عندما اعتقدت في الأيام الأولى لأزمة فيروس كورونا أن الحكومة قد تكون مهتمة بأخذ الأمر على محمل الجد، ومعالجته كما ينبغي أن تفعل حكومة ناضجة، كنت على اتصال منتظم إلى حد ما مع بعض الأشخاص في كل من مقر رئاسة الحكومة في 10 داونينغ ستريت ووزارة شؤون مجلس الوزراء.
لم يكن هناك شيء رسمي، بل مجرد طرح للأفكار من وقت لآخر. ومن منظورهم يُفترض أن ذلك كان عبارة عن تلقي بعض الملاحظات من خارج محيطهم المضطرب. في البداية ارتأيت أن أتعامل معهم بحسن نية، وكانت مهمة صعبة إلى أبعد الحدود، لذا ربما كان لا بد من ارتكاب أخطاء.
ومع ذلك، كانت هناك لحظة بدا فيها أن التراجع عديم الجدوى، وبعد إحدى إحاطات بوريس جونسون الإعلامية الأولى، جاءني سؤال عبر رسالة نصية يستفسر "ما رأيك؟" فأجبت أنني "اعتقدت أنه كان فظيعاً... وسطحياً وليس على اطّلاع. من الجيد الاعتماد على الخبراء، ولكن القليل من المعرفة الفعلية ستكون مفيدة أيضاً!" حينها قيل لي إن "مجموعات العينات المستهدفة (أشخاص يتم متابعتهم بغرض دراسة المزاج الشعبي) معجبة بالإيجابية التي يبديها" وأن "رسالته عن "اتباع طريق العلم" رسالة مهمة، وأنها تصل إلى المقصودين بها ". كنت قد سمعت من قبل أنهم كانوا يستعينون بمجموعات من العينات المستهدفة بصورة منتظمة، وجاءني وقتها التأكيد على ذلك.
ونظراً إلى أننا رأينا الكثير من الأدلة على توزيع عقود بملايين الجنيهات، على ما يبدو بدون مناقصة أو في الواقع من دون أية إجراءات قانونية واجبة خارج الصداقة مع أحد الأطراف التي كانت فاعلة في حملة التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بهدف المساعدة في إيصال الرسائل الحكومية وإظهار إنجازاتها.
من المنصف القول إن أجور العاملين في مجال التواصل لم تكن مرتبطة بالأداء، بالنظر إلى الرسائل المتناقضة التي كانت واحدة من أبرز الإخفاقات الحكومية في إدارة الأزمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل يمكن أن يكمن سبب ذلك في عددهم البالغ 80 عضواً؟ أو في وسائل الإعلام المرنة بصفة عامة؟ أو فقط في العجرفة المطلقة لأولئك الذين يشعرون أنهم ولدوا من أجل الحكم، وأن القواعد المذكورة تطبّق فقط على المحكومين؟ لا أعرف. لكن يبدو أن المحافظين غير مهتمين على الإطلاق بأي انتقادات تُوجّه لهم، وفي الأساس ليس لدينا حكومة بقدر ما لدينا حملة دعاية سياسية متواصلة.
وبطبيعة الحال فإن الحكومة تمارس السياسة، ويكرّس أي سياسي نصف اهتمامه على الأقل لمراقبة ردود الناخبين على أي موقف، بغض النظر عن مدى بُعد موعد الانتخابات القادمة. وتتمتع مجموعات العينات المستهدفة بمكانة في سياق عملية تقييم المزاج العام. لكن من وجهة نظري أن المحافظين يبالغون في الاعتماد عليها إلى حد بعيد، ناهيك عن أنه لا ينبغي تمويل عملية تنظيم مجموعات العينات السياسية المستهدفة من قبل دافعي الضرائب، ولا يجب على هذه المجموعات أن تملي الإجراءات المحددة التي تتخذها حكومة تواجه أزمة حقيقية.
لكن ما هما أكبر تحديين يواجهان الحكومة حالياً؟ يتمثل الأول في "كوفيد-19" والتعامل مع الأزمة الصحية الناجمة عنه، وعواقبه الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها. أما الثاني فهو "البريكست"، إذ يقترب الموعد النهائي الذي سنبرم بحلوله صفقة سيئة سيحاولون تسويقها باعتبارها انتصاراً، أو نقذف بأنفسنا خارجه على عجل من دون صفقة وبنتائج رهيبة.
ينطوي هذان الاحتمالان على تداعيات هائلة، ويتوقع المرء من حكومة جادة مع قائد جاد ألا تدخر جهداً في الاهتمام بأدق التفاصيل لضمان الانتهاء من معالجة الكم الهائل من المشكلات القانونية والتقنية واللوجستية المتشابكة التي لا تزال تنتظر الحل، وذلك من دون إشاعة الفوضى في صناعتنا وعلى حدودنا، وبالتالي منع إلحاق مزيد من الضرر بالاقتصاد الهش سلفاً.
