تُعد أنباء الإنجاز الذي حققه باحثو "جامعة أكسفورد" في إطار السباق نحو تطوير لقاح لفيروس كورونا، بارقة أمل وسط الظلمة. كما تشكّل تذكيراً بأن مؤسسات التعليم العالي في المملكة المتحدة ما زالت بالفعل الأفضل عالمياً.
ومن موقعي كرئيس أعلى لـ"جامعة برمنغهام"، أعلم أن الجامعات غالباً ما تكون سبّاقة إلى إيجاد الحلول. وقد نشرت "جامعة برمنغهام" أخيراً تقريراً مشتركاً مع "اتحاد الصناعات البريطاني" يحدد بعض الطرق العملية لجعل أنظمة التدفئة في المملكة المتحدة خالية من الكربون. وخلال مناقشات الطاولة المستديرة التي استضافها الاتحاد أخيراً مع نواب رؤساء 50 جامعة، استمعتُ إلى أنباء ابتكاراتهم ومساعدتهم الآخرين خلال أزمة "كوفيد - 19"، وتصنيعهم معدات حيوية، وتمكينهم الطلاب من مواصلة الدراسة. وعلمت كذلك مدى تأثير الجائحة فيهم.
لا شك في أن الأشهر الأربعة الماضية كانت أشبه بدوامة كبيرة منذ مارس (آذار)، قلبت الجائحة مسار الطلاب الأكاديمي رأساً على عقب. كذلك تملّك القلق أولئك الذين يأملون استهلال حياتهم الأكاديمية في سبتمبر (أيلول) المقبل. واستجابة لهذا المشهد الصعب، عملت الجامعات بسرعة فائقة من أجل تطوير أنماط جديدة من التعليم الذي يمزج الأسلوبين التقليدي والإلكتروني، مع جعل حرم الجامعة مكاناً آمناً، وتقديم الدعم لصحة الطلاب العقلية، إضافة إلى توفير الدعم المالي لمن يحتاجه.
بعبارة أخرى، تتخطى أهمية مؤسسات التعليم العالي الجهود التي بذلتها خلال فترة الجائحة بكثير. وباعتبارها من أرباب العمل الأساسيين الثابتين بالنسبة إلى المجتمعات المحلية وسلاسل التوريد الإقليمية، تؤدي الجامعات دوراً أساسياً في مسار الارتقاء والتطوير. وقد أبرَز تحليل أجراه "مكتب الاستشارات الاقتصادية والسياسية" ("لندن إيكونوميكس") أخيراً، دعم "جامعة برمنغهام" نحو 15 ألف وظيفة في منطقة "ميدلاند" الغربية. وكذلك سلط الضوء على مساهمتها في الاقتصاد البريطاني التي تبلغ 3.5 مليار جنيه إسترليني. وفي ما يعني القطاع ككل، يقدّر "مكتب الاستشارات" مساهمة مؤسسات التعليم العالي المباشرة، وغير المباشرة في الاقتصاد، بـ101.9 مليار جنيه. ونظراً إلى حجم هذا الإنتاج، من الواضح أن استمرار نجاح مؤسسات التعليم العالي لدينا أمر أساسي من أجل إعادة البناء بشكل أفضل.
في المقابل، يجب أن يترافق العمل في مجال التعليم العالي مع الجهود المبذولة باتجاه التعليم المستمر، كي تحقق المملكة المتحدة كامل إمكانياتها فعلياً. إذ يكمّل القطاعان بعضهما بعضاً، وبالتالي لا يمكن تطبيق الإصلاحات في قطاع التعليم المستمرعلى حساب تمويل الجامعات. وفي ذلك الصدد، توفّر الورقة الحكومية المرتقبة بشأن التعليم المستمر فرصة ذهبية لطرح مسارات أوضح من أجل تعليم المهارات التي نحتاجها في المستقبل، خصوصاً الوظائف التي تتطلب مهارات عالية، وتُعتبر مهمة للغاية في جهود الحرص على تحقيق انتعاشٍ اقتصادي يراعي البيئة.
