في ختام زيارته للبنان التي بدأها مساء الإثنين 31 أغسطس (آب) وبعد سلسلة لقاءات، عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء الأول من سبتمبر (أيلول)، مؤتمراً صحافياً في قصر الصنوبر، كشف فيه أن القوى السياسية التي التقاها وافقت على تشكيل الحكومة بغضون 15 يوماً، وتعهدت بخريطة طريق تشمل إصلاح المركزي اللبناني والنظام المصرفي، مرجحاً أن تنفذ الحكومة اللبنانية الوعود خلال ثمانية أسابيع. وقال "إذا لم تف السلطات اللبنانية بوعودها فستكون هناك عواقب".
وأوضح قائلاً "اختيار الحكومة من مسؤولية السلطات اللبنانية وأنا لست هنا لآخذ دوراً بين الأطراف السياسية"، معتبراً أن رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب يحتاج دعماً.
وقال ماكرون إنه دعا رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب والقوى السياسية إلى مؤتمر يعقد في باريس في النصف الثاني من شهر أكتوبر (تشرين الأول) لتقييم الخطوات المنجزة على صعيد "خارطة الطريق".
وسيتزامن ذلك مع مؤتمر دعم دولي جديد بالتعاون مع الأمم المتحدة لتقديم مساعدات الى البلد الذي يعاني من تداعيات انفجار بيروت المروع. وقال ماكرون إنه سيعود الى لبنان في زيارة ثالثة نهاية العام الجاري، مؤكداً أن "فرنسا لن تتخلى عن لبنان".
وفيما يتعلق بـ"حزب الله" والحديث عن هيمنته المطلقة على المشهد السياسي برمته، قال ماكرون "حزب الله انتخبه الشعب ويمكنني أن أقول: يجب تسليم سلاح الحزب وأعود بعدها إلى بلادي، لكن لا يمكن الخروج من هذا الوضع إلا بالنقاش وهو ما أثرته اليوم". وتابع "لا أتحدّث عن حزب الله بتشكيلته الإرهابية بل أتحدث عنه بتشكيلته السياسية والبرلمانية".
"فرصة أخيرة"
ومارس ماكرون في زيارته الثانية إلى بيروت منذ الانفجار ضغطاً كبيراً على القوى السياسية في "فرصة أخيرة" لإنقاذ النظام السياسي والاقتصادي المتداعي، وفق قوله.
وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي عقده بعد لقائه تسعة من ممثلي أبرز القوى السياسية في مقر السفارة الفرنسية في بيروت في ختام زيارة استمرت يومين "الأطراف السياسية كافة من دون استثناء التزمت هذا المساء بألا يستغرق تشكيل الحكومة أكثر من 15 يوماً".
وتكون عملية تشكيل الحكومات في لبنان عادة مهمة صعبة وتستغرق أسابيع أو حتى أشهر. وتحدث عن "حكومة بمهمة محددة مع شخصيات كفوءة، مؤلفة من مجموعة مستقلة ستحظى بدعم كافة الأطراف السياسية التي التزمت مع رئيس الحكومة" المكلف.
وأكد ماكرون أنه توصل مع الأفرقاء السياسيين الذين التقاهم الى "خارطة طريق" تتناول "إدارة مرحلة ما بعد الانفجار ودعم السكان وإعادة بناء المرفأ وإصلاح الكهرباء ومراقبة رؤوس الأموال ومكافحة الفساد...".
وقال "خارطة الطريق ليست شيكاً على بياض أعطي الى السلطات اللبنانية. إذا لم يتم الإيفاء بالوعود في أكتوبر، ستكون هناك عواقب"، مضيفاً "إنه مطلب محدّد له برنامج زمني يمتد بين ستة الى ثمانية أسابيع".
ورداً على سؤال عما إذا كانت هذه العواقب تعني فرض عقوبات، لم يستبعد الرئيس الفرنسي ذلك، وقال "إذا تم فرض عقوبات، فسيكون ذلك بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي".
وذكر أن العقوبات المستهدفة يمكن فرضها في حالة ثبوت الفساد لكن هذا لن يكون على جدول أعمال مؤتمر أكتوبر لأننا "في خضم عملية بناء ثقة وحوار متبادل".
اللقاء مع فيروز
وانهمرت أسئلة الصحافيين على ماكرون للحديث عما دار في اللقاء مع السيدة فيروز فحرص الرئيس الفرنسي على الإجابة فقط عما يتعلق به شخصياً.
