وتيرةٌ مُتسارعةٌ من التصعيد في البحر المتوسط بين تركيا واليونان مع إعلان الأولى إرسالَ سفينةٍ لإجراء عمليات تنقيب في منطقة مُتنازع عليها في شرق المتوسط، في خطوة وصفتها أثينا بأنها تُشكِّل تهديداً للسلام والاستقرار في المنطقة، ورفع الجيش اليوناني درجة الاستعداد إلى حالة التأهُّب القُصوى.
تصعيد عسكري
أرسلت تركيا سفينة المسح الزلزالي "عروج ريس" إلى منطقة داخل الجرف القاري لليونان، تمهيداً لبدء عمليات التنقيب في المنطقة الغنية بالغاز الطبيعي، وأصدرت إشعاراً بالمعلومات البحرية (نافتكس) يُشير إلى القيام بعمليات بحث في المنطقة الواقعة جنوب جزيرة كاستيلوريزو اليونانية على مدار الأسبوعين المقبلين، ورداً على ذلك وُضعِت القوات المسلحة اليونانية في حالة استعداد تام، مع نشر وحدات من البحرية اليونانية والقوات الجوية في المنطقة البحرية الأوسع، حيث إنه من المتوقع إجراء البحوث التركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب صحف يونانية، فإنه عندما دخلت السفينة "عروج ريس" برفقة سفن تابعة للبحرية التركية الجرف القاري اليوناني، بعثت السفن الحربية اليونانية برسائل بتردد نحو 15 دقيقة تطلب فيها إزالة السفينة من المنطقة. ولم يُرَدّ على الرسائل من قِبَل السفينة التي كانت تتحرَّك بسرعة بطيئة (المناسبة لعملية البحث)، في حين أرسلت الكابلات للأسفل إلى قاع البحر من أجل المُضي قُدُمًا في أنشطة البحث بالمنطقة.
مع ذلك، وبحسب المصادر اليونانية، أصبحت الأنشطة الاستكشافية مُستحيلة بسبب الضوضاء التي أحدثها عديد من الوحدات البحرية التي تبحُر في المنطقة؛ وذلك لأن عمليات الاستكشاف تستلزم نقل البيانات من قاع البحر، بينما تجعل ضوضاء السفن الإرسال مُستحيلاً.
ونفى مسؤولو وزارة الدفاع استدعاء جنود الاحتياط ليلاً نتيجة للأزمة المُتصاعدة. ومع ذلك، أفادت مصادر لإذاعة "صوت أمريكا" بأن الجهاز العسكري اليوناني بأكمله في حالة تأهُّب قُصوى، ويُراقب تحركات تركيا بعد أن أطلقت الدولة المُجاورة مناورات بحرية شرق وجنوب جزيرتي رودس وكاستيلوريزو في جنوب شرقي بحر إيجة، تشتمل على الذخيرة الحيَّة، خلال عُطلة نهاية الأسبوع.
تأتي هذه التطوُّرات في أعقاب توقيع مصر واليونان اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، الخميس الماضي، مما يقضي بعدم قانونية اتفاق مُثير للجدل عقده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع حليفه في ليبيا، فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لترسيم الحدود المزعومة بين تركيا وليبيا.
حشد دولي
عَقَد المجلس الحكومي للشؤون الخارجية والدفاع اليوناني (KYSEA)، الهيئة الأعلى لصُنع القرار في البلاد، اجتماعاً طارئاً، الاثنين، وأصدر وزير الخارجية نيكوس ديندياس بيانًا صارمًا دعا فيه تركيا إلى "الإنهاء الفوري لأعمالها غير القانونية التي تُقوِّض السلام والأمن في المنطقة". ووصف الإشعار التركي بأنه تصعيد خطير جديد ويكشف بأوضح الطرق عن الدور المُزعزع للاستقرار والتهديد الذي تلعبه تركيا، مضيفاً أن "اليونان لن تقبل أي ابتزاز، وستُدافع عن سيادتها وحقوقها السيادية".
وفي سعي من اليونان لاطلاع اللاعبين الدوليين على السلوك التركي، تحدَّث رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس عبر الهاتف مع الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ. وغرَّد ستولتنبرغ على حسابه الرسمي على "تويتر"، داعياً إلى احترام القانون الدولي، قائلاً "تحدَّثتُ مع رئيس الوزراء اليوناني اليوم بشأن الوضع في شرق البحر المتوسط. يجب حل الوضع بروح تضامُن الحلفاء، ووفقًا للقانون الدولي".
وفي حين تقع المنطقة التي تجري فيها السفينة التركية عملية البحث بالقُرب من تركيا، لكنها تابعة لليونان بموجب القانون الدولي. ووصف مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، تصرفات تركيا بأنها "مُقلقة للغاية، ومدعاة لمزيد من العداء وانعدام الثقة".
وخلال الأشهر الماضية، هدَّد قادة الاتحاد الأوروبي تركيا بعقوبات اقتصادية ما لم تتراجع عن أعمال التنقيب غير القانونية في المناطق المُتنازع عليها مع قبرص واليونان.
تراجُع تركي
قال كوستانتينوس فيليبس، المدير التنفيذي لمعهد العلاقات الدولية، في أثينا "أتوقَّع أن يزداد التوتر في الأيام المقبلة، لكن في النهاية، سيؤثر مصير الاقتصاد التركي الضعيف على أي قرار نهائي سيتخذه أردوغان". أضاف "إذا شعر أردوغان بأن الأوروبيين جادّون بشأن تهديداتهم بالانتقام، فمن المُحتمل أن يفكر مرَّتين قبل اتخاذ أي خطوات محفوفة بالمخاطر". ومع ذلك يشير فيليبس إلى أنه لا يمكن التنبؤ بسلوك الرئيس التركي، وإذا شعر بأنه مُحاصر، فقد يتخذ خطوة جريئة لترضية جمهوره المحلي فقط.
من جانبها، أبدَت أنقرة نبرة أكثر تهدئة، ففي حين رفضت تركيا الاعتراضات اليونانية، وقالت إنها ستواصل العمليات هناك، أكَّدت وزارة خارجيتها أن الوجود العسكري التركي في المنطقة لم يكُن مصمماً لتصعيد التوترات، وكان لأغراض دفاعية فقط إذا لزم الأمر. وفي خطاب تلفزيوني، الاثنين، دعا الرئيس التركي إلى الحوار قائلاً "دعونا نجتمع جميعاً كدول متوسطية، نجد صيغة تحمي جميع حقوقنا"، مضيفاً "لا يُمكننا السماح (للدول) بتجاهل دولة كبيرة مثل تركيا ومحاولة حبسنا وراء شواطئنا".
وبعد أشهر من التحذيرات الأوروبية والأميركية لأنقرة من استفزاز أثينا والتهديد الأوروبي بفرض عقوبات، تراجعت تركيا، وأعلن أردوغان، نهاية الشهر الماضي، وقف التنقيب مؤقتاً حتى يتم التفاوض على تلك القضية، ذلك قبل أن يعود للدفع بالسفن رداً على الاتفاق المصري اليوناني.