كثيراً ما تغنّت وزارتا الصحة والداخلية في قطاع غزّة، بالإجراءات المتبعة لمحاولة منع تفشي فيروس كورونا بين المواطنين، من خلال تطبيق بروتوكولات صارمة معتمدة لدى منظمة الصحة العالمية، التي أشادت هي الأخرى مؤخراً بأداء الجهات المعنية في غزة، قائلة على لسان مدير مكتبها في القطاع عبد الناصر صبح إن "الإجراءات داخل مراكز الحجر صارمة، ما أوصل القطاع إلى أن يكون صمام أمان مَنَع من تفشي الفيروس، غزة فريدة من نوعها".
ظاهرياً وفعلياً، يبدو أن غزّة صمام أمان، فمنذ تفشي فيروس كورونا، لم تسجل الجهات المختصة أيّ إصابة بين صفوف المواطنين، واقتصرت الحالات على العائدين إلى القطاع، وداخل الحجر الصحي، وكذلك طبّقت السلطات في غزّة الحجر الإلزامي لجميع الحالات التي تدخل القطاع عبر مختلف الحدود، وللمخالطين أيضاً لمدة 21 يوماً، وليس 14 كما هو معتمد في منظمة الصحة العالمية.
تحويل سجن إلى حجر صحي
لكن هذه الإجراءات ناقصة فعلياً، بخاصة بعدما فتحت السلطات المصرية معبر رفح الحدودي مع قطاع غزّة استثنائياً لمدة ثلاثة أيّام لعودة العالقين في 11 أغسطس (آب). وقتها، أعلنت وزارتا الصحة والداخلية (تسيطر عليهما حركة "حماس") جاهزيتهما لاستقبالهم، وأنّهما أنهتا التجهيزات اللازمة، لكنّ ثمّة مفاجآت حصلت.
إذ حوّلت الجهات الحكومية مركز تأهيل وإصلاح خانيونس (جنوب القطاع) المعروف محلياً بسجن أصداء المركزي، إلى حجر صحّي، وأعلنت أنّه بات جاهزاّ من الجوانب الصحية والخدماتية المناسبة للعائدين، وباشرت بنقل عدد من المسافرين العالقين الذين وصلوا إلى غزّة إليه. وفيه كانت المفاجأة، اعتداء لفظيّ وتهجم بالهراوات ومنع للطعام والإنترنت فضلاً عن عدم النظافة وانتشار الحشرات والصراصير.
سألنا محمود أبو سيدو، أحد المحجورين في سجن أصداء كيف تبدو الأوضاع، مباشرة أجاب "اسأل مسؤول السجن... أقصد الحجر"، هذه الكلمات وحدها كفيلة بأن تعبّر عما يدور داخل غرف حجر أصداء الصحي، أو إن صح التعبير داخل زنازين سجن أصداء المركزي.
5 محجورون في زنزانة
في التفاصيل، يقول أبو سيدو "فور نقلنا إلى الحجر، وجدنا أنفسنا أمام أبواب سجن أصداء المركزي، وبعدها تمّ وضع كلّ خمسة أشخاص في زنزانة واحدة، ينامون على برش واحد (سرير السجن)، ويتشاركون في مرحاض ولا يوجد مقومات للنظافة فيه".
وفقاً للنظام المتبع من منظمة الصحة العالمية، وكذلك جهات الاختصاص في قطاع غزّة، فإنّه يمنع حجر خمسة أفراد في غرفة واحدة، وينبغي حجر كلّ شخص وحيداً، تطبيقاً للتباعد ومنع تفشي فيروس كورونا، في حال كان أحد الأفراد مصاباً.
قضى المحجورون في سجن أصداء يوماً ونصف اليوم من دون أدوات صحية ولا مستلزمات التعقيم. ويوضح أبو سيدو أنّه لم يجد ورق المرحاض، ولا حتى صابون لغسيل اليد، ولا يقتصر الإهمال عند هذا الحد، بل هناك انتشار للحشرات الضارة، منها الصراصير.
