يبدو أن كوريا الشمالية تقف على أعتاب تغيير في القيادة وسط تقارير تفيد بأن زعيمها الشاب، كيم جونغ أون، يرقد في غيبوبة. وبحسب وسائل إعلام كورية جنوبية فإن كيم يو جونغ، الأخت الصغرى للزعيم الشمالي، تتولى زمام المسؤولية في الوقت الحاضر جنباً إلى جنب مع بعض المسؤولين في النظام.
وأفاد تشانغ سونغ مين، المساعد السابق للرئيس الكوري الجنوبي الراحل كيم داي جونغ، أنه لم يُشكّل هيكل كامل لخلافة كيم جونغ أون، لذلك تم وضع كيم يو جونغ في المقدمة؛ إذ لا يمكن إبقاء القيادة فارغة لفترة طويلة في ظل الوضع الصحي المتدهور للزعيم الأعلى.
تأتي هذه التعليقات بعد أن كشف عملاء تابعون للاستخبارات في كوريا الجنوبية عن أن شقيقة الزعيم الكوري الشمالي البالغة من العمر 33 عاماً تعمل الآن بصفتها "الرجل الثاني في السلطة" بحكم الواقع، على الرغم من أنها لم تُعيَّن خليفةً له. وبحسب ما نقلت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية "يونهاب" فإن أخته، وهي النائب الأول لمدير إدارة اللجنة المركزية لحزب العمال الحاكم،تدير شؤون الدولة على أساس ذلك التفويض.
فمن كيم يو جونغ؟ وما حقيقة التقارير الواردة عن توليها الحكم؟
كيم يو جونغ
أصبحت كيم يو جونغ أول عضو في العائلة الحاكمة لكوريا الشمالية يزور الجارة الجنوبية عندما حضرت مراسم افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية في كوريا الجنوبية في فبراير (شباط) 2018، في إطار فورة دبلوماسية بين البلدين انهارت فيما بعد. وعلى الرغم من استخدام بيونغ يانغ لـ"يو جونغ" كوجه دعائي، بحسب وصف الأوساط السياسية في واشنطن، فإنها مدرجة على القائمة السوداء لدى الولايات المتحدة بسبب مزاعم تتعلق بانتهاكات حقوقية داخلية.
يو جونغ، وهي الأخت الصغرى لزعيم كوريا الشمالية ضمن خمسة أبناء للزعيم الأعلى السابق كيم جونغ إيل، تمثلت مهامها الرئيسة خلال الأعوام الماضية في حماية الصورة العامة لشقيقها، حيث كانت تقود قسم الدعاية بالحزب، وقد رافقته خلال محادثات تاريخية جمعته مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في فيتنام العام الماضي.
قبل توليها منصبها الحالي نائباً أول لإدارة اللجنة المركزية لحزب العمال الحاكم، أعيد تعيينها مسؤولاً بديلاً للمكتب السياسي لحزب العمال الحاكم في أبريل (نيسان) الماضي، بعد أن قضت ولايتها الأولى بين عامي 2017 و2019.
منذ بداية العام الحالي، ظهرت يو جونغ بصحبة شقيقها في مناسبات عديدة، وبدت تلعب دوراً قيادياً في حملة ضغط جديدة أكثر تشدداً ضد جارتها الجنوبية، إذ بحسب مراقبين فإنها تؤدي دوراً سياسياً جوهرياً يتجاوز كونها مساعدة لأخيها.
وبحسب وسائل الإعلام في كوريا الجنوبية فإن يو جونغ تشتهر بالقوة والعناد على الصعيد السياسي، حتى إن البعض يشير إليها بأنها أكثر تشدداً من شقيقها. ففي مايو (أيار) الماضي، فككت مكتب الاتصال المشترك بين الكوريتين بسبب نزاع دبلوماسي يتعلق ببعض المنشورات المعارضة التي نقلها نشطاء ضد سياسات شقيقها. وقد كان تفكيك مكتب الاتصال، الذي تم إنشاؤه عام 2018 لتحسين الاتصالات بين الكوريتين، خطوة تكتيكية ورمزية لتوجيه رسالة قوية بشأن قيادتها، لا سيما أنها وجهت قبلها تحذيراً لكوريا الجنوبية.