في مسار متصل، سوف تعتمد نقطة الارتكاز في اقتصاد تميّزه المهارات العالية والاستدامة والشمولية، على أساس صلب في مجال الابتكار. وفيما يتابع العالم مباشرةً السباق العالمي من أجل اكتشاف لقاح لفيروس كورونا، تتّضح أهمية البحث والتطوير أكثر من أي وقت مضى. وسوف تتيح لنا زيادة الاستثمار في البحث والتطوير إلى 2.4 في المئة، أن نستفيد بشكل كامل من كل منافع الأبحاث، وريادة الأعمال ضمن الحرم الجامعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطراداً، يتوجب أن يُرافق تلك الأولويات التزام التنوّع، والانفتاح على الخارج. إذ إن وَقْعَنا في المجال العلمي العالمي هائل، ويعتمد بشكل كبير على التعاون الدولي. وقد كشفت بيانات صدرت في 2013 أنه عبْرَ إنفاق ما لا يزيد على 3.2 في المئة من الإنفاق العالمي على البحث والتطوير، وضعت المملكة المتحدة 16 في المئة من المقالات البحثية التي يُستَشهد بها أكثر من سواها. يُضاف إلى ذلك أن نحو ثلث شخصياتنا الأكاديمية اللامعة أتت من خارج المملكة المتحدة.
بعد أن انتقلت إلى هذا البلد حين كنت في سن التاسعة عشرة، وأسّست مساري المهني فيه، رأيت الدور الجوهري الذي تلعبه الهجرة، ليس لمجرد تلبية طموحاتنا الاقتصادية، بل في الحرص على أن نظل من بين الدول الأكثر استقطاباً للاستثمارات الخارجية في العالم.
وفي ذلك المعنى، تؤدي المؤسسات التعليمية البريطانية المحترمة التي تشكّل مصدراً أوّلاً للقوة الناعمة، دوراً مهماً في هذا الإطار من خلال تعزيز سمعتنا على الساحة الدولية. وفي المقابل، تعتمد تلك المؤسسات بشكل كبير على التواصل الدولي. واستطراداً، ستؤدي كل خسارة للطلاب الأجانب إلى تهديد إيرادات الجامعات، وتضرّ اقتصادات المجتمعات المحلية التي يُتوقع أن يدرس هؤلاء الطلاب فيها. ومن أجل التصدي لهذه المشكلة، وزيادة عدد الطلاب الأجانب، علينا تبسيط إجراءات طلبات الحصول على تأشيرة الدخول.
إضافة إلى ذلك، ولأن الصادرات جزء أساسي من رؤية الحكومة لـ"بريطانيا العالمية" وتشكّل نحو ثلث إجمالي الناتج المحلي البريطاني، يتوجب على المملكة المتحدة أن تتحول مركزاً رئيساً للتصدير. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن استراتيجية التعليم الدولية تعتبر التعليم العالي قطاعاً أساسياً في تحريك النمو المستند إلى التصدير.
وكخلاصة، لنتذكرأن الجامعات لا تعلّم الاختصاصات وتوزّع الشهادات فحسب. إنها توفّر أيضاً الابتكار التكنولوجي، والقوى العاملة الماهرة المهمة من أجل ازدهار اقتصادنا. ويتأكّد ذلك عبر نجاح كثير من الشركات المتفرعة من الجامعات. يجب أن يكون الإنجاز الذي حقّقه ذلك الفريق اللامع في "جامعة أكسفورد" (بشأن لقاح كورونا)، إنجازاً أولاً لنا ضمن سلسلة طويلة. ونستطيع ضمان هذا الأمر عبر دعمنا لمؤسساتنا الرائدة عالمياً في مجال التعليم العالي.
* اللورد كاران بيليموريا يشغل منصب رئيس "اتحاد الصناعات البريطاني"
© The Independent