خلال العام 2019 ولأكثر من مرة، كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب دائم الحديث عن الإنجازات الاقتصادية التي تحققت في عهده، لكن تداعيات ومخاطر فيروس كورونا جعلت العام الحالي يحمل للرئيس الأميركي مؤشرات وأرقاماً وخسائر صادمة.
وتشير البيانات الرسمية إلى انكماش الاقتصاد الأميركي بأكبر وتيرة منذ الكساد الكبير في الربع الثاني من العام الحالي، إذ حطّمت جائحة "كوفيد 19" إنفاق المستهلكين والشركات، في حين يواجه التعافي الناشئ تهديداً من ارتفاع جديد في حالات الإصابة بفيروس كورونا.
وقالت وزارة التجارة الأميركية، في بيان، إنّ الناتج المحلي الإجمالي هوى بوتيرة سنوية بلغت 32.9 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي، وهو أكبر انخفاض في الناتج منذ بدأت الحكومة حفظ السجلات في 1947. ويتجاوز ذلك الانخفاض ثلاثة أمثال التراجع الأكبر على الإطلاق السابق، البالغ عشرة في المئة، وكان في الربع الثاني من 1958. وانكمش الاقتصاد خمسة في المئة خلال الربع الأول.
وكان محللون اقتصاديون قد توقعوا في استطلاع أجرته وكالة رويترز، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأميركية 34.1 في المئة خلال الربع الممتد من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران) الماضيين.
ووقع القدر الأكبر من التراجع التاريخي للناتج الإجمالي خلال أبريل حين توقفت الأنشطة تقريباً، بسبب إغلاق مفاجئ للمطاعم والحانات والمصانع ضمن أنشطة أخرى توقفت عن العمل في منتصف مارس (آذار) الماضي، لإبطاء انتشار فيروس كورونا.
وعلى الرغم من أن الأنشطة تحسّنت بداية من مايو (أيار) الماضي، فإن قوة الدفع تباطأت في ظل ارتفاع جديد في الإصابات الجديدة بالمرض، على الأخص في المناطق الجنوبية والغربية ذات الكثافة السكانية المرتفعة، إذ تغلق السلطات في المناطق الأكثر تضرراً الشركات مجدداً أو توقف إعادة فتح الاقتصاد. وقلص ذلك الآمال في انتعاش قوي للنمو في الربع الثالث.
وفي تقرير منفصل، قالت وزارة العمل الأميركية إن عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على إعانة البطالة بلغ 1.434 مليون على مدى الأسبوع المنتهي في الـ25 من يوليو (تموز) الحالي.
الأزمة الصحية تؤثر في النشاط الاقتصادي
وفي خطوة كانت متوقعة، قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي الإبقاء على معدل الفائدة من دون تغيير، مشيراً إلى تعافي الاقتصاد والتوظيف إلى حد ما. وذكر في بيان السياسة النقدية، أنه قرر تثبيت معدل الفائدة عند مستوى يتراوح بين صفر و0.25 في المئة.
وأكد الاحتياطي الفيدرالي أنه ملتزم استخدام مجموعة كاملة من الأدوات لدعم الاقتصاد الأميركي في هذا الوقت الصعب، بالتالي تعزيز الحد الأقصى من أهداف التوظيف واستقرار الأسعار. ولفت إلى أن النشاط الاقتصادي والتوظيف شهدا تعافياً إلى حد ما في الأشهر الأخيرة، لكنهما لا يزالان أدنى بكثير من مستوياتهما في بداية العام.
وذكر أن "الظروف المالية العامة تحسّنت في الأشهر الأخيرة، ما يعكس جزئياً تدابير السياسة لدعم الاقتصاد وتدفق الائتمان إلى الأسر والشركات الأميركية". وأشار إلى أن أزمة الصحة العامة المستمرة ستؤثر بشكل كبير في النشاط الاقتصادي والعمالة والتضخم على المدى القريب، وستشكّل مخاطر كبيرة على التوقعات الاقتصادية على المدى المتوسط.
وقال إنه "في ضوء هذه التطورات، قررت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة تثبيت معدل الفائدة، كما تتوقع الحفاظ على هذا النطاق المستهدف حتى تثق بأن الاقتصاد قد تجاوز الظروف الأخيرة، ويسير على الطريق الصحيح، لتحقيق أهداف التوظيف واستقرار الأسعار".
وجدد الاحتياطي الفيدرالي تأكيده أنه سوف يستمر في رصد آثار المعلومات الواردة على التوقعات الاقتصادية، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالصحة العامة، وكذلك التطورات العالمية وضغوط التضخم الهبوطية، واستخدام أدواته حسب الحاجة لدعم الاقتصاد. كما أكد أنه سيزيد حيازته لسندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بقروض الرهن العقاري لدعم الأداء السلس للسوق، بالتالي تعزيز الانتقال الفعال للسياسة النقدية لظروف مالية أوسع، فضلاً عن استمرار عمليات إعادة الشراء "الريبو" على نطاق واسع.
حاجة لمزيد من الدعم المالي
وفي بيان، قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إن هناك حاجة لمزيد من الدعم المالي من قبل الكونغرس الأميركي، جنباً إلى جنب مع السياسة النقدية، إذ يواجه الاقتصاد أكبر صدمة في التاريخ الحديث. وأشار إلى أن "الاقتصاد الأميركي تراجع بشكل شديد، ويحتاج إلى استمرار الدعم المالي والنقدي لكي يتعافى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف، "حتى لو سارت عمليات إعادة الفتح بشكل جيد، وعاد الناس إلى العمل، سيستغرق الاقتصاد وقتاً طويلاً حتى يتعافى". وأوضح باول أنه يرى تباطؤاً في وتيرة التعافي الاقتصادي، مشيراً إلى أنه من السابق لأوانه القول ما إذا كان سوف يستمر. وأكد أن الاحتياطي الفيدرالي سوف يستخدم برامج القروض الطارئة المتعلقة بالوباء حتى يصبح واثقاً بأن الاقتصاد يسير بقوة على طريق التعافي.
وقال رئيس الاحتياطي الفيدرالي، إن هناك دلائل على أن الزيادة الأخيرة في حالات فيروس كورونا في الولايات المتحدة تؤثر في الاقتصاد. وأشار إلى أن ضعف الطلب وتراجع أسعار النفط يضغطان على معدلات التضخم إلى ما دون اثنين في المئة حتى مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
نزيف مستمر يطارد الدولار
في سوق العملات، تراجع الدولار الأميركي بعدما أثار الرئيس دونالد ترمب إمكانية تأجيل انتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني)، لتتجه العملة صوب أسوأ أداء شهري لها خلال عشر سنوات، في ظل استمرار تأثر الاقتصاد بانتشار فيروس كورونا.
وجدد ترمب الحديث عن احتيال في التصويت بالبريد، وكتب على "تويتر"، "تأجيل الانتخابات حتى يصبح بمقدور الناس التصويت بشكل ملائم وآمن وبسلامة". وتسببت تلك التعليقات في تراجع الدولار بعد انتعاشه في وقت سابق.
وقال جو مانيمبو، كبير محللي السوق لدى "وسترن يونيون" لحلول الأعمال في واشنطن، "أي شكل من الضبابية الأميركية، الاقتصادية أو السياسية، هو مبرر للضغط على زر بيع الدولار الأميركي."
وأوضح أن "الطلبات تبلغنا أن التعافي بدأ ينتكس"، وتراجع مؤشر الدولار الذي يقيس قوة العملة مقابل سلة عملات 0.02 في المئة إلى 93.34. والمؤشر بصدد انخفاض 4.17 في المئة على مدار الشهر الحالي، وهو ما سيكون الأسوأ له منذ سبتمبر (أيلول) 2010.
لكن، الدولار في تراجع منذ شهر وسط استمرار تفشي فيروس كورونا في أنحاء الولايات المتحدة وتداعيات ذلك على الاقتصاد. وبلغ اليورو أعلى مستوياته في 22 شهراً عند 1.1808 دولار، ثم تراجع إلى مستوى 1.1791 دولار. وزاد الجنيه الإسترليني 0.43 في المئة إلى مستوى 1.13051 دولار، أعلى مستوياتها منذ مارس (آذار) الماضي.
الورقة الأميركية في خطر
في سياق متصل، وفي مذكرة بحثية حديثة، يرى بنك غولدمان ساكس أن سيطرة الدولار الأميركي كعملة احتياطي عالمية باتت عرضة للخطر، كما يتضح عبر الارتفاع الأخير في أسعار الذهب. وقال محللون استراتيجيون في البنك الأميركي، إن الورقة الأميركية الخضراء تواجه مخاطر عديدة، بما في ذلك أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد يتحوّل تجاه التحيز التضخمي.
ومن بين المخاطر كذلك، زيادة حالة عدم اليقين السياسي وتزايد المخاوف المحيطة بطفرة جديدة في حالات الإصابة بفيروس كورونا داخل الولايات المتحدة. وأوضح المحللون الاستراتيجيون في البنك أن تراكم الديون نتيجة الوباء قد يؤدي إلى مخاوف انخفاض قيمة العملة. وأضافوا "بدأت المخاوف الحقيقية حول طول عمر الدولار كعملة احتياطية في الظهور".
وذكروا أن الذهب هو عملة الملاذ الآمن الأخير، خصوصاً في بيئة مثل البيئة الحالية، إذ تقوم الحكومات بخفض قيمة عملاتها الورقية، وخفض معدلات الفائدة الحقيقية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. وتسلط الزيادة في أسعار الذهب لمستويات قياسية الضوء على المخاوف المتنامية حيال الاقتصاد العالمي الذي يواجه عديداً من المخاطر في الوقت الحالي تزامناً مع استمرار مخاطر وتداعيات فيروس كورونا المستجد. ورفع البنك الأميركي توقعاته لسعر أوقية الذهب في غضون الـ12 شهراً إلى مستوى 2300 دولار بدلاً من 2000 دولار في توقعات سابقة.