ومع ذلك فعندما تتحدث مع أي شخص في الفريق الآخر من مفاوضات البريكست، سيقول لك فقط إنهم ما زالوا لا يعرفون حقاً ما يريده البريطانيون، ولا كيف ينوون تحقيق ما يريدون؟
هناك موقفان يستأثران بالحيز الأكبر من الاهتمام في النقاش العام، ويؤكدان أن السياسة وحملات الدعاية، وليس معالجة القضايا الحقيقية، هما اللتان تتربعان على قمة أولويات الحكومة. ويتمثل هذان الموقفان في "غزو" اللاجئين والمهاجرين للبلاد عبر القناة الإنجليزية، ومحاولة فتح المدارس بشكل كامل.
في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى نايجل فاراج الذي يُعتبر "كما سيسجل التاريخ" ناشطاً بارعاً في حملات الدعاية. فبعدما خسر برنامجه على إذاعة "إل بي سي"، وانتهاء جونسون ظاهرياً من "تنفيذ البريكست،" يحتاج فاراج إلى حملات جديدة ليُحافظ على مكانته، وأيضاً لتجنب المساءلة كما يجب عن دوره في خلق فوضى البريكست المحدقة بالبلاد.
عثَر على إحدى قضاياه المفضلة، وبدأ يظهر باستمرار بمقاطع فيديو صغيرة، محاولاً بطريقة ما أن يساويَ بين بعض النفوس اليائسة في قوارب مطاطية مكتظة مع التحديات التي واجهتها الدولة في عهد تشرشل.
يعبّر هذا بالنسبة لي عن حقيقة فاراج وما يفعله، لذا لا غرابة في ذلك. لكن ما يدهشني هو شعور الحكومة مرة أخرى بأن عليها الرقص على إيقاع أنغامه. بالكاد نمتلك أسطولاً بحرياً بسبب عقد من سياسة حزب المحافظين التي قوّضت دفاعاتنا التي يزعمون الدفاع عنها. ومع ذلك، استناداً إلى ما رأيته، يبدو أن بريتي باتيل وزيرة الداخلية تعتقد أنها تستطيع الفوز بعناوين لافتة في الصحافة المتملقة، وعلى بعض التعليقات الجيدة من مجموعات العينات المستهدفة من خلال "استدعاء البحرية." لذا تبادر إلى استدعاء البحرية، بغض النظر عن أي نتائج قانونية أو عملية.
أما وزارة الدفاع التي يُساور القلق كل رجل وامرأة في مستوياتها العليا من تضاؤل مكانتنا دولياً نتيجة البريكست، فتجد نفسها مضطرة للتظاهر بالتوافق مع الحكومة لأن تلك وظيفتها. ثم هناك ذلك المسكين دان ماهوني الذي بدا لي وكأنه أُخذ رهينة من قبل باتيل بتعيينها له "قائداً لمواجهة التهديد السري عبر القناة"، ومصدر التهديد المهاجرون غير الشرعيين، في خطوة تبدو منقولة حرفياً عن مسلسل "جيش الآباء" الكوميدي.
في غضون ذلك، يراقب الفرنسيون ما يحدث، ويستمعون إلى تذمرنا المستمر حول عدم تعاملهم مع هذا "الغزو" بجدية كما نفعل نحن. وهناك سببان رئيسيان وراء ذلك: الأول، أنّه ليس لديهم حكومة سخيفة، والثاني أنه ليس عندهم وسائل إعلام سخيفة. عندما تتأمل حجم المشكلات الحقيقية التي تستأثر باهتمام الحكومة، هل يجب فعلاً أن تضع قوارب الهجرة المطاطية التي تأتي من فترة إلى أخرى على قمة جدول أعمالها؟
هناك نوعان من الناس في الحياة. فثمة أشخاص يرون مشكلة ويريدون حلها، وآخرون هم أنفسهم عبارة عن مشكلة ويريدون استغلالها. لقد استمعت للتو إلى نشرة إخبارية ألمانية جاء فيها أن الطلاب يعودون اليوم إلى المدارس في ثلاث ولايات أخرى. في غضون ذلك، أُغلقت مدرستان في ولاية مكلنبورغ - فوربومرن التي أعادت فتح مدارسها فعلياً بعد اكتشاف حالات هناك، فيما تُراقب الحكومة الوضع هناك عن كثب.
في إنجلترا، يصمم جونسون على إقحام القضية الحقيقية المتمثلة في حرمان الأطفال من التعليم في أجندته السياسية. يربط الأمر بالنقابات، ويقول الرجل الذي يبدو غير قادر على تحديد عدد أطفاله هو، إن إغلاق المدارس أمر "لا يمكن الدفاع عنه أخلاقياً". ثم يربط الأمر بعدم تصدي (زعيم حزب العمّال) كير ستارمر للنقابات. لكن كلا... هناك مشكلة أكبر.
إن الأمر يتعلق بجيل يتعرض للخيانة من حكومة مصممة على استغلال المشكلة لتحقيق مآربها الخاصة، بدلاً من الانخراط في العمل الصعب المطلوب لحلها.
لكن طالما أن مجموعات العينات المستهدفة الخاصة بحملة التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي تشير في تقاريرها إلى وجود إحساس بالفخر لاستدعاء البحرية، وإلى وصول الرسالة إلى الجمهور بأن ستارمر شخصية ضعيفة أمام النقابات، ما الذي يهمّ تلاميذ مدرسة إيتون الأرستوقراطية (التي تعلم فيها جونسون) حقاً من فوضى الامتحانات وبقاء أبواب المدارس مغلقة؟
© The Independent