وصلت التجارة العالمية مرحلة التحسن الشهر الماضي بعد بداية التعافي في يونيو (حزيران) مع إعادة فتح الاقتصاد بأغلب الدول، إلا أن توقعات التعافي الكامل للتجارة العالمية قد يأخذ وقتاً مع التحسب لموجة ثانية من وباء كورونا، حسبما خلص إليه تقرير لمؤسسة موديز للتصنيف الائتماني.
ومن المتوقع، في ظل أي سيناريو محتمل لتأثير الوباء، أن تتأخر مفاوضات اتفاقيات التجارة بين أغلب الدول والكتل الاقتصادية عن مواعيدها المقررة سابقاً بسبب تركيز كل دولة على وضعها بانتظار بدء عودة الحياة الاقتصادية إلى شكل من أشكال النمو القريب من العادي.
فبعد تراجع التجارة العالمية بشدة في أبريل (نيسان) الماضي، ومايو (أيار) بأغلب البلاد، بدأ "تحسن متزامن" في التجارة العالمية عامة بمعدل كبير خلال يونيو واستمر التحسن كذلك في يوليو (تموز) الماضي. مع ذلك سيستمر التحسن بشكل تدريجي مع تباطؤ نمو الطلب الاستهلاكي في أنحاء العالم. ويظل هناك خطر العودة إلى إغلاق الاقتصادات بشكل واسع نتيجة موجة ثانية من وباء كورونا ما يؤدي إلى تعطل سلاسل الإمدادات في التجارة العالمية مجدداً.
وبمناسبة سلاسل الإمداد، يخلص تقرير مؤسسة موديز إلى أن وباء كورونا سيسرّع بشكل عام عملية نقل سلاسل الإمدادات لتصبح قريبة من مراكز الإنتاج ومن المستهلك النهائي. ويشير التقرير إلى أن ذلك بدأ بالفعل في قطاعات صناعة السيارات وصناعة الإلكترونيات. كما أن الحكومات بدأت في اتخاذ مبادرات للإنتاج المحلي للسلع المهمة مثل صناعات الغذاء والمستحضرات الطبية. مع ذلك، تعمل الشركات على تعزيز وتقوية سلاسل الإمدادات التي تنشط التجارة العالمية، مستفيدة من موازنة التكاليف والعائدات.
في المقابل ستشهد عمليات تبادل المعلومات والتجارة في الخدمات الرقمية نمواً كبيراً بشكل مستمر مع التحول الذي حدث في الاستهلاك والعمل عبر الإنترنت. وسيؤدي ذلك، حسب تقرير مؤسسة موديز، إلى تركيز الحكومات على فرض الضرائب الرقمية لتعزيز عائداتها العامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتوقع التقرير أنه مع تركيز الدول والتكتلات الاقتصادية على مواجهة وباء كورونا ستصبح مفاوضات التجارة أكثر صعوبة وتمثل تحدياً هائلاً سواء في تفاصيل المفاوضات أو المدى الزمني المقدر للوصول لاتفاقيات تجارية. على سبيل المثال سيتأخر البدء في مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والصين كما سيتأخر التوصل لاتفاقية تجارية في المفاوضات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبين الولايات المتحدة والهند وربما أيضاً بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
مع ذلك، ستستمر المرحلة الأولى من اتفاق التجارة الأميركي- الصيني وإن توقع التقرير أن تتصاعد المشكلات بين البلدين؛ أكبر وثاني أكبر اقتصاد في العالم، مع تصاعد التوتر بشأن التكنولوجيا الحساسة والاستثمارات. ويستبعد تقرير مؤسسة موديز فرض مزيد من الرسوم أو التعرفة الجمركية ضمن المرحلة الأولى على الأقل حتى تظهر نتائج انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) الرئاسية بالولايات المتحدة.
لكن تعثر مفاوضات التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى فرض رسوم جمركية، بخاصة من جانب الولايات المتحدة على صادرات السيارات الأوروبية لأميركا. أما بالنسبة لمفاوضات اتفاق تجارة بين بريطانيا والولايات المتحدة، الذي تعهدت حكومة بوريس جونسون في لندن أن يتم التوصل إليه قبل نهاية العام بعد خروج بريطانيا رسميا من أوروبا "بريكست" في يناير (كانون الثاني) الماضي فيبدو صعب التحقق. والأرجح أنه حتى لو بدأت المفاوضات بين لندن وواشنطن أن تستمر لما بعد الانتخابات الأميركية، وسيتوقف مدى نجاح المفاوضات على من سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ويتوقع التقرير ألا تصل المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي حول اتفاق قبل نهاية الفترة الانتقالية آخر هذا العام إلى نتيجة حاسمة، والأرجح أن تنتهي الفترة الانتقالية وتنفصل بريطانيا تماماً عن أوروبا بترتيبات "مائعة" ومؤقتة.
ورغم أن اتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا دخل حيز التنفيذ في الأول من يوليو الماضي فإن بعض القطاعات، بخاصة صناعة السيارات، ستجد صعوبة في تطبيق بعض بنوده الآن، خصوصاً ما يتعلق بشهادات المنشأ نتيجة الحاجة لتعديل سلاسل الإمدادات.
أيضاً لا يتوقع البدء في اتفاقية التجارة الحرة للقارة الأفريقية، التي كان يفترض تفعيلها مطلع يوليو الماضي، وتأجلت إلى أجل غير مسمى بسبب وباء كورونا، في القريب العاجل. وهي الاتفاقية التي قدرت الأمم المتحدة أن توفر مكاسب لشرق أفريقيا بنحو 1.8 مليار دولار وتزيد الصادرات ما بين الدول الأفريقية بنحو 1.1 مليار دولار وتوفر أكثر من مليوني وظيفة إضافية تحتاجها القارة السمراء بشدة.
وفي النهاية يتوقع التقرير أنه مع السيناريو الأكثر احتمالاً بأن الاقتصاد العالمي مر بأسوأ وضع ممكن في الربع الثاني من العام، فإن الربع الثالث سيكون بداية التعافي وإن تدريجياً وببطء. وسيعني ذلك استمرار التحسن في التجارة العالمية. وحسب أرقام وجداول التقرير فإن الزيادة الكبيرة في يونيو واستمرار التحسن في يوليو الماضي كانتا بنسبة أكبر في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا من بين ثماني دول رئيسة تضم الولايات المتحدة وكندت وأستراليا وكوريا الجنوبية.
أما المحرك الرئيس لعودة تحسن التجارة العالمي فقد جاء من الصين، مع بدء تعافي مؤشرات الناتج الصناعي في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. كما أن استمرار التحسن في أداء اقتصادات الدول الصاعدة أسهم أيضاً بقدر كبير في نمو التجارة العالمية.