في حادثة صادمة لقطاع الأدب والثقافة والفكر في اليمن، تسبّبت الأمطار الغزيرة والسيول التي شهدتها العاصمة صنعاء خلال الأيام الماضية، بانهيار منزل الشاعر اليمني الكبير، عبدالله البردوني، الواقع في حارة المنصور بمدينة صنعاء القديمة.
ونشر قطاع واسع من الأدباء والمثقفين صوراً توضح المنزل المنهار وتداولها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة على نحو واسع، منددين بحالة "التجاهل والإهمال" التي قوبل بها منزل البردوني، أحد أبرز وأشهر الشعراء اليمنيين في العصر الحديث.
ولم يسبب انهيار المنزل أي خسائر بشرية، كونه مهجوراً منذ وفاة البردوني في العام 1999.
وكانت وزارة الثقافة قد سعت على مدى السنوات الماضية قبل الحرب، إلى شراء المنزل الواقع في حي التحرير خلف شارع علي عبد المغني والمكون من طبقتين، بهدف تحويله إلى ملتقى للأدباء والكتاب اليمنيين وليغدو متحفاً ثقافياً ومزاراً أدبياً لحفظ إرث الشاعر البردوني.
وأكد وزير الثقافة الأسبق عبدالله عوبل، تقديمه عرضاً لورثة الشاعر الراحل، لشراء المنزل مع الاحتفاظ بإرث البردوني بهدف تحويله إلى متحف إلا أن بعض الأمور حالت دون إتمام هذا المشروع.
وعبّر عوبل الذي تولى الوزارة خلال الفترة من 2012 إلى 2014، عن حزنه لحالة التجاهل والنكران التي يواجهها قطاع الأدباء والمثقفين في اليمن التي زادت ظروف الحرب من حدتها.
ويأتي تهدم المنزل بالتزامن مع اقتراب الذكرى الواحدة والعشرين لرحيل البردوني، الذي يعد أحد أبرز الشعراء والمؤرخين اليمنيين.
مناشدة للعالم
واستشعاراً بحجم الكارثة التي طالت عدداً من المنازل والمعالم التاريخية جراء الأمطار في اليمن، وجّه قطاع الأدباء والمثقفين في اليمن مناشدة للأمين العام للأمم المتحدة والمدير العام لليونسكو بسرعة إطلاق نداء لحماية صنعاء وزبيد والمدن التاريخية من الانهيار وسرعة إعلان اليمن دولة منكوبة بسبب الأمطار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي بيان حمل توقيعات العشرات منهم، أكد أدباء اليمن أن منازل ومعالم صنعاء القديمة وتهامة وزبيد ومأرب تنهار على رؤوس ساكنيها جراء الأمطار والفيضانات من دون أن يبادر صندوق التراث والتنمية الثقافية في صنعاء (تحت سلطة الحوثيين) إلى إعادة بنائه كأثر ثقافي يرتبط بأعظم رموز الإبداع والثقافة الوطنية.
واختتم البيان "نناشد الأمين العام للأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو التدخل العاجل من أجل حماية أقدم مدن التراث الإنساني المتمثلة في صنعاء وزبيد، وكل المهتمين بضرورة وضع كل الإمكانات وتسخيرها من أجمل حماية المدن التاريخية.
انهيار منظومة التنوير
وصف محمد جميح، سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (يونسكو)، تهدم منزل البردوني بأنه مؤشر إلى انهيار منظومة قيم التنوير التي يمثلها، في زمن تراجعت فيه قيم الحرية والعدالة والمساواة وغيرها من القيم التي مثلها شاعر اليمن وحكيمها الكبير عبدالله البروني.
وقال جميح، "نحن في زمن يقدس لوردات الحرب، ويهمل علَماً ثقافياً يمنياً وعربياً وعالمياً مثل البردوني.
ولذا لا غرابة إذا ترك منزله للأمطار تنهش بنيته إلى أن انهار كليا".
وقال وكيل وزارة الثقافة اليمنية، زايد جابر، إن حادثة تهدم منزل البردوني تعبير عن حالة الاهمال واللامبالاة التي يقابل بها رموز الأدب والثقافة في اليمن.
وأضاف ، للأسف إن دعوات وتحذيرات عدة أطلقها الأدباء والكتاب والمفكرون لتحويل منزله إلى متحف كما تفعل دول العالم مع رموزها الوطنية والأدبية إلا أن هذا لم يتم.
وعن الأسباب التي منعت شراء المنزل وتحويله إلى متحف ثقافي، كشف جابر أن اختلاف ورثة البردوني بعد وفاته عام 1999 تسبب في عدم إتمام المهمة، إضافة لتغييب بقية مؤلفاته ودواوينه الشعرية التي كان قد أعلن عنها ولم تنشر بعد، والدولة للأسف أهملت المنزل ولم تفعل شيئاً لحل هذه الإشكالية باعتبار إرث البردوني حقاً للشعب وللأجيال القادمة وليس مجرد إرث مادي خاصٍ بأقاربه.
وعن الحلول المنظورة في هذا الجانب قال وكيل وزارة الثقافة "لا أتوقع أن تقوم المليشيات المسيطرة على صنعاء بأي معالجات لمثل هذه القضايا التي لا تعنيها، بل وتعمل جاهدة على طمس كل الإرث الوطني والثقافي لصالح ثقافتها المذهبية والطائفية التي تسعى إلى ترسيخها كبديل للثقافة الوطنية".
الحوثيون يتهمون الورثة
وكان أن حمّل الحوثيون مسؤولية ما آل إليه منزل البردوني لورثة الشاعر الراحل.
ووفقاً لبلاغ صحافي صادر عن وزارة الثقافة في حكومة الحوثيين، "فقد وقف الوزير عبدالله الكبسي، على أطلال منزل البردوني، محمّلاً ورثة الشاعر البردوني كل المسؤولية في ما آل إليه المنزل".
وبحسب البلاغ "بذلت الوزارة جهوداً لتحويل منزل البردوني إلى متحف، كما بذلت جهوداً كبيرة لإطلاق الإرث الإبداعي للشاعر الراحل إلا أن تعنت الورثة أدى إلى ما وصل إليه الآن".
وعبد الله صالح البردوني (1929 - 30 أغسطس - آب 1999) شاعر وناقد أدبي ومؤرخ يمني (كفيف) تناولت مؤلفاته تاريخ الشعر القديم والحديث في اليمن ومواضيع سياسية متعلقة ببلده أبرزها الصراع بين النظام الجمهوري والملكي الذي أطيح به في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر(أيلول) 1962.
صدرت له العديد من المؤلفات الشعرية، وغلب على قصائده النمط العمودي المعروف بميله الرومانسي والقومي والسخرية والرثاء.