وفي يوليو (تموز) الماضي أدلت يو جونغ بتعليقات متشددة بشأن عقد قمة أخرى مع الولايات المتحدة؛ إذ قالت في بيان نقلته وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية، إنها "تعتقد أن قمة أخرى غير ضرورية وغير مُجدية بالنسبة لكوريا الشمالية ما دام الجانبان غير قادرين على حل خلافاتهما، وما دامت الولايات المتحدة تتمسك بمواقفها".
وتصر بيونغ يانغ على عدم رغبتها بمواصلة المحادثات مع واشنطن ما لم تتراجع الأخيرة عن سياستها "العدائية"، بحسب وصف كوريا الشمالية. وأعلن زعيم كوريا الشمالية في ديسمبر (كانون الأول) 2019 أن بلاده ستواصل تطوير أسلحة استراتيجية حتى يتم إنهاء سياسة الولايات المتحدة العدائية تجاه كوريا الشمالية، وستقدم قريباً أسلحة استراتيجية جديدة؛ وهي السياسة التي يرى مراقبون أنها لن تتغير تحت قيادة شقيقته؛ إذ يعتقد متخصصون أن يو جونغ ستكون حاكماً أكثر صرامة ووحشية من شقيقها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لغط انتقال السلطة
على الرغم من حديث المسؤولين والإعلام في كوريا الجنوبية بشأن انتقال القيادة لدى جارتهم الشمالية، يعتقد متخصصون سياسيون أن الأمر ليس كذلك؛ ففي 20 أغسطس (آب) الحالي، قال ها تاي كيونغ، العضو البارز بلجنة الاستخبارات في الجمعية الوطنية لدى كوريا الجنوبية، في تعليقات للصحافيين، إن كيم جونغ أون فوض بعض الصلاحيات إلى أخته، ويرجع ذلك جزئياً إلى الحاجة لتخفيف الضغوط. وبعد ساعات قليلة، أوضح مسؤول صحافي من جهاز الاستخبارات الوطني للصحافيين أن الوكالة تعني ببساطة أنه تم تفويض مزيد من السلطات للمسؤولين مقارنة بالماضي، على الرغم من أن المسؤول الصحافي أشار أيضاً إلى أن كيم يو جونغ هي "بحكم الأمر الواقع الرجل الثاني في القيادة".
ومع ذلك، قال سياسيون إن هذا ليس شيئاً جديداً، وعلى الرغم من كل الاهتمام الإعلامي فليس ثمة علامة على أن كيم جونغ أون يفقد سلطته، أو سيتخلى عنها لأسباب صحية، وذلك بحسب موقع "نورث كوريا نيوز"، المختص بالشأن الكوري. وأحد الاحتمالات هو أن وكالة الاستخبارات كانت تشير ببساطة إلى التغييرات الأخيرة في القيادة الكورية الشمالية استناداً إلى بيان كيم يو جونغ في يونيو (حزيران) الماضي، الذي نقل أن شقيقها "فوضها" لاتخاذ قرارات بشأن شؤون كوريا الجنوبية، وكذلك انتخاب عضوين جديدين للمكتب السياسي.
وقال مارتن وايزر، الباحث المستقل في شؤون كوريا الشمالية "لا أرى أي اختلافات جوهرية في كيفية اتخاذ القرارات في كوريا الشمالية. سيظل كيم جونغ أون يتمتع بحق النقض في جميع القرارات، ويجب إبلاغه بانتظام بعمل المسؤولين الآخرين." وأضاف "يبدو الأمر وكأنه تطبيع لشؤون الحزب، حيث تضم هيئة رئاسة (المكتب السياسي للحزب الحاكم) خمسة أعضاء جنباً إلى جنب مع ممثلي المؤسسات الأربع؛ مجلس الوزراء، والجيش، والحزب، وهيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى".
ويرى سانغ سين لي، الباحث في المعهد الكوري للوحدة الوطنية (KINU) أن ادعاءات كل من الاستخبارات الوطنية وعضو الجمعية الوطنية الكورية الجنوبية "مُبالغ فيها"، قائلاً إنه من غير المنطقي أن يستخدم بعض المراقبين تعليقات الجهتين كدليل واضح على مشاكل كيم جونغ أون الصحية.
وأوضح "لي" أن الركائز الثلاث للنظام السياسي في كوريا الشمالية هي الحزب والحكومة والجيش، ويحاول كيم جونغ أون ببساطة تحقيق توازن بين هذه المؤسسات، وإسناد مزيد من المسؤوليات إلى كبار المسؤولين عن قطاعات معينة لإدارة كوريا الشمالية بطريقة شيوعية "طبيعية".
