شارفت المهلة الدستورية الممنوحة للرئيس المكلّف تشكيل الحكومة، هشام المشيشي، على نهايتها، في 26 أغسطس (آب) 2020. وأكّد المشيشي، في وقت سابق، أنها ستكون حكومة كفاءات لا علاقة لها بالأحزاب السياسية. والسبب، وفقه، هو "الاختلافات الكبيرة بين السياسيين، التي تحول دون تشكيل حكومة من جميع التيارات".
فكيف ستواجه هذه الحكومة البرلمان؟ وهل ستنال ثقته؟ وما هي التحدّيات التي ستجبهها في الفترة المقبلة؟
على الرغم من رفض الأحزاب حكومة الكفاءات، إلا أن متابعين للشأن السياسي يرجّحون المصادقة على حكومة المشيشي، لخشية الأحزاب من الذهاب إلى انتخابات مبكّرة، قد تخسر فيها مكاسبها البرلمانية الحالية، بسبب ما عاشه البرلمان من صراعات أثّرت في صورته، وتراجع تأييد المواطنين للأحزاب السياسية، ولعدم رغبة الأحزاب ولا سيما حركة النهضة، في بقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة إلياس الفخفاخ.
من يدعم حكومة المشيشي ومن يرفضها؟
تواجه حكومة المشيشي معارضة من حركة النهضة (54 نائباً)، ومن ائتلاف الكرامة (19 نائباً)، بينما تدعم خيار حكومة الكفاءات، كلّ من كتلة قلب تونس (27 نائباً) وكتلة الإصلاح الوطني (16 نائباً)، والكتلة الوطنية (11 نائباً)، والدّستوري الحر (16 نائباً)، وكتلة تحيا تونس (16 نائباً). وبينما عبّرت حركة الشعب (15 نائباً) عن ارتياحها لتكليف المشيشي، سيحسم التيار الديمقراطي (22 نائباً)، موقفه يوم الأحد 23 أغسطس (آب)، خلال انعقاد مجلسه الوطني، في انتظار أن تحدّد كتلة المستقبل (9 نواب) موقفها من هذه الحكومة.
حكومة الأمر الواقع
يصف الصحافي وليد الماجري، في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، حكومة المشيشي بحكومة "الأمر الواقع". ويعتقد أن "ما على الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية والنواب إلا المصادقة، ولو كُرْها على تركيبتها، لتفادي حلّ البرلمان والدّعوة إلى انتخابات تشريعية مبكّرة".
ويرى الماجري أنّ هذه الحكومة هي وليدة صراع حكم خفيّ، بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي. فرأسا السّلطة التنفيذية والتشريعية يتصارعان حول من يملك زمام المبادرة في تشكيل الحكومة.
ويضيف الماجري أن "سعيد راوغ الأحزاب السياسية، ووضعها أمام حتميّة وخيار وحيدين، ودفعها مكرَهة إلى المصادقة من أجل تفادي الأسوأ".
ويعتقد الماجري أنّ "الأحزاب السّياسية غير مستعدة لخوض الانتخابات المبكّرة، ولا يمكنها أن تحافظ على الحاصل الانتخابي، الذي حقّقته في الانتخابات الماضية، مع تنامي صعود الحزب الدستوري الحرّ وبالنظر إلى حجم شعبية الرئيس قيس سعيد الذي إذا أعلن دعمه جهة سياسية معينة فإنه سيسحق حركة النهضة".
ويضيف الماجري أن "حركة النهضة تقرأ السيناريوهات الممكنة، إلا أنها ستصادق على الحكومة، ولو مكرهة لأنها تخشى خوض محطّة انتخابية مبكّرة غير محسوبة العواقب"، مضيفاً أن "لا خيارات أخرى أمام الوضع السياسي الراهن في تونس، لأنّ الصراع حول من يملك زمام المبادرة، في تشكيل الحكومة، بين راشد الغنوشي وقيس سعيد بلغ أشدّه مع الإطاحة بحكومة الياس الفخفاخ.
المشيشي لتصريف الأعمال
وفي حال لجأ الرئيس سعيد إلى حلّ البرلمان، فإن "المشهد البرلماني المقبل سيكون مختلفاً عن المشهد الحالي، وسيستحوذ الحزب الدستوري الحرّ، بقيادة عبير موسي، على البرلمان بمعية الحزب الذي سيحظى بدعم سعيد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يستبعد الماجري أن تواجه حكومة المشيشي لائحة سحب ثقة في الفترة التي تلي المصادقة عليها، مشيراً إلى أن النتيجة ستكون تأجيجاً للصّراع بين قطبَي الحكم (البرلمان ورئاسة الجمهورية). وهو ما سيعمّق الأزمة السياسية في تونس.
وفي خصوص التحديات المستقبلية التي ستواجهها حكومة المشيشي، يؤكد الماجري أنه "تاريخياً، حكومات الكفاءات في تونس هي حكومات تصريف أعمال والإعداد لتنظيم انتخابات مبكّرة"، مستبعداً أن تكون حكومة المشيشي حكومة إصلاحات كبرى".
إيقاف النزيف الاقتصادي
وستواجه حكومة المشيشي في حال نالت ثقة البرلمان تحدّيات اقتصادية واجتماعية كبرى، مع تنامي الاحتقان الاجتماعي وتعمّق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بسبب جائحة كورونا، إذ يُتوقع أن يسجل الاقتصاد التونسي أسوأ انكماش في تاريخ البلاد، وتداعيات ذلك كبيرة، من تنامي عدد العاطلين من العمل وتزايد نسبة الفقر وتدنّي القدرة الشرائية.
وكان المشيشي صرّح في وقت سابق بأن حكومته أعدّت برنامجاً اقتصادياً، من أسُسِه إيقاف النزيف على مستوى المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، موضّحاً أنّ إعادة التوازن إلى ميزانية الدولة والأسس الاقتصادية للبلاد ستُمكّننا بعد فترة محدّدة، من الحديث عن برنامج إقلاع اقتصادي.
نقد الأحزاب ينهك المسار الديمقراطي
وسط هذه الأزمة الاقتصادية، يحذّر الخبراء من تنامي الصراع بين قصرَي باردو (البرلمان) وقرطاج (الرئاسة)، وتداعياته على المسار الديمقراطي، من خلال نقد دور الأحزاب السياسية، على الرغم أنها تتحمّل مسؤولياتها في ما وصلت إليه البلاد من صراعات، ولعدم التزامها بميثاق أخلاقي لممارسة العمل السياسي، في الأطر المسموح به والذي يحترم ثوابت العمل السياسي.
ستحسم الأحزاب السياسية أمرها، وتصادق على حكومة المشيشي، إلا أن هذه الحكومة ستواجه تحديات سياسية واقتصادية كبرى، في ظل وضع إقليمي ودولي متغير، جرّاء تداعيات كورونا. وهو ما يحتّم على رئيس الجمهورية والمنظمات الوطنية الدّعوة إلى حوار وطني لتعزيز الثقة بين الحكومة والبرلمان ومن أجل الإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي.