تواصلَ مسلسل التصعيد المتبادل، بين المتظاهرين في حراك 23 أغسطس (آب)، في العاصمة الليبية طرابلس، ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، لليوم الرابع على التوالي. فبعدما كانت مطالب المحتجين، في اليوم الأول للحراك، تتلخص في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة وفورية، تطورت الأمور في نهاية اليوم الثالث، حتى وصلت إلى أسوار منزل السراج، فحاصرته مجموعة من المتظاهرين، في وقت متأخر من ليلة الاثنين - الثلاثاء، مطالبين برحيله من منصبه.
وأعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق في وقت لاحق أنه "بسبب انحراف بعض المجموعات المتظاهرة وتعديها على حرمة مسكن رئيس مجلس الرئاسي ستتخذ كل الإجراءات اللازمة بشأن أي تجمعات لا تلتزم بالشروط القانونية للتظاهر".
وجاءت هذه التطورات، بعد التضييق على "الحراك الشعبي" من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوفاق، التي واجهت المحتجين بالرصاص منذ اليوم الأول، ومنعتهم في اليوم الثالث من الدخول إلى "ميدان الشهداء"، الأكبر في المدينة، إضافة إلى الغضب الذي انتاب الشارع الطرابلسي، بعد انتقاد السراج للحراك، وتلميحه إلى وجود أيادٍ خفية تحركه ومالٍ فاسد خلفه، ومحاولته تسييس الاحتجاجات المطلبية. ووصفهم في كلمة تلفزيونية بالمندسين.
كما أصدر أعضاء "الحراك الشعبي" بياناً، عدد بالتفصيل، الخطوات التي لجأ إليها رئيس حكومة الوفاق للتضييق عليهم، ومنعهم من التظاهر في ميادين العاصمة. وطالبوا في بيانهم بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بالتدخل، دعماً لحقهم في التعبير السلمي عن مطالبهم، موجهين دعوات لتنظيم تظاهرة مليونية، يوم الجمعة المقبل، لإسقاط السراج وحكومته.
الحراك على باب السراج
وفي تطور لافت، حاصر المحتجون على تفشي الفساد السياسي والاقتصادي، وتردي الأوضاع المعيشية، منزل رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، في منطقة النوفليين في العاصمة الليبية، مرددين شعارات تطالب باستقالته، وتتهمه بالعمالة والفساد، فيما اختفى حراس المنزل تماماً. وبدا أن السراج لم يكن في المنزل عندما حاصره المحتجون.
نشر مدونون مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، للتظاهرة الحاشدة التي حاصرت منزل السراج، بعد ساعات من إمهال الحركة الاحتجاجية، "حكومة الوفاق" 24 ساعة لإعلان استقالتها، وإعلانها الدخول في عصيان مدني مفتوح.
جاء ذلك بعد ساعات من إصدار أعضاء الحراك بياناً قالوا فيه، "لليوم الثالث تمت مواجهة تظاهرتنا السلمية بالسلاح، على الرغم من وعود رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج وتعهده بحمايتنا". وأضاف البيان "فوجئنا بخروج تظاهرة موازية مؤيدة للرئاسي، لخلق الفوضى والاحتكاك بالمتظاهرين ومضايقتهم، ونؤكد رفضنا لهذه الأساليب، كما نطالب البعثة الأممية بالوقوف إلى جانب المتظاهرين، وحماية حقهم في حرية التعبير".
كما أطلق الحراك حملةً على مواقع التواصل، لإطلاق سراح زملائهم، الذين اعتقلوا على يد قوات أمنية تابعة لـ"حكومة الوفاق"، خلال الأيام الثلاثة الماضية، ونشر أسماء المعتقلين، من بينهم أربعة من منسقي التظاهرات، وبعض الإعلاميين والمواطنين الذين شاركوا فيها.
دعوة حقوقية لوقف الاعتقالات
في السياق ذاته، أصدرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، بياناً أدانت فيه استخدام العنف ضد المتظاهرين، و"الاعتقالات التعسفية"، التي طالت عدداً من الناشطين في طرابلس، من قبل قوات الأمن التابعة لحكومة الوفاق الوطني، لليوم الثالث على التوالي.
وطالبت اللجنة حكومة الوفاق، بـ"إطلاق سراح المعتقلين بشكل فوري، وحملتها مسؤولية سلامتهم، كما دعت إلى حماية المتظاهرين، واحترام حق التظاهر وحرية الرأي والتعبير".
