ترافقت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى واشنطن ولقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع عاصفة سياسية محلية وإقليمية، إذ يسعى إلى جعل توقيع ترامب على اعتراف الولايات المتحدة بـ "السيادة الإسرائيلية" على الجولان، أبرز ما في هذه الزيارة، وتشير التوقعات إلى أن يسجل من خلالها إنجازاً جديداً سيستخدمه لرفع شعبيته والبقاء في مقدمة الأحزاب المتنافسة على رئاسة الحكومة في التاسع من أبريل (نيسان) المقبل.
قمة الجولان
في إسرائيل لا يختلف اثنان على أن هذه الزيارة انتخابية محض، وإعلان ترمب قرار الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان يأتي ضمن تنسيق بين الرجلين اللذين يخططان لدعم بعضهما بعضاً، فقبل مغادرته تل أبيب، حرص نتنياهو على الترويج عبر ممثلين له، أن ما سيحدث في واشنطن أقرب ما يمكن من "قمة الجولان". وركز أمام الصحافيين على أن العلاقة بينه وبين ترمب هي أقوى علاقات نجح رئيس حكومة إسرائيلية بإقامتها مع رئيس أميركي، متفاخراً بقدرته على ضمان الدعم الأمني والعسكري الأميركي لإسرائيل.
يأتي حديث نتنياهو في وقت يشكل تصريح ترمب دعماً قوياً له، وهو يستغل علاقته التي يصفها بـ "المميزة" بالرئيس الأميركي في حملته الانتخابية، مظهراً ما أنجزه كمكاسب شخصية في وجه خصومه. وسبق اعتراف ترمب تصريح لنتنياهو جاء فيه "لولا الوجود الإسرائيلي في هضبة الجولان لكانت إيران اليوم في طبرية"، مضيفاً أن نشاط "حزب الله" من أجل التموضع في الجولان السوري حيث شكل خلية للعمل ضد أهداف إسرائيلية، سبب كاف يضاف إلى أسباب أخرى لاتخاذ قرار بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاستثمارات الصينية حاضرة بقوة
وقطع نتنياهو زيارته بشكل مفاجىء إلى الولايات المتحدة بعد تطورات غزة وإطلاق صاروخ قرب تل ابيب إذ كان من المتوقع ان يلقي الثلثاء خطاباً في المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، التي تعتبر اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل، وسيلتقي رئيس الحكومة الإسرائيلية الرئيس ترمب على أن يعود فوراً إلى إسرائيل، وسيكون ملف الجولان في مركز المحادثات إلى جانب الملف الإيراني، وما تدّعيه إسرائيل من تموضع إيران عسكرياً في سوريا وكيفية منعها من حيازة سلاح نووي. وعلم من مقربين من نتنياهو أن موضوع الاستثمارات الصينية في إسرائيل سيأخذ حيزاً مهماً في لقاء الرئيسين، خصوصاً بعد الكشف عن إدارة شركة صينية ميناء حيفا، الذي ترسو فيه قطع للبحرية الأميركية.
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حذر خلال زيارته الأسبوع الماضي، في إسرائيل، من تضرر العلاقات الأميركية الإسرائيلية، خصوصاً التعاون المشترك في مجالي الأمن والاستخبارات، إذا لم تحدّ إسرائيل من علاقتها المتنامية مع الصين.
سوريو الجولان يتظاهرون
المطلب الإسرائيلي المتكرر للاعتراف الدولي بالجولان إسرائيلية، لم يلق آذاناً صاغية ولم ينجح رؤساء الحكومات في إقناع المجتمع الدولي بهذا الاعتراف، حتى جاء ترمب ليطلق هذا الإعلان، الذي أثار زوبعة محلية وإقليمية.
سوريو الجولان المحتل تظاهروا في المنطقة الحدودية، قبل ساعات من مغادرة نتنياهو تل أبيب نحو واشنطن، وشارك إلى جانبهم متظاهرون من فلسطينيي 48 من الجليل والناصرة، ورفع المتظاهرون الأعلام السورية وصوراً للرئيس السوري بشار الأسد، وطالبوا المجتمع الدولي بالوقوف في وجه الإعلان الأميركي مؤكدين أن الجولان أرض سورية ولا يحق لرئيس الولايات المتحدة تقرير مصيره.
متظاهرو الجولان جاءوا من خمس قرى درزية في المنطقة المحتلة، التي تصل مساحتها إلى 1800 كيلومتر مربع، احتلت إسرائيل 1200 كيلومتر مربع منها، ويصل عدد السوريين في الجولان المحتل إلى أكثر من 22 ألف سوري.
