على قارعة وسائل التواصل الاجتماعي، ينتشر الكثير من الإعلانات التي تعرض خدمة بيع الأبحاث، ورسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه، ومشاريع التخرج للطلبة الجامعيين، من دون رقابة من الجهات المختصة، وخلف أسوار الجامعات الأردنية تختبئ عشرات المراكز التي تقوم بتسليع البحث العلمي تحت يافطة المكتبات والخدمات الطلابية، وسط حديث عن وجود مافيات تمتهن هذه المهنة.
ماجستير ودكتوراه "دليفري"
يحلو للكاتبة تهاني روحي أن تصف ما يحدث بعبارة "ماجستير ودكتوراه دليفري"، وهي تفسر أسباب هذه الظاهرة إلى جانب ظاهرة سرقة الأبحاث الجامعية المسكوت عنها منذ سنوات طويلة، وتقول إن فوضى هذه الظاهرة لا تقتصر على الطلبة فقط، بل تطال الأساتذة والأكاديميين الذين يلجؤون لهذه المراكز بهدف كتابة أبحاث لهم للحصول على ترقيات في الدرجة العلمية التي يحملونها، وتشير إلى أن أسعار تجارة الأبحاث تختلف حسب جنسيات الطلبة، محذرة من انهيار السلطة الأخلاقية للتعليم، وتراجع المنظومة العلمية في جامعاتنا وتقليص الجهد البحثي للطلبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتطرح الكاتبة الكثير من السيناريوهات لمواجهة هذه الظاهرة التي تهدم الأمانة العلمية، كسحب الشهادات من الطلاب المتورطين، وحرمان الأساتذة الجامعيين المتواطئين أيضاً.
أما الكاتبة والباحثة شروق طومار فتصف الظاهرة بالكارثة المرعبة التي أسهمت في تردي واقع البحث الأكاديمي والعلمي في الأردن، معتبرة أنها تنسف أساس المجتمع الأكاديمي، وجهود تطوير التعليم العالي، وتتحدث طومار عن أكاديميين يتكاسلون في التدقيق بالبحوث والرسائل التي يقدمها طلبتهم، معتبرة ذلك جريمة بحق البحث العلمي، وبحق الطلبة أنفسهم، وتشير إلى أكاديميين يتورطون في كتابة رسائل أكاديمية بالتعاون مع مكتبات تبيع تلك الرسائل لتحسين مداخيلهم بينما يجتهد طلبة الدراسات العليا لتخطي السنة الدراسية من دون أدنى اهتمام لبذل الجهد في البحث العلمي.
مافيات الأبحاث
يؤكد أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية الدكتور مهند مبيضين وجود "مافيات" تقوم ببيع الأبحاث والرسائل الأكاديمية للطلبة الذين لا يكلفون أنفسهم عناء البحث والكتابة، أو غير القادرين على هذا النوع من النشاط البحثي والذهني، ويتهم مبيضين كتّاباً ومكتبات تتولى هذه المهمة لأولئك الطلبة مقابل مبلغ مالي، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة مسكوت عنها في الأردن وهناك غياب للمساءلة في هذا الجانب، ويطالب مبيضين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالرقابة مشيراً إلى وجود فجوة تاريخية ملئت لاحقاً من خلال تشكيل صندوق دعم البحث العلمي لكن ذلك لم يكن كافياً، وقال إن قانون حماية الملكية الفكرية قاصر في ردع هذه الظاهرة.
ثقافة البحث العلمي غائبة
تفسر الدكتورة عالية الغويري سبب إقبال الطلبة على شراء هذه الأبحاث بالقول "طلبتنا غير متفرغين، ومعظمهم يعملون ولديهم عائلات ما يأخذ من أوقاتهم كثيراً ويشغلهم عن منهجية البحث العلمي"، وتضيف "المشكلة عالمية ولا تقتصر على الأردن"، وتقول إن غياب الوعي المجتمعي حول البحث العلمي وأهميته منذ نشأة الطلبة في المدارس، وعدم ترسيخه كثقافة من أبرز أسباب هذه الظاهرة، محملة المسؤولية للجهات الرسمية التي لا تعمل على نشر هذه الثقافة.
سوق سوداء
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية حسن براري، يشير إلى هذه الظاهرة ودورها في تدمير البحث الأكاديمي، الذي أصبح منتحلاً ومزوراً عند البعض منذ 20 عاماً على حد تعبيره، إذ يتم تسليع البحث العلمي بتعاون من بعض الأكاديميين الذين من المفترض أن يشجعوا طلبتهم على البحث العلمي بدل استسهال شرائه، ويتحدث براري عن وجود سوق سوداء وتنافسية وبورصة أسعار للبحث العلمي، ما أوجد اقتصاداً موازياً لدى فئة عريضة ومصدر دخل جيداً يشرف عليه بعض الأساتذة الجامعيين ممن يبررون إقدامهم على ذلك برواتبهم المتدنية.
ثلاثة آلاف دولار
يفيد أحد المراكز الذي تواصلنا معه بأن حجم الإقبال على خدماته من قبل الطلبة كبير جداً، ما يعكس حجم الأزمة الأكاديمية داخل الجامعات الأردنية، ويضيف مسؤول المركز "نقدم خدمات اقتراح عناوين رسائل الماجستير، وأطروحات الدكتوراه، وكتابة الإطار النظري الخاص بالدراسة باللغتين العربية، والإنجليزية، والتحليل الإحصائي، وترجمة مشاريع التخرج لطلبة البكالوريوس، وغيرها من الخدمات الأخرى".
وتتراوح أسعار هذه الخدمات ما بين 500 إلى ثلاثة آلاف دولار لدى مكتبات قريبة من الجامعات، تقوم بالمهمة كاملة باستثناء بعض التفاصيل والمحاور التي يضعها الطالب لمناقشتها مع أساتذته، ولا تتجاوز ميزانية البحث العلمي عربياً المليار و700 مليون دولار سنوياً، وهو رقم متواضع قياساً بالدول الغربية، كما يعاني حجم البحوث العلمية المنشورة عربياً ضعفاً قياساً بالنسب العالمية، إلا أن حصة الفرد الأردني من البحث العلمي تضاعفت أخيراً، وارتفعت من أربعة إلى ثمانية دولارات للفرد منذ إقرار قانون صندوق البحث العلمي، الذي يجبر الشركات على المساهمة العامة بإيداع واحد بالمئة من أرباحها السنوية لدى الصندوق.