ظهور مفاجئ
من جهته، وبعد غياب طويل عن المشهد، أصدر حزب "تحالف القوى الوطنية"، أحد أهم الأحزاب على الساحة السياسية في ليبيا، الذي أسسه رئيس الوزراء الراحل محمود جبريل بعد سقوط نظام معمر القذافي، بياناً أكد فيه أن "حق التظاهر والتعبير عن الرأي بكل حرية هو حق أصيل من الحقوق المكفولة في الإعلان الدستوري والقوانين المعمول بها في ليبيا، ولا يجوز لأي طرف أن يقوض هذا الحق، أو أن يعتدي على من يمارسه". وشدد على "دعمه الكامل لحق المواطنين في التظاهر السلمي"، مطالباً "حكومة الوفاق بالاستجابة لمطالب الشارع، واتخاذ خطوات عملية، يكون لها مردود ملموس على حياة المواطن".
كما طالب التحالف المتظاهرين بـ"المحافظة على سلمية الاحتجاجات، وعدم تخريب الممتلكات العامة والخاصة"، مديناً "كل أساليب العنف التي مورست ضد الذين خرجوا في احتجاجات شعبية عفوية للمطالبة بحقوقهم الحياتية اليومية، التي يعانون فقدانها منذ سنوات".
محاولة لامتصاص الغضب
في المقابل، طلب السراج "فتح كل ملفات الفساد المتعلقة بإهدار المال العام"، وذلك أثناء لقائه الثلاثاء، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نعمان الشيخ، ما عدته مصادر ليبية عدة، محاولةً لامتصاص الغضب الشعبي، الذي دق أبواب بيته ومقر حكومته في طرابلس.
ووفق بيان للمجلس الرئاسي الحاكم في طرابلس، "تناول الاجتماع الخطوات التي اتخذت بشأن وضع إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، تبعاً للاتفاقية المبرمة بين كل من هيئة الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد في ليبيا". وشدد البيان على "تفعيل نظام إقرارات الذمة المالية لمسؤولي الدولة، كونه خطوة ضمن خطوات لضمان الشفافية ومحاربة الفساد".
وكان السراج أوضح في خطاب موجه للمواطنين، يوم الاثنين الماضي، أن "مكافحة الفساد داخل الدولة ستكون أولوية بالنسبة إليه، خلال هذه الفترة، بعد خروج الاحتجاجات السلمية في طرابلس ومدن أخرى، ضد الفساد وتدني مستوى الخدمات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المزيد من نقد المقربين
من جانبها، واصلت أطراف مقربة من حكومة الوفاق ورئيسها، توجيه اللوم والنقد للسراج، وتحميله مسؤولية تردي الأوضاع في طرابلس، وباقي المدن الليبية، الأمر الذي أدى إلى اندلاع هذه الاحتجاجات. وقال عضو المجلس الأعلى للدولة أبو القاسم قزيط، إن "الاحتجاجات في طرابلس أكثر من مشروعة، والسلطات التنفيذية بلغت مرحلة غير مسبوقة في الفساد والمحسوبية"، مضيفاً في تصريحات تلفزيونية، أن "المجلس الرئاسي حول حياة الناس إلى جحيم، بمشاركة المافيات المسيطرة على ديوان المحاسبة ومصرف ليبيا المركزي"، مشيراً إلى أنه "من غير الممكن أن يتحمل المواطنون أكثر من ذلك، فإما الإطاحة برؤوس الفساد، أو ستعم الفوضى".
فرصة للسراج
في المقابل، واصلت بعض الأصوات في معسكر السراج دعمه، ومطالبة الشارع بمنحه الفرصة لتحقيق ماوعد به في خطابه الأخير، حيث غرد مستشاره السياسي صلاح البكوش، على صفحته بموقع تويتر "لندعم السراج ونختبر مصداقية ما أعلنه عن عزمه إجراء تغيير وزاري مبني على معيار المهنية فقط، وسنعلم خلال أسبوعين أو ثلاثة، إن كان السراج الجديد يختلف عن السراج القديم".
وقال البكوش إنه "من الأهمية بمكان، أن يحكم المواطنون على الوزراء الجدد، كشخصيات مطلعة وصادقة وحاسمة"، مشيراً إلى أنه "يجب أن تمنح وزارات التعليم والصحة والداخلية الأولوية، فهي تقدم خدمة مباشرة للمواطن، وميزانياتها وعدد موظفيها هم الأكبر، وتنتج قدراً كبيراً من شكاوى المواطنين".
أما الإعلامي الليبي فرج حمزة فاعتبر أنه "بعد قراءة معمقة لخطاب فايز السراج الأخير، يتأكد أنه منفصل عن الواقع، ولا أمل في منحه فرصةً جديدة، فخمس سنوات في منصبه، كافية للحكم عليه وعلى أداء حكومته"، مستغرباً حديث السراج عن حدوث حالة فراغ سياسي إذا أُجبر على الاستقالة. وتساءل "أي فراغ يتهددنا به السراج، وماذا نسمي ما نعيشه حالياً إذا لم يكن فراغاً؟ الرجل مغيب عما يجري، وبداية الإصلاح تكمن في رحيله، لترميم ما أحدثه من كوارث على كل المستويات في ليبيا".