة لا يمكن إنكارها على الأرض السورية، التي تتقاسم مقدراتها ومواردها دول أجنبية، قسّمت البلاد إلى دويلات ومناطق نفوذ في معركة طويلة الأمد، بدأت منذ تسع سنوات، وليس معلوماً متى تضع رحاها.
وجوه جديدة
اليوم، تضع سوريا أسواقها الحرة بالاستثمار مجدداً في واقع اقتصادي متردٍ، لا يكترث فيه السوريون بتحسُّن طفيف على عملة بلادهم وسط تراجع للدولار عالميّاً، على إثر النزاع الأميركي والصيني، والاتجاه إلى شراء المعدن النفيس (الذهب)، خصوصاً أن المنتجات السورية في الأسواق حافظت على أسعارها وسط انكماش غير مسبوق.
ويعبّر مصدر في وزارة الاقتصاد لـ"اندبندنت عربية" عن أمل جديد في طرح ما وصفه بمزايدة علنية بالظرف المختوم، هدفه إشغال وتجهيز واستثمار أسواق حرة لمعابر حدودية ومرافئ بحرية.
ويقول المصدر الوزاري إن العمل جارٍ على مزايدة التأمينات الأولية، التي تبلغ قيمتها 500 ألف دولار أميركي، لكن "لا معلومات إلى الآن عمّن حظي بهذا الاستثمار الكبير، إلا أن الكفة ترجّح شخصيات جديدة وثقيلة في الوزن قد تكون مدعومة روسيّاً".
خارج السرب
وتشمل الأسواق الحرة المطارات الدولية في مدن دمشق واللاذقية وحلب والأسواق الحرة في المرفأين البحريين (طرطوس، واللاذقية) ومركز جديدة يابوس الحدودي مع لبنان، ومركز نصيب الحدودي مع الأردن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في أثناء هذا يبدو جلياً التمدد المتزايد لحلفاء دمشق في قطاعات الاقتصاد السوري المتنوعة، في سباق روسي إيراني لتوسيع مناطق النفوذ. إذ عكفت موسكو على الاستحواذ على مرفأ طرطوس البحري وفق نظام الاستثمار (BOT)، وكذلك مطار دمشق الدولي، بينما طهران تضع يدها على مطار حلب.
من جهته، يقول مصدر سياسي سوري لـ"اندبندنت عربية"، إن هذه الاستثمارات من "الدول الصديقة" تتفق مع حاجة سوريا إليها، أكثر من حاجة تلك الدول الحليفة إلى مطارات ومرافئ لا تعمل بالشكل المطلوب، بسبب الحصار.
ويضيف، "يمكن أن تكون هذه المناطق دولية، ولا يخفى على أحد ما تواجهه البلاد من حصار شرس تشنّه واشنطن، آخره دخول قانون قيصر حيز التنفيذ في الـ16 من يونيو (حزيران) الماضي".
الاستثمارات الأجنبية
وعلى الرغم من أن المناطق الحرة لا تخضع لكامل قوانين الدولة، خصوصاً الاقتصادية، وغياب الضرائب عنها أو وجودها بقيم صغيرة، فإن الباحث الاقتصادي والسياسي آدم خوري يعتبر، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، ما قامت به الحكومة السورية "خطوة جيدة"، للتشجيع على تصدير البضائع المحلية، وإدخال الاستثمارات الأجنبية.
كما يرى خوري أن دخول الأسواق الحرة في الاستثمار سيمنح مزيداً من التسهيلات للاستثمارات الأجنبية، بالتالي إدخال مزيد من القطع الأجنبي للخزينة العامة، وخلق استثمارات وفرص عمل جديدة.
الإجهاز والولادة الجديدة
في المقابل، يتحضّر النظام الرقابي والمالي السوري لمحاسبة ما يربو على 150 رجل أعمال وفرض مليارات الدولارات عليهم كتهرب ضريبي، وعلى رأسهم الملياردير السوري رامي مخلوف.
وكانت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية قد فسخت العقد مع مستثمر الأسواق منذ عام 2010، مخلوف، بعدما أطلّ في عدد من المقاطع المصوَّرة خاطب فيها الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ابن خاله، طالباً منه التراجع عن قرارات صدرت بحقه.
وبرّر القرار 526 الصادر عن وزارة الاقتصاد فسخ العقد مع مخلوف إلى ثبوت تورّطه بتهريب بضائع وأموال.
ويقول خوري، "إحدى الجهات أو الشخصيات الكبيرة ستحل محل مخلوف، وربما تذهب إلى شخصيات محسوبة على روسيا أو إيران، لكن لا يمكن توقع حصول تغيير اقتصادي حقيقي، إنما استبدال شخصيات فحسب".
ويدعو خوري إلى عدم التفاؤل الزائد بتحقيق تطوّر ينعكس على الاقتصاد السوري، ما لم يُكافَح الفساد. ويرى أن للدولة فسحة لتحقيق استفادة حقيقية من موضوع المناطق الحرة، بشرط إبعاد الفساد عنها.
ويختتم، "لا يجب أن ننكر وجود تأثير سلبي لقانون قيصر والحظر الاقتصادي، لكن على الرغم من ذلك فإنه يمكن إيجاد بعض الطرق لتجاوزه أو التهرب منه، وبرأيي يبقى الاستثمار الجديد هو استبدال شخصيات فحسب، ولا يمكن التفاؤل به حاليّاً".