الصيغة الموروثة عن لبنان الكبير الذي ولد نتيجة التنافس البريطاني الفرنسي على توزيع ميراث الإمبراطورية العثمانية المنهارة، كانت قابلة للتطوير نحو الأفضل لو توفرت الإرادة لذلك.
هذا ما قاله المؤرخ الفرنسي هنري لورانس المتخصص بتاريخ لبنان في حديث إلى "اندبندنت عربية"، مضيفاً أن الدستور الذي وضع عام 1926، وزع المناصب بين الطوائف بصورة مؤقتة، وأن النظام الطائفي المعتمد حتى اليوم في لبنان، هو ذلك الذي حدده الميثاق الوطني عام 1943. "وقبل هذا العام، لم يكن هناك ما ينص مثلاً على أن الرئيس اللبناني ينبغي أن يكون مارونياً بالضرورة".
التحفظ الفرنسي
وعلى الرغم من دور فرنسا الأساسي في تحديد معالم لبنان الجغرافية والسياسية، لفت لورانس إلى أن الفرنسيين كانوا في حينه متحفظين على قيام دولة لبنانية، وأن الموارنة اللبنانيين هم الذين أصرّوا وفرضوا نشوء هذه الدولة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والميثاق، برأي لورانس من هذا المنطلق "جاء نتيجة تسوية افترضت أن يتخلى المسيحيون عن الحماية الأجنبية، التي كانت متوفرة في ظل الانتداب الفرنسي، وأن يقبل المسلمون بعدم إذابة لبنان في دول العالم العربي".
وامتنع لورانس عن الخوض في ما إذا كان من المتوجب تطوير هذه الصيغة، معتبراً أن هناك دائماً "نموذج المواطنية الذي لا يأخذ بالانتماء الطائفي، وهناك من جهة أخرى، مسألة ما إذا كانت الديموقراطية ممكنة حتى على إعادة إنتاج واقع المجتمع، علماً أن المجتمع اللبناني هو مجتمع طائفي".
وعن نظرته إلى الوضع القائم في لبنان اليوم والدعوات التي تسمع في الشارع حول ضرورة تجاوز الصيغة الطائفية، شكّك لورانس بجدوى ما يقال في هذا الشأن، لافتاً إلى أن تجاوز الطائفية يتطلب تعديلات دستورية.
حقوق الطوائف
ومهما صيغت نصوص تقول بإلغاء الطائفية السياسية، على غرار ما ورد مثلاً في اتفاقية الطائف، فإنها تصطدم برأيه بالواقع المكوّن من استراتيجيات رسمت حول موضوع الحفاظ على حقوق هذه الطائفة أو تلك.
وأكد أن ما يعترض قيام دولة علمانية، هو التعطيل الذي تلتزمه مختلف الطوائف، إضافةً إلى الأمور الاقتصادية المنبثقة من ذلك، ما حال على سبيل المثال دون إقرار الزواج المدني في لبنان.
وبالنسبة إلى دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته لبيروت عقب انفجار المرفأ، إلى تغيير الصيغة السياسية، لفت لورانس إلى أنه ليست لدى فرنسا القدرة ولا الحق في تعديل الدستور اللبناني.
واعتبر أن ماكرون "عندما يطالب بتغيير الصيغة، فإن مقصده هو بناء دولة غير فاسدة، ونظام أقرب إلى المواطنية، لأن هناك فرقاً بين القول بالعمل على توزيع المناصب على أساس طائفي، وبين تكليف الأحزاب الطائفية بتسمية الذين يتولّون المناصب، وإذا تسنى للبنانيين أن يفصلوا بين التعيينات ونفوذ الأحزاب السياسية، فإن هذا سيمثل تقدماً".