في السنوات الأولى لاستقلال تونس، كانت الجريمة في صفوف النساء منعدمة تقريباً. ومع تطور المجتمع بدأ يظهر تصاعدياً تورطها في جرائم بدت بسيطة، ثم أخذت منحى خطيراً، خصوصاً في السنوات الثماني الماضية.
سجن النساء، المعروف بسجن "منوبة"، نسبة إلى المنطقة الموجود فيها في ضواحي العاصمة تونس، هو السجن الوحيد المخصص للنساء. ووراء أسواره تجمعت حكايات مئات النساء اللواتي وجدن أنفسهن وراء القضبان.
حكايات عن الجريمة التي نفذتها نساء تنفي الصورة النمطية للمرأة المسالمة الحنونة والبعيدة من العنف.
العنف والجرائم الجديدة
تورط المرأة في نوعية جديدة من الجرائم التي كانت تعتبر حكراً على الرجال صار واضحاً، فتعاطي المخدرات والاتجار بها صار مجالاً مشتركاً للجنسين. كما صارت مشاركة المرأة في عصابات السرقة أمراً عادياً، ولم يعد دورها يتوقف عند استدراج الضحية، بل تطور إلى ممارسة العنف وحمل الأسلحة البيضاء واستعمالها لسلب الضحايا أموالهم وهواتفهم الجوالة.
وبعدما كانت المرأة أداة يستعملها الرجل لارتكاب الجريمة، مثل تهريب المخدرات وتوزيعها باعتبارها لا تثير اهتمام رجال الأمن عند ملاحقة مهربي المخدرات وباعتها أو في تجارة الجنس، تحولت المرأة اليوم وبحكم التطور الذي يشهده المجتمع إيجاباً وسلباً إلى مُخطِّط ومنفِّذ لهذه الجرائم.
شهدت السنوات الثلاث الماضية ارتفاعاً خطيراً في عدد الجرائم. وفق فاطمة الورتاني، رئيسة جمعية المرأة الأمنية والضابط في وزارة الداخلية، فإن عدد الجرائم في السنوات الثلاث الماضية ارتفع بما يزيد عن 12 في المئة سنوياً، وبلغت نسبة الجرائم التي ارتكبتها النساء في الأشهر العشرة الأولى من العام 2018 ما يزيد عن 12 ألف جريمة. وهذا رقم كبير مقارنة بنسبة الجرائم التي كانت المرأة ترتكبها في السابق.
المرأة والجريمة الإرهابية
الجريمة الإرهابية شكل جديد من انتقال المرأة إلى ممارسة عنف لم يسبق لها ممارسته وبخلفيات عقائدية تكفيرية. وهذا يعكس تأثرها وتأثيرها في الجماعات الإرهابية، الذي بدا واضحاً سواء في تبني الفكر الإرهابي أو الالتحاق بهذه الجماعات وتنفيذ عمليات إرهابية وانتحارية.
ومع انتشار الفكر التكفيري تأثر عدد كبير من النساء بهذه الموجة وتطور دورهن تدريجاً من القيام بمهام صغيرة لمصلحة الجماعات الإرهابية، كإيصال الرسائل ومراقبة بعض الأهداف لتصل في ما بعد إلى نقل الأسلحة والمتفجرات وصولاً إلى المشاركة في القتال في المناطق، التي انتشرت فيها الجماعات الإرهابية، خصوصاً في ليبيا وسوريا.
ويقدر عدد المشاركات في الجماعات الإرهابية خارج تونس بالمئات، وفق ما ذُكر في كتاب "النساء والإرهاب" للباحثة آمال القرامي والإعلامية منية العرفاوي.
ووفق العرفاوي، فإن من انتقلن إلى ساحات القتال مع الجماعات الإرهابية من النساء ينقسمن إلى من أُرغمن من قبل أزواجهن على ذلك، ومن اقتنعن بذلك، بالإضافة إلى المتعاطفات مع أفكار التنظيم.
أول انتحارية في تونس
في 29 أكتوبر (تشرين الأول) في العام 2018، فجرت أول امرأة انتحارية نفسها في تونس، وهي منى قبلة، التي لم تكن معروفة بميولها المتشددة لدى أجهزة الأمن، إلا أن التحقيقات أثبتت أنها انتمت وبايعت تنظيم "داعش" وقامت بتحضير المتفجرات عبر تواصل افتراضي مع أحد الإرهابيين، الذي وعدها بالزواج في الجنة.
وتقول آمنة معمري، المعالجة النفسية والمتابعة لقضايا العنف النسائي، إن لجوء المرأة إلى ممارسة العنف هو نتيجة تعرضها للعنف المسلط عليها من الرجل، وبقدر تدني المستوى التعليمي والاجتماعي للمرأة يزداد العنف المسلط عليها وتتحول إلى شخصية عنيفة تمارس أساليب العنف ذاتها.
وهذه المرأة التي سارت في طريق الجريمة ستحمل إلى أطفالها الصورة التي وجدت لها في المجتمع، بالتالي سيكون لدينا أطفال لأمهات يمتهن السرقة بالعنف ويمارسنه بقسوة قد تبدو غريبة عن واقعنا، الذي لا يرى المرأة خارج صورة نمطية تقليدية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت معمري أن دخول المرأة إلى السجن سيخلق قطيعة مع أولادها، الذين سيكونون أساساً ضحايا من دون رعاية اجتماعية.
وتسأل معمري أن النساء المتورطات في الجماعات الإرهابية واللواتي أنجبن أطفالاً أثناء وجودهن في ساحات القتال، ثم عدن إلى تونس، "ما هي التربية التي سيقدمنها إلى أطفالهن؟ سيُربيّن جيلاً جديداً على فكر إرهابي متطرف".
واعتبرت أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع نسب العاطلات من العمل من النساء ستكون مؤشرات إلى دفع مزيد من النساء إلى الجريمة والعنف. وهذا ستكون له في المستقبل تداعيات خطيرة على طبيعة المجتمع ونمط العلاقات الأسرية والاجتماعية فيه.
وتبقى أن النظرة إلى المرأة في المجتمع قاسية وغير منصفة ورفض قبول من مرت بتجربة الدخول إلى السجون وعدم التسامح معها، بعكس الرجل الذي خاض التجربة نفسها، تزيد من عزلة هؤلاء النساء، اللواتي يحرمن من فرصة الاندماج مجدداً في المجتمع.