وقال ""فيما يتعلق بفيروز اسمحوا لي أن أحافظ على خصوصية هذا اللقاء. أستطيع أن أقول ما شعرت به وما قلته لها شخصياً. أنا قلت إنني أشعر بالرهبة أن أكون أمام ديڤا مثل فيروز.. هذه الفنانة الوطنية وأن أرى جمالها وهذا السحر الذي تتمتع به وهذا الوضوح السياسي والوعي السياسي".
واعتبر ماكرون أن صوت فيروز ليس "قطعة اكسسوار في مثل هذه الأزمة". وقال "اعتقد أنها تحمل بشكل ربما واقعي أو غير واقعي جزءاً من لبنان الحلم وصوتها مهم للغاية بالنسبة لكل الأجيال التي رافقتها".
وتابع قائلاً إن صوت فيروز لا يزال مهماً. وأضاف "لن أتحدث عنها بالتأكيد لأنني أعتقد أن هذا جزء من الحلم والسر الذي تحيط نفسها به... هذا السر هو جزء من فيروز". وفي عبارة تعكس عمق اللقاء والحرص على الحفاظ على أسراره ختم ماكرون تصريحاته للصحافيين قائلاً "لقد تحدثنا.. وأيضاً صمتنا".
مساعدة تقنية دولية
إلى ذلك، أعلن الرئيس الفرنسي أن التحقيق في انفجار مرفأ بيروت يحصل بمساعدة تقنية دولية وذلك للتأكّد من الشفافية، وتابع "سنرافق عملية إعادة إعمار المرفأ الذي يصب في مصلحة الشعب اللبناني وسنعمل على الحفاظ على الإرث اللبناني وحماية المقرات التاريخية والدينية". وقال "يجب على السلطات أن تستخلص درساً من المأساة".
وأكد الرئيس الفرنسي الحاجة إلى تنسيق أكبر بين الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في جهود دعم لبنان، مكرراً القول "لن ندير ظهرنا عن تقديم المساعدة التي يحتاجها لبنان"، لكنه استطرد قائلاً "لن نقدم للبنان شيكاً على بياض اليوم".
وتابع نسعى إلى تقديم الدعم إلى المراكز الصحية والاستشفائية لمواجهة آثار الانفجار، و"سنقدم سبعة ملايين يورو لمستشفى رفيق الحريري الذي يقوم بعمل استثنائي في مكافحة وباء كورونا".
وأضاف "سنتابع الدعم للمؤسسات اللبنانية الغذائية والتربوية لعودة الطلاب إلى المدارس، ولضرورة إزالة هذه الصعوبات بسبب الانفجار والأزمة الاقتصادية والمالية". وكانت الرئاسة الفرنسية كشفت أن الرئيس إيمانويل ماكرون، سيعود إلى بيروت في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، في زيارة ستكون الثالثة له بعد انفجار المرفأ.
آلية متابعة
وخلال زيارته مرفأ بيروت، قال ماكرون لموقع "بروت" الفرنسي "أقترح أن يكون هناك آلية متابعة، في أكتوبر (تشرين الأول) ثم في ديسمبر، وهذا ما سألتزم به شخصياً".
وأضاف "لن نفرج عن أموال برنامج سيدر... طالما لم يتم الشروع في هذه الإصلاحات وفق الجدول الزمني المحدد، وهذا هو (هدف) موعد أكتوبر، وسأعود أيضاً في ديسمبر لمتابعة ذلك".
وفي وقت ساق اليوم، التقى ماكرون نظيره اللبناني ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري في القصر الرئاسي في بعبدا، قبل أن ينضم إليهما وزراء ونواب ومسؤولون على مأدبة غداء.
مئوية تأسيس لبنان
وبزرع شجرة أرز في محمية أرز جاج في أعالي قضاء جبيل شمالاً، شارك الرئيس الفرنسي باحتفال اللبنانيين الثلاثاء، الأول من سبتمبر، بذكرى مرور 100 عام على تأسيس دولتهم، التي تئن تحت وطأة أزمة اقتصادية طاحنة.
وقدّم فريق العروض بالقوات الجوية الفرنسية، بمشاركة الجيش اللبناني، عرضاً في سماء جاج بألوان العلم اللبناني، ليعود ويتجه ماكرون إلى مرفأ بيروت، لتفقد الأعمال فيه عقب انفجار الرابع من أغسطس (آب).
