منذ نهاية العام الماضي وصلت خمسة قوارب خشبية تحمل 69 شابّاً مغربيّاً قادمين من مدينة الجديدة إلى البرتغال، بعدما عبروا طريقاً يُعَدُّ خطيراً وصعباً ويفصل بين السواحل المغربية والبرتغالية، ويبلغ طوله نحو 700 كيلو متر. فلماذا أصبح المُهاجرون المغاربة يلجؤون إلى طرق خطيرة للعبور إلى الضفة الأخرى؟ وهل أصبحت البرتغال وجهةً جديدة للعبور عبر المتوسط؟
هجرة نادرة
بحسب وكالة الأنباء البرتغالية فإن قارباً خشبيّاً يحمل ثمانية مُهاجرين مغاربة، تتراوح أعمارهم بين 16 و21 عاماً، وصل في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2019، إلى شواطئ البرتغال. ووصفت السلطات البرتغالية الحادث حينها بـ"غير المسبوق"، إذ تُعَدُّ الحادثة الثانية من نوعها، بعد 12 عاماً على آخر عبور لمهاجرين مغاربة صوب البرتغال.
ووفقاً للمصدر ذاته، فإن المُهاجرين المغاربة عبروا في قارب خشبي يضم عشرة كيلو غرامات من التفاح، ولم تكُن لديهم وثيقة تؤكد هُويَّتهم، ورفضت طلبات لجوئهم باستثناء قاصر يبلغ 16 عاماً.
وجهة جديدة للمُهاجرين السريين
في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي وصل 11 مُهاجراً مغربيّاً (تراوحت أعمارهم بين 21 و30 عاماً) إلى البرتغال على متن قارب خشبي، ورفضت السلطات البرتغالية طلبات لُجوئهم، ليليهم بعد خمسة أشهر، وتحديداً في 6 يونيو (حزيران) الماضي، سبعة مُهاجرين سريين مغاربة إلى سواحل ذلك البلد، بعدما استغرقت رحلتهم نحو أربعة أيام، وأفادت السلطات البرتغالية بأنها ستدرس طلبات لُجوئهم. وفي الشهر ذاته، اعترضت السلطات البرتغالية 22 مُهاجراً مغربيّاً كانوا على متن قارب خشبي، وذكرت وكالة الأنباء الرسمية أنهم سيُحاكمون بتُهمة دخول البلاد بطريقة غير قانونية، وبعد ذلك بأسبوع، وصل 21 مغربيّاً إلى سواحل البرتغال، ما أثار مخاوفَ لدى السلطات من تحوُّل بلادهم إلى وجهة جديدة للمُهاجرين السريين.
وبعد تشديد الرقابة على الحدود الفاصلة بين المدن الشمالية المغربية وإسبانيا، أصبحت مدينة "الجديدة" المغربية بمثابة الوجهة الجديدة للعبور، وهي مدينة قديمة مُحصَّنة تقع على بُعد 96 كيلو متراً جنوب مدينة الدار البيضاء، بناها البرتغاليون في مطلع القرن الـ16، واسترجعها المغرب في عام 1769.
"تفاقمت مُعاناتهم بسبب كورونا"
قال "هشام"، وهو صياد مغربي يعيش في مدينة الجديدة "الشباب هنا يشعر باليأس بسبب عدم وجود فرص عمل، وتفاقمت مُعاناتهم بسبب أزمة كورونا، فلا حديث في المنطقة سوى عن الشباب الذين وصلوا إلى البرتغال". يضيف الصياد المغربي (33 عاماً) "بعد قبول طلب لجوء قاصر من مدينة الجديدة في البرتغال، أصبحت هناك عائلات كثيرة تشجع أبناءها على الهجرة".
وأوضح أن "فكرة (الحريك) معناها أن تتخلص من كل الوثائق التي تؤكد هُويَّتك وتختار المُخاطرة بحياتك للعبور إلى أوروبا بهدف بناء حياة جديدة، وأغلب الشباب هنا يحلم بـ(الحريك)، وينتظر فقط الفرصة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مدينة غنية بالثروات السمكية والفلاحية
في المقابل، أفاد الكاتب المحلي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بمدينة الجديدة، مصطفى أيت جورك، بأن "الشباب في مدينة الجديدة جُلُّهم عاطلون عن العمل على الرغم من أنهم يعيشون في مدينة غنية بالثروات السمكية والفلاحية". وأشار إلى أن "الشركات والمصانع في المدينة تستقطب يداً عاملة من مُدُن أخرى، أو من خارج المغرب، ولا يستفيد منها أبناء المنطقة". وأضاف أن "الشباب يعيشون في فراغ، ويمضون وقتهم في الشارع، كما أن مراكز الشباب والثقافة التي كانت تحتضنهم تراجع عددها في المدينة".
"السماسرة يستغلون وضع الشباب"
تابع أيت جورك قائلاً إن "سماسرة الهجرة غير قانونية في المدينة يستغلون وضع الشباب، ويبحثون عن نقاط جديدة للعبور، ويُوهمونهم بأنهم بمجرد الوصول إلى الضفة الأخرى سيحصلون على أوراق الإقامة". وأضاف أن "هناك حالات لعائلات تشجع أبناءها على الهجرة، وتمنح السمسار مبلغاً يتراوح بين 2000 يورو و5000 يورو"، مشيراً إلى أن "الشباب المغربي يعتقد أنه سيحقق أحلامه بمجرد وصوله إلى أوروبا".
وشدد المتحدث ذاته على ضرورة التقرب إلى الشباب المغربي، مشيراً إلى أهمية تعليم وتأهيل الشباب وإتاحة الفرصة لهم للعمل والاندماج في سوق العمل المحلية. مؤكداً "أهمية فتح دور الشباب لامتصاص غضبهم وإكسابهم مهارات جديدة في حياتهم الاجتماعية والعملية".
اتفاق بين المغرب والبرتغال
في سياق متصل، أكد سفير البرتغال لدى المغرب برناردو فوتشير بيريرا، أن بلاده تتطلع إلى إبرام اتفاق حول الهجرة الشرعية مع المغرب قبل نهاية العام، يُتيح إمكانية العمل لفترات قصيرة للعمال الموسميين، وتوقيع عقود العمل وفق احتياجات الشركات البرتغالية، ولمدة أطول. وأشار بيريرا إلى أن مشروع اتفاق حول الهجرة الشرعية بين البلدين يسير قُدُماً، وتمنَّى أن "يتبلور عمَّا قريب".
النموذج الإسباني
أوضح السفير البرتغالي أن البلدين "بصدد دراسة مشاريع نصوص"، مشيراً إلى أن "الاتفاق الذي يعمل عليه حالياً مُستوحى من النموذج الإسباني".
في المقابل، اعتبر السفير المغربي في لشبونة عثمان باحنيني في لقائه مع وسائل إعلام برتغالية، أنه "من السابق لأوانه الحديث عن طريق جديد للهجرة غير الشرعية"، مشدداً على أن "الحدود المغربية تحت السيطرة".