مشاريع استيطانية
منذ العام 1967 نشطت إسرائيل في مشاريعها الاستيطانية والاستيلاء على مصادر الجولان الطبيعية لفرض أمر واقع يعيق أي اتفاق مستقبلي متوقع تعود بموجبه الجولان إلى سوريا. فقد أقامت إسرائيل أول مستوطنة وهي مستوطنة "مروم غولان"، بعد فترة قصيرة من احتلال الجولان وكثفت بناء الاستيطان حتى وصل عدد المستوطنات في العام 2017 إلى 32 مستوطنة يسكنها حولي 18 ألف مستوطن.
حتى اليوم يرفض غالبية سكان الجولان الحصول على الهوية الإسرائيلية، وعلى الرغم من الجهود لفرض انتخابات محلية إلا أن التجاوب كان خجولاً ولم تحقق السلطات الإسرائيلية أهدافها، علماً أن القانون الإسرائيلي فرض في العام 1981 على الجولان، وجوبه برفض دولي وأصدر مجلس الأمن الدولي القرار497 في العام 1981 الذي يعتبر ضم الجولان باطلاً ولاغياً. وحتى سنوات التسعينيات بقي الجولان في أجندة رؤساء الحكومات "منطقة استراتيجية مهمة"، وجرى العمل على تطويره سياحياً واقتصادياً، من دون أية محاولة للتفاوض حوله.
وعد فورد
في مناقشة الإسرائيليين لإعلان ترمب تطرقوا إلى الرسالة التي بعث بها في العام 1973 الرئيس الأميركي في حينه جيرالد فورد إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية يتسحاك رابين، يقول فيها "الولايات المتحدة لم تبلور موقفاً نهائياً في شأن حدود إسرائيل، ولكنها عندما تفعل ذلك، فإنها ستعطي وزناً كبيراً لموقف إسرائيل بأن أي اتفاق سلام مع سوريا يجب أن يشمل بقاء إسرائيل في هضبة الجولان". وبعد تسلم مناحيم بيغن رئاسة الحكومة في العام 1977 لم تلغِ إسرائيل إمكان الانسحاب من الجولان، وصرح بيغن أن "إسرائيل ستبقى في الجولان، ولكنها ستكون على استعداد للانسحاب من الخط الحدودي، في إطار اتفاق سلام".
وفي ولاية رابين الثانية في رئاسة الحكومة، أجري اتصالات في شأن الانسحاب الإسرائيلي من الجولان، ضمن اتفاق سلام شامل مع سوريا. وكان آخر رئيس حكومة إسرائيلية أجرى اتصالات مع السوريين في شأن الانسحاب من الجولان هو إيهود أولمرت، بوساطة تركية. وبعد أن تولى نتنياهو رئاسة الحكومة في العام 2009 أعلن أن إسرائيل لن تنسحب من الجولان، على الرغم مما كشف من محاولات له لإجراء محادثات حوله.
وفي السنوات بين 2010 و2014 صادق الكنيست الإسرائيلي على مشروعي قانون يُلزمان إجراء استفتاء عام وغالبية مطلقة في الكنيست على أي قرار في شأن الانسحاب من أراض محتلة، مع التشديد على إخلاء المستوطنين من الجولان.
إعلان ترمب في عيون الإسرائيليين
في إسرائيل تراوحت المواقف بين داعمة موقف نتنياهو بالتهليل لإعلان ترمب، وبين محذّرة من أن هذا الإعلان سيسهم في زيادة الدعم الدولي للرئيس السوري بشار الأسد.
القائم بأعمال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس شكر ترمب على إعلانه وقال "الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية سيعزّز أمن إسرائيل ووضعها في المنطقة، ويشكل رسالة واضحة إلى الأسد، الذي يمنح الرعاية للوجود الإيراني في المنطقة".
الجولان أولاً
وتحت عنوان "الجولان أولاً"، كتبت صحيفة "هارتس" تقول "لقد رحب بنيامين نتنياهو، الذي يحظى بالتشجيع من ترمب، في لحظة من الدرك الأسفل في حملته الانتخابية، بـ "معجزة عيد المساخر" (إعلان ترمب جاء عندما كان الإسرائيليون يحتفلون بما يسمونه عيد المساخر". أما خصمه بيني غانتس الذي كان من كبار رجالات حزبه من القادة الذين دفعوا نحو الاعتراف الأميركي بضمّ الجولان، فقال إن بيان ترمب يضمن مكانه في التاريخ كصديق حقيقي لإسرائيل.
