بكلمات قليلة حسم هشام المشيشي، المكلف تشكيل الحكومة الجديدة في تونس، جدلاً تواصل منذ تكليفه حول شكل وطبيعة حكومته، وهل ستشارك فيها الأحزاب الممثلة في البرلمان أم أنها ستكون حكومة لا حزبية؟
وبعد أسبوعين قضاهما في لقاء قيادات الأحزاب والشخصيات الوطنية وممثلي المنظمات الوطنية، أعلن الإثنين 10 أغسطس (آب)، لوسائل الإعلام أنه "لا يمكن إيجاد صيغة لجمع كل الأطراف السياسية في الحكومة الجديدة نظراً للاختلاف الكبير بينها، وأن الوضع يتطلب حكومة إنجاز اقتصادي واجتماعي محورها المواطن، وأولوياتها أن تقدم له الحلول اللازمة بعيداً عن التجاذبات السياسية، وذلك لا يتحقق إلا عبر حكومة كفاءات مستقلة تماماً".
فشل حوار الساعات الأخيرة
قبل الإعلان عن موقفه تكثفت الاتصالات واللقاءات التي جمعت المشيشي بقيادات سياسية، حيث التقى راشد الغنوشي، الأحد، في منزل الوزير الحبيب الكشو، في محاولة لإيجاد صيغة حل وسط تمكن من تشكيل حكومة تحظى بمساندة الأحزاب من دون المشاركة فيها. لكن اللقاء فشل جراء إصرار حركة النهضة على أن يكون لها نصيب معادل لحجم موقعها في مجلس النواب، باعتبارها الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد النيابية في انتخابات العام الماضي، بـ54 مقعداً من أصل 217.
فشل اللقاء كان منتظراً، بحسب المحلل السياسي هشام الحاجي. وهو يرجع ذلك إلى الاختلاف الكبير في وجهات النظر، وبخاصة في مسألة تشكيل الحكومة. كما أن المشيشي يأتي من خارج الطبقة السياسية الحالية، والتي في مجملها بحثت عن الاستفادة من التفاهمات والتسويات من منطق المحاصصة الحزبية أكثر من بحثها عن تغليب منطق الدولة ومصلحة الشعب.
وأضاف الحاجي لـ"اندبندنت عربية" أن هذه الأسباب مجتمعة حكمت على اللقاء بالفشل، لأن الأحزاب تبحث عن حصتها في الحكم ولا تبحث عن العمل لإنقاذ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة في تونس.
مشهد حزبي مرتبك
إعلان عدم مشاركة الأحزاب البرلمانية في الحكومة المقبلة على الرغم من أنها هي من ستمنحها الثقة في البرلمان، خلق أزمة داخل الأحزاب ومع قواعدها وأربك قياداتها، التي انقسمت بين داعين إلى التعاطي بإيجابية مع الحكومة ومن يطالب بالعمل على عدم منحها الثقة.
الإعلامية وفاء دعاسة تقول لـ"اندبندنت عربية" إنه على الرغم من رفض الأحزاب قرار المشيشي، لكن يبدو أنها ستقبل بتمرير الحكومة وستمنحها الثقة لعدة اعتبارات، أهمّها رفضها الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة، وبالتالي لا خيار لديها غير القبول بالأمر الواقع، فإما أن تصوت لصالح حكومة كفاءات مستقلة أو الذهاب في مغامرة مجهولة العواقب.
ونبهت دعاسة إلى أن تصريحات الأحزاب تعتبر مناورة لضمان مواقع وزارية لا أكثر.
حكومة الرئيس
"حكومة الرئيس" العبارة التي ظهرت بقوة في المشهد السياسي بعد فشل حركة النهضة في تشكيل حكومتها إثر الانتخابات الأخيرة وعجز مرشحها آنذاك الحبيب الجملي عن نيل ثقة البرلمان، عادت بقوة مع تكليف المشيشي، حيث ذكر نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس أن "هذه الحكومة حكومة رئيس الجمهورية وعليه أن يتحمل مسؤوليته"، مطالباً الرئيس بتقديم برنامجه وتوجهه ورؤيته الاقتصادية لتتمكن الأحزاب من مناقشتها.
تمر أو تسقط؟
الرفض الحزبي لحكومة الكفاءات المستقلة جاء من أربع كتل برلمانية يفوق عدد أعضائها أكثر من نصف عدد النواب. وهذا ما يطرح تساؤلات حول قدرة المشيشي على الفوز بثقة المجلس مع تأكد رفض حركة النهضة وحليفها ائتلاف الكرامة هذه الحكومة، بينما يبقى حزب قلب تونس متردداً في حسم موقفه الرافض لها في انتظار اجتماع مكتبه السياسي هذا الأسبوع، وفق ما أعلن الناطق الرسمي باسم الحزب محمد الصادق جبنون.
في المقابل، عبّر حزب التيار الديمقراطي عن دهشته من قرار المشيشي. وقالت النائبة عن الحزب منيرة العياري، إن هذا القرار لا يعبّر عن الديمقراطية، ويستثني الأحزاب التي اختارها الشعب لتمثيله في الحكم عبر المشاركة في تسيير شؤون البلاد، ويقصيها عن العملية السياسية ككل.
ضيق مساحة المناورة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الغضب الذي أبدته الأحزاب يمكن أن يقود إلى إسقاط الحكومة والسير إلى حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة. لكن هذا السيناريو يبدو مستبعداً. وبحسب المحلل السياسي إبراهيم الوسلاتي، فإن الدستور يعطي رئيس الجمهورية الحق في حل البرلمان، وبهذه الحالة يمكن الإبقاء على حكومة إلياس الفخفاخ لمدة أطول وتصبح حكومته حكومة عادية وليست حكومة تصريف أعمال. غير أن بقاء هذه الحكومة يثير قلق عدد من الأطراف، التي لها ملفات أمام القضاء سواء في قضايا الاغتيالات السياسية والجهاز السري لحركة النهضة أو في قضايا الفساد، وهذا ما سيدفع كل الأطراف التي تصعد خطاباتها الإعلامية إلى الرضوخ في النهاية.
وقال الوسلاتي لـ"اندبندنت عربية" إن "الحكومة ستنجح وسيكون لها تأييد جيد داخل البرلمان. والكتلتان الوحيدتان اللتان ستصوتان ضدها هما حركة النهضة وائتلاف الكرامة، بينما بدأ حزب قلب تونس بالابتعاد عن موقفهما وفكك تحالفه معهما بهدوء".
حزب وحيد أعلن المساندة
في ظل موجة الاحتجاجات والرفض التي عمت الكثير من الأحزاب، خرج حزب تحيا تونس عن السائد مسانداً توجه تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة. وأعلن على لسان النائب مروان فلفال أن الوضع الاقتصادي صعب للغاية، والوضع الاجتماعي دقيق جداً، وتونس بحاجة إلى حكومة إنجاز بعيدة عن التجاذبات السياسية، وأنّ "الخيار الأفضل تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة بدعم من الأحزاب".
وتبقى الساحة السياسية في تونس بانتظار أن ينهي المشيشي مشاوراته ويقدم لرئيس الجمهورية قيس سعيد قائمة بأسماء من اختارهم قبل 25 أغسطس، موعد انتهاء المدة التي منحها الدستور له لتشكيل الحكومة.