جولة جديدة من الصراع بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وخصومه الديمقراطيين قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، إذ دعت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي مشرِّعي مجلس النواب إلى قطع العطلة الصيفية هذا الأسبوع، للتصويت على تشريع يحمي خدمة البريد الأميركية من إجراء أي تغييرات على العمليات التي كانت تجريها بداية من هذا العام، وسط جدل واسع بشأن التصويت بالبريد في الانتخابات المقبلة.
وحسب وسائل إعلام أميركية، قالت الزعيمة الديمقراطية، في بيان مساء الأحد، إنها دعت مجلس النواب إلى قطع فترة العطلة، من أجل التصويت على الإجراء الذي قدّمته رئيسة لجنة الرقابة والإصلاح في مجلس النواب كارولين مالوني، التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي صاحب الأغلبية بمجلس النواب، تحت مسمّي "قانون التسليم من أجل أميركا".
كما دعت بيلوسي أعضاء الكونغرس إلى المشاركة في يوم عمل، من خلال الظهور في مكاتب البريد بمقاطعاتهم لحضور حدث صحافي من أجل "إنقاذ خدمة البريد". وقالت إنه "في وقت تفشي الوباء، خدمة البريد هي مركز الانتخابات. لا ينبغي على الأميركيين الاختيار بين صحتهم وتصويتهم".
مخاوف من التزوير
جاءت خطوة بيلوسي ردّاً على تغييرات في سياسة هيئة البريد أجراها أخيراً المدير العام لويس دي جوي، المُعيَّن من قِبل ترمب وأحد كبار المانحين للحزب الجمهوري، التي أسفرت عن تأخّر وصول الرسائل. كما قال القائمون على خدمة البريد إنهم لن يتمكنوا من إيصال ملايين بطاقات الاقتراع لاحتسابها قبل الانتخابات في نوفمبر، بينما من المتوقع أن يشهد التصويت بالبريد إقبالاً واسعاً، بسبب وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19). لكن، نفت الناطقة باسم خدمة البريد التباطؤ عمداً في توزيع البريد الانتخابي، ولا أي بريد آخر، مشيرة إلى مشكلات مالية في المؤسسة.
وطالما أعرب ترمب عن رفضه التصويت بالبريد، خشية تزوير وتعزيز فرص منافسه جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي، الذي يتقدّم عليه بفارق أربع نقاط وفقاً لأحدث استطلاع رأي وطني. وقال جون فريدريكس، المذيع المحافظ الذي يعمل في اللجنة الاستشارية لحملة ترمب، إن مؤيدي الرئيس يعتقدون أنه سيفوز بشكل شرعي، لكن الديمقراطيين يحاولون سرقة الانتخابات من خلال التلاعب بأوراق الاقتراع بالبريد.
وبينما يريد الديمقراطيون تمويل هذه الخدمة العامة التي تواجه عجزاً وصعوبات مع ازدهار الإنترنت وتراجع حجم المراسلات، قال الرئيس الأميركي، في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، إنه لا يريد تمويل خدمة البريد "حتى لا تكوّن مجهزة لتصويت معمم بالمراسلة" لا يرغب فيه. لكن ترمب تراجع في اليوم التالي، قائلاً خلال مؤتمر صحافي إنه قد يقدم أموالاً للهيئة وفقاً لما يريده الشعب الأميركي.
وطلبت رئيسة لجنة الرقابة والإصلاح في مجلس النواب أيضاً عقد جلسة استماع، الأسبوع المقبل، مع دي جوي لفحص التغييرات الأخيرة التي جرى إجراؤها في الهيئة، وما وصفته في وقت سابق من هذا الشهر بأنه "الحاجة إلى تسليم البريد في الوقت المحدد خلال الوباء المستمر والانتخابات المقبلة"، وسط مزاعم الديمقراطيين بأن رئيس خدمة البريد "يعمل مع ترمب لتخريب الوكالة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اتهامات بالتآمر
الإصلاحات التي بدأها جوي، التي تستهدف أن تحقق الخدمة البريدية للولايات المتحدة (يو إس بي إس) أرباحاً، تواجه انتقادات حادة وسط اتهامات الديمقراطيين له بالسعي إلى منع التصويت بالمراسلة من خلال عدة تغييرات ضمن الإصلاحات الجديدة. وعند تقديم قانون "التسليم من أجل أميركا"، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، قالت مالوني، في بيان، إن "الخدمة البريدية لا ينبغي أن تصبح أداة للسياسات الحزبية". وأضافت أن "الوباء الذي يحدث مرة واحدة في القرن ليس هو الوقت المناسب لسن تغييرات تهدد موثوقية الخدمة وشفافيتها".
وهاجمت بيلوسي، التي تجمعها خصومة شرسة مع ترمب منذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) 2017، الرئيس الأميركي قائلة إن البلاد تشهد "الآثار المدمرة" لما وصفته بـ"حملة ترمب لتخريب الانتخابات من خلال التلاعب بخدمة البريد لحرمان الناخبين من حق التصويت".
وقالت أيضاً إن دي جوي "أثبت أنه محسوب متواطئ يواصل دفع تغييرات تشغيلية شاملة جديدة تؤدي إلى تدهور الخدمة البريدية، وتأخير البريد، ووفقاً لخدمة البريد نفسها ما يهدد بعرقلة الأميركيين المؤهلين للتصويت عبر البريد في الانتخابات المقبلة في الوقت المناسب".
تأخر إعلان الفائز
وتقول مجلة بولتيكو، الأميركية، إنه على الرغم من غياب الأدلة على تفشي التزوير عبر التصويت بالبريد، فإن متخصصي الانتخابات قلقون بشأن مشكلات إجراء الانتخابات الرئاسية في أثناء الوباء. إذ إنه من غير المعروف ما إذا كانت خدمة بريد الولايات المتحدة قادرة على التعامل مع موجة الاقتراع بالبريد وإيصال البطاقات في الوقت المناسب، وحذّر مسؤولون آخرون حدوث طوابير طويلة ونقص في العاملين بمراكز الاقتراع.
وتوقع البعض أن التصويت عن بعدُ قد يعني أن الفائز النهائي في السباق الرئاسي بين ترمب وبايدن لن يكون معروفاً لأيام أو حتى أسابيع. ويدفع الديمقراطيون لتخصيص 25 مليار دولار من أجل خدمة البريد، في مشروع قانون التعافي من فيروس كورونا، للمساعدة على معالجة هذه المخاوف، لكن الأمر لا يزال مصدر خلاف مع الجمهوريين.
ويحذّر بعض القادة الجمهوريين الرئيس سرّاً وعلانية أن محاولات تقييد الاقتراع عبر البريد يمكن أن تضر بالحزب الجمهوري في انتخابات نوفمبر، ما يخيف الناخبين الجمهوريين من التصويت عن بُعد، حتى لو رفضوا أيضاً التصويت شخصيّاً بسبب الوباء.
ترمب يرفض الخسارة
وتقول شبكة "سي إن إن"، الأميركية، إن ترمب يصر على وصم التصويت عبر البريد بـ"المزور"، في محاولة لتبرير خسارته المتوقعة في الانتخابات المقبلة، لأنه يرفض الاعتراف بالخسارة. وتضيف "في مواجهة حالات الإفلاس المتعددة بسبب القرارات السيئة التي اتخذها، فإن الرئيس الأميركي كان يصر على تفوقه على الجميع، ومن ثمّ فإذا خسر فسوف يقول إن هذه ليست نتيجة اختيار الناخبين، بل نتيجة للتزوير".
ويرى مراقبون تحدثوا إلى وكالة الصحافة الفرنسية أن ترمب يدرك أن التصويت بالمراسلة يمكن أن يشجّع الأميركيين الأفارقة والمنحدرين من أميركا اللاتينية الذين يبدون أكثر ميلاً إلى الامتناع عن المشاركة، بسبب أوضاعهم الهشّة في معظم الأحيان، وهذه الكتلة التصويتية أكثر ميلاً إلى التصويت لمنافسه الديمقراطي.