وأضافت الصحيفة أن الفرحة المشتركة لنتنياهو وغانتس ليست مفاجئة، فضم الجولان والمستوطنات التي أقيمت عليه يتمتعان بدعم واسع في إسرائيل، ومنذ حرب العام73 امتنعت سوريا عن محاولة استعادة الجولان بالقوة، وفضلت الحفاظ على الهدوء في الحدود، وإدارة محادثات سلام لم تحقق شيئاً، كما أن الدروز في شمال الهضبة يقبلون بالسيطرة الإسرائيلية من دون تمرد.
وتابعت الصحيفة "على الرغم من الهدوء الأمني والإجماع الداخلي الذي يرى في الجولان جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل، فإن الحديث يدور حول أرض محتلة تسيطر عليها إسرائيل بخلاف القانون الدولي والمبدأ الذي يتضمنه أساس قرار الأمم المتحدة 242، وبموجبه فإن اكتساب الأراضي من خلال الحرب ليس مقبولاً. إن بيان ترمب والهتافات في إسرائيل تبثان رسالة إشكالية، تقول إن إسرائيل لم تعد معنية بتسوية سلمية. صحيح أن سوريا ضعيفة ومفككة وستكتفي بالشجب الدبلوماسي، وعلى أي حال فإن احتمال استئناف المسيرة السياسية في الشمال يبدو أمراً مستحيلاً، ولكن ترمب منح السوريين وحلفاءهم مبرراً مجدداً لمواجهات عسكرية محتملة".
في المدى القريب، فإن القرار الأميركي بضمّ الجولان سيعمّق الوهم الإسرائيلي وكأنه يكفي إذن الولايات المتحدة لإجراء تغييرات على خريطة العالم، وسيسهم في شطب خطوط 67 كخطوط المرجعية لحل النزاع الإسرائيلي العربي، وإن الاعتراف الأميركي سيؤدي بالضرورة إلى تعاظم الضغوط من اليمين لضمّ مناطق "C" في الضفة الغربية، وتعميق الاحتلال والنزاع الدامي مع الفلسطينيين.
العالم مع الأسد
إسرائيليون اعتبروا إعلان ترمب ليس مجرد تصريح، وأن الرد عليه سيأتي من روسيا عبر بذل جهود حثيثة لبناء الجيش السوري، ومن إيران بمواصلة تعزيز وجودها في سوريا، أما الدول العربية إلى جانب أوروبا، فستمنح الأسد المظلة الدولية التي يفترض أن تؤشر إلى إدارة ترمب بأن عليها أن تحترم النظام الدولي، وهذا الموقف الذي عبر عنه سياسيون وخبراء إسرائيليون يعني أن مكانة الأرض التي احتلت لن تتغير إلا باتفاق دولي، وليس في شكل أحادي الجانب.
ويقول الخبير السياسي شمعون شيفر "الكثيرون في إسرائيل يشعرون بأنه يجب استغلال حقيقة أنه يجلس في البيت الأبيض رئيس مستعد ليقف إلى جانبنا في أي وضع، لكن الاستخفاف بالمؤسسات الدولية محظور. إذ قد يخلف ترامب رئيس جديد يلغي بتغريدة واحدة قسماً كبيراً من خطوات سلفه".
ماذا سيحقق نتنياهو؟
ويتابع شيفر "في نهاية المطاف، يجدر التذكير بأن إسرائيل تأسست في خطوتين، اعتراف الأمم المتحدة بالحاضرة اليهودية التي نمت في فلسطين "بلاد إسرائيل"، وفكرة دونم إثر دونم. الآن يظهر الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية في هضبة الجولان، أنه يستهدف مساعدة نتنياهو في نيل ولاية خامسة كرئيس للحكومة. يحتمل جداً أن يؤدي الاعتراف الأميركي فقط إلى بداية العد التنازلي حتى إعادة هضبة الجولان إلى السوريين، سواء بالمفاوضات أو باستئناف الأعمال العدائية من جانب السوريين ضد أهداف في إسرائيل، بتشجيع الروس والإيرانيين، تنتهي بتسوية مفروضة. من يريد أن يمنع مزيداً من القتل على الحدود، ملزم أن يسعى إلى تسويات متفق عليها مسنودة باعتراف دولي. أما فكرة "شعب وحده يسكن" فلا يمكنها أن تحل محل نيل كرسي إلى طاولة الشعوب".
أمام هذه التوقعات يبقى السؤال ما إذا في إمكان نتنياهو تحقيق إنجاز انتخابي بالفعل من إعلان ترمب، أم أنه سيعود إلى تل أبيب بخفّي حنين، وقد حظي الرئيس السوري بشار الأسد بدعم دولي وفق التوقعات من الإعلان الأميركي الأحادي الجانب.