وقال تشيونغ سيونغ تشانغ، مدير مركز دراسات كوريا الشمالية في معهد سيجونغ، لـموقع "نورث كوريا نيوز": "لا يزال كيم جونغ أون يحتفظ بالسلطة المطلقة والقرارات النهائية في المسائل ذات الأهمية الجوهرية". ومع ذلك، أضاف تشيونغ أن كبار الكوادر يتم منحهم "استقلالية كبيرة في القرارات السياسية" لقطاعاتهم، مما يعني أنهم من الناحية النظرية سيتحملون المسؤولية بشكل مباشر أكثر في حالة الفشل.
وضع يو جونغ
فضلاً عن ذلك، فإنه على الرغم من ظهور كيم يو جونغ في عديد من المناسبات بجانب شقيقها خلال الأشهر القليلة الماضية، فإنها غابت عن آخر حدثين رئيسين للحزب الحاكم، ويفسر مراقبون غيابها إما بسبب أنها فقدت منصبها نائباً لرئيس المكتب السياسي للحزب، وإما بسبب خفض رُتبتها، أو حتى ترقيتها إلى مسؤوليات أكبر. وهناك أسباب أخرى أقل احتمالاً مثل المرض أو السفر لمهام خارج بيونغ يانغ، لكن يبقى ظهورها في وسائل الإعلام الحكومية مستقبلاً محدداً لوضعها الحقيقي.
وبعيداً عن حقيقة وضعها الحالي، فإنه حال توليها الحكم فستصبح يو جونغ أول سيدة تحكم كوريا الشمالية، الدولة المعروفة بتحيزها للذكور، حيث لا تتمتع النساء غالباً بوضع مُتساوٍ للرجال في الأدوار المؤسسية والسياسية على الرغم من أن تعديلاً دستورياً عام 1972 نص على ضمان حقوق متساوية للمرأة. وإذا أصبحت أخت جونغ أون بالفعل الزعيم الأعلى التالي لكوريا الشمالية، وهي دولة تعتمد على الورثة الذكور لتعزيز اسم العائلة والتجارة، فقد يفتح ذلك الباب إلى قيادة موجة جديدة من مشاركة المرأة في نظام الحكم والحياة العامة في البلاد.
حقيقة غيبوبة كيم جونغ أون
هناك لغط آخر بشأن المزاعم الخاصة بصحة كيم جونغ أون؛ فقد أشار المساعد السابق للرئيس الكوري الجنوبي الراحل، على حسابه على "فيسبوك" إلى أن الزعيم الكوري الشمالي يرقد في غيبوبة منذ عملية قلب فاشلة أجراها أوائل أبريل الماضي، وأن جميع ما تداول عن ظهوره كان مزوراً من قبل سلطات الدولة.
إجمالاً، تم تصوير كيم جونغ أون في 16 مناسبة منفصلة منذ منتصف أبريل؛ وكان آخر ظهور عام له عندما ذهب لفحص الأضرار الناجمة عن الفيضانات في وقت سابق من الشهر الحالي، ولكن تم نشر الصور الثابتة فقط من قبل وسائل الإعلام الحكومية، ما جعل من الصعب التحقق من صحة الزيارة. ويقول متخصصون في الشأن الكوري إنه من المعروف أن وسائل الإعلام الحكومية تقوم في كثير من الأحيان بالتلاعب في الصور الثابتة، بما في ذلك تلك التي يظهر فيها كيم جونغ أون. وقد تم تسجيل زيارات غير مؤرخة لمواقع بناء مستشفى بيونغ يانغ العام ومزرعة كوانغتشون للدجاج، والتي تم نشر مقاطع فيديو لها في أواخر يوليو الماضي، مما يوفر نقاطاً مرجعية بصرية إضافية.
وبحسب تحليل أجراه موقع "نورث كوريا نيوز" يقارن مقاطع الفيديو مع صور الأقمار الصناعية المتاحة تجارياً، فإن الزيارات قد تمت قبل أيام فقط من تقارير وسائل الإعلام الحكومية، وهو استنتاج تم التوصل إليه من خلال مطابقة موقع العناصر على الأرض ومراحل تشييد المبنى.