وفقاً لما تمّ تسريبه، فإنّ المحجورين يعاملون معاملة سيئة، ولا يخفي أبو سيدو ذلك قائلاً "كأننا نزلاء أو سجناء أو مذنبين. تمّ إدخالنا إلى الزنازين بشكل غير لائق منافٍ للحقوق البشرية، حيث درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة". وأضاف "شعرنا كأننا ندفع ثمن العودة إلى أرض الوطن".
المشهد داخل سجن أصداء
بوابات الزنازين مغلقة أمام المحجورين فيها، ولا تفتح سوى لإدخال الطعام وأخذ أكياس النفايات، حتى الشبّاك الصغير الموجود داخل باب الزنزانة ممنوع فتحه، وفقاً لحديث أبو سيدو، الذي سأل الإدارة المشرفة على الحجر عن السبب، فجاء ردها بوجود تعليمات من مدير قوى الأمن بذلك.
وبحسب طبيعة الزنازين، فإنّ الشمس لا تدخلها ولا يمكن للموجود داخلها رؤية السماء، فقط يمكث داخل غرفة موصدة بالأقفال والحديد. ويقول أبو سيدو إنّ ذلك المكان معدٌّ للمجرمين وليس لحالات الحجر.
سأل المحجورون الإدارة داخل سجن أصداء عن سبب منعهم من الخروج من أماكنهم كما في بقية أماكن الحجر الصحي داخل غزّة، فجاء الجواب وفق أبو سيدو، "إن هؤلاء الأشخاص داخل حجر بينما أنتم داخل سجن... هناك فرق".
حرمان من الطعام ومصادرة هواتف
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حالة أخرى، حاول صلاح غبن، أحد العائدين إلى غزة الذين طبق عليهم الحجر، الاعتراض برفقة آخرين على الدخول إلى السجن (الحجر)، فأمهلهم القائمون على المكان مدة نصف ساعة. ويقول "رفضنا دخول الغرفة وجلسنا في الممر بين غرف الزنازين لمدة نصف ساعة، فإذا بحوالى 10 أو 15 فرداً يتجمعون قرب باب الممر وهم يحملون الهراوات ويصرخون بكل طاقتهم إن لم ندخل الغرفة خلال دقيقتين سيتم التعامل معنا بالقوة. رفضنا الوسيلة والأسلوب ورفضنا الدخول وقلت لهم اضربوا كيفما شئتم فلن ترفع لنا عين أو يدٌ في وجوهكم، أملاً في امتصاص الغضب الحاصل، إلا أنهم زادوا في الصراخ والتهديد وصولاً إلى دفعنا بالقوة، مع محاولة أحدهم ضربي. حينها، قلت له ها هو رأسي اضرب فما كان منه إلا أن دفعني بكل قوة إلى داخل الزنزانة وأغلق الباب واعتُقل شابٌ من بيننا في الانفرادي، وعندما حاولنا تصوير الحدث صادروا هواتفنا النقالة لفترة طويلة".
يضيف "بعدها وقف مدير المركز على شبّاك الزنزانة وقال هذه الغرفة ممنوع عنها الأكل والشرب والنت، وتركونا إلى المساء ونحن نطرق الأبواب بكل قوة من دون رد".
فعلياً، كانت سلطات "حماس" رافضةً فكرة فتح معبر رفح وإدخال العالقين بسبب عدم وجود غرف كافية لحجر الحالات الوافدة إلى غزّة.
أرقام
لدى صحة غزّة 1500 غرفة حجر، موزعة على 12 مركزاً. ووفقاً لما نشرته الوزارة في 13 أغسطس، فإنّ 1446 حالة تمّ تطبيق الحجر عليها، من الأشخاص الذين وصلوا إلى غزّة عبر الحدود.
وسجّلت غزّة منذ تفشي كورونا حالة وفاة واحدة، من أصل 81 حالة، بقي نشطاً منها تسع فقط، واحدة منها لا تزال في العناية السريرية في مستشفى العزل.