وجوه الفيوم، هي لوحات مرسومة على ألواح خشبية اكتشف العديد منها داخل عدد من المقابر المنتشرة في أرجاء مصر، وهي تعود إلى فترة الحكم الروماني. الاكتشافات الأولى لهذه الرسوم كانت في إقليم الفيوم في جنوب القاهرة وهي تمثل الجانب الأكبر منها، ولهذا أطلق عليها تلك التسمية. وقد عُثر على هذه اللوحات ملفوفة مع المومياوات، ويمثل كل رسم منها وجها مرسوماً لصاحب المقبرة. لا نعرف على وجه الدقة السبب الحقيقي لرسم هذه اللوحات، غير أن الرأي الأرجح أنه تقليد مُستمد من طقوس الدفن المصرية الأقدم، إذ كان يحرص المصريون القدماء على إرفاق تمثال أو مجموعة تماثيل للمتوفى في مقبرته، حتى تستطيع الروح التعرف على صاحبها عند البعث حسب معتقادتهم. ما يميز هذه المجموعة من الصور الملونة والمعروفة بوجوه الفيوم أنها ما تزال محتفظة بألوانها ورونقها كأنها قد رسمت للتو. كما أن هذه الرسوم التي تتسم بالواقعية كانت سابقة لفن الأيقونات القبطية في مصر، وفنون التصوير البيزنطية التي هيأت الأجواء لتطور فن التصوير الغربي لاحقاً.
ما تبقى من هذه الصور اليوم لا يتعدى المئة قطعة تتوزع حالياً على العديد من المتاحف الأثرية والفنية في أرجاء العالم. تضم لوحات الفيوم وجوهاً لأشخاص بالغين وأطفال ومراهقين من الجنسين، وتشترك جميعها تقريباً في الأسلوب نفسه. في هذه الصور تُضفي نظرة الأشخاص المرسومين هالة سحرية على الوجه، فعلى الرغم من الفترة الزمنية الممتدة التي أنتجت خلالها تلك الصور، كان هناك حرص مشترك على الاحتفاظ بنظرة العين موجهة مباشرة إلى المشاهد، إلى جانب الإتقان في رسم الملامح والتعبير عن السمات الشخصية لكل وجه، وتوظيف الظلال لإعطاء بُعد مجسم للصورة. خلافاً لكل هذه السمات فمقدور هذه الصور أن تُعطينا لمحة تقريبية عن عصرها، من ملابس وقصات شعر وحُليّ، وغيرها من التفاصيل الأخرى.
معالجة فنية رقمية
دانيال فوشارت هو فنان كندي مُتعدد الوسائط، يعتمد في أعماله على نحو خاص على معالجات الصورة الفوتوغرافية وتوظيف الواقع الافتراضي. انتبه فوشارت أخيراً إلى وجوه الفيوم وضمها إلى تجربته التي يعمل عليها منذ سنوات لتحويل وجوه الشخصيات التاريخية القديمة إلى صور فوتوغرافية. إستغل الفنان فترة الحجر الصحي بسبب وباء كورونا وقرر معالجة بعض هذه الصور اعتماداً على عدد من التطبيقات الخاصة بالصورة الفوتوغرافية.
من طريق هذه التطبيقات الرقمية استطاع الفنان الكندي تحويل هذه الرسوم الملونة إلى صور فوتوغرافية بالغة الدقة وذات ملامح طبيعية. ثم من طريق برنامج التعامل مع الصور "فوتوشوب" أجرى الفنان بعض التعديلات على هذه الصور لتبدو أكثر واقعية، مزيلاً التشققات ومرمماً الأجزاء التالفة منها، مع إضافة نسيج يشبه الجلد البشري ولون العينين، وغيرها من التفاصيل الأخرى، ما أدى في النهاية إلى تحويل الصور المرسومة إلى هيئة أشبه بالصورة الفوتوغرافية العالية الدقة.
خلافاً لصور المومياوات المصرية القديمة خاض فوشارت تجارب أخرى شبيهة، من بينها مثلاً عمله على تحويل صور الأباطرة اليونانيين إلى صور واقعية، اعتماداً على تماثيلهم المعروضة في المتاحف. في هذه الصور التي تُقارب الخمسين، تحولت الوجوه الحجرية لهؤلاء الأباطرة القدماء بهيئتها المتجمدة إلى صورة حية لأشخاص طبيعيين. في هذه المجموعة يطالع المشاهد صوراً واقعية لأشهر هؤلاء الحكام، ومن بينهم مثلاً الإمبراطور أغسطس، وكذلك الإمبراطور اليوناني المثير للجدل نيرون، والذي بدا في هيئته قريب الشبه بالمغني الإنجليزي "إد شيران"
في معالجاته لهذه الصور إستعان الفنان بالمعلومات المعروفة عن هؤلاء الأباطرة، كمسقط رأسهم مثلاً، من أجل الوصول إلى أقرب استنتاج للون بشرتهم وطبيعة شعرهم، والاقتراب أكثر من التعابير الطبيعية لوجوههم. من مشاريع دانيال فوشارت اللافتة أيضاً تحويله بعض المنحوتات التي صنعها طلاب أكاديمية نيويورك للفنون إلى وجوه واقعية. ومن الشخصيات التاريخية التي عمل عليها الفنان كذلك صورة الملكة المصرية كليوباترا وفينوس، وطاولت أعماله حتى وجه تمثال الحرية في نيويورك. مشروع الفنان الكندي دانيال فوشارت يعطينا لمحة عما يمكن أن تتيحه لنا التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في المستقبل، فقد يمكننا مستقبلاً أن نلقي نظرة أكثر دقة وواقعية على شكل الحياة في العصور القديمة، أو ربما معايشتها كذلك عبر الواقع الافتراضي.