وغرّد ماكرون بالعربية، قائلاً "الحرية والحوار والتعايش: إنها قيم مترسّخة في لبنان، هذا البلد الذي يستمدّ قوّته من التاريخ المئوي لدولة لبنان الكبير. سيتمكّن لبنان من التعافي من الأزمة التي يمرّ بها. ودعوني أقول لكم بالنيابة عن الفرنسيين إننا سنقف دائماً إلى جانب الشعب اللبناني".
الحرية والحوار والتعايش: إنها قيم مترسّخة في لبنان، هذا البلد الذي يستمدّ قوّته من التاريخ المئوي لدولة لبنان الكبير. سيتمكّن لبنان من التعافي من الأزمة التي يمرّ بها. ودعوني أقول لكم بالنيابة عن الفرنسيين إننا سنقف دائماً إلى جانب الشعب اللبناني. pic.twitter.com/0Iwc046ima
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) September 1, 2020
التهديد بالعقوبات
وفي حديث إلى صحيفة بوليتيكو، قال ماكرون "الأشهر الثلاثة المقبلة أساسية للتغيير الحقيقي في لبنان، وإذا لم يحدث ذلك فسأغيّر مساري، وسنحجب خطة الإنقاذ المالية، ونفرض عقوبات على الطبقة الحاكمة".
وخلال حوار مع ممثلين عن المجتمع المدني والأمم المتحدة، على متن حاملة المروحيات "تونّير" في مرفأ بيروت، قال ماكرون "نحن بحاجة إلى التركيز خلال الأسابيع الستة المقبلة على حال الطوارئ وأن نستمرّ في حشد المجتمع الدولي"، مضيفاً "أنا مستعدّ لننظّم مجدداً، ربما بين منتصف ونهاية أكتوبر (تشرين الأول)، مؤتمر دعم دولي مع الأمم المتحدة".
وفي ما يتعلّق بمصير أموال مؤتمر "سيدر" الذي استضافته فرنسا عام 2018 لدعم لبنان، قال ماكرون إنه لن يطلقها ما لم تنفّذ الإصلاحات، مضيفاً أنه سيستخدم ثقله من أجل تشكيل حكومة لبنانية جديدة تنفّذ ذلك. وأشار إلى أنه "توجد حالياً أزمة تتعلّق بالبنك المركزي في لبنان، النظام المصرفي اللبناني في أزمة. تم اقتطاع كثير من الأموال على الأرجح"، مضيفاً "كل شيء متوقّف الآن ولبنان لم يعد قادراً على تمويل نفسه، لذلك يجب إجراء تدقيق حسابي... هناك أموال لم تذهب للأهداف المحدّدة لها على الأرجح. لذلك نحن بحاجة إلى معرفة حقيقة الأرقام وبعد ذلك يجري اتخاذ إجراءات قضائية".
أما بالنسبة إلى مشاركة "حزب الله" في الحكومة المقبلة، فرأى ماكرو أن الحزب "جزء من النظام السياسي اللبناني ومنتخب".
وفي كلمة ألقاها خلال مأدبة غداء أقامها على شرف الرئيس الفرنسي، أمل الرئيس اللبناني ميشال عون في "تشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على إطلاق ورشة الإصلاحات الضرورية وفي جعل آلامنا حافزاً يدفعنا إلى أن نغدو دولةً مدنيةً حيث الكفاءة هي المعيار والقانون هو الضامن للمساواة في الحقوق". وأضاف "إنني وتحقيقاً للدولة المدنية التزمت الدعوة إلى حوار وطني لكيما نبلغ إلى صيغة تكون مقبولة من الجميع".
أزمة متفاقمة
ويواجه لبنان أكبر تهديد لاستقراره منذ الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975، واستمرت حتى 1990، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة ودمار واسع لحق بالعاصمة بيروت بعد الانفجار الضخم في مرفأها، ووسط احتدام التوتر الطائفي.
وسبق أن زار ماكرون لبنان في أعقاب الانفجار الذي أودى بحياة نحو 190 شخصاً، إلى جانب إصابة ستة آلاف جريح، ودور الرئيس الفرنسي محوري في الجهود الدولية الرامية إلى حضّ زعماء لبنان على مكافحة الفساد، واتخاذ مزيد من الخطوات لإصلاح بلدهم.
وترافقت زيارة الرئيس الفرنسي مع توتّر أمني، إذ شهدت منطقة خلدة جنوب بيروت إطلاق نار، وتدخّل الجيش اللبناني الموجود أساساً في المنطقة لتهدئة الوضع وفتّش السيارات العابرة في المحلة.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن إطلاق النار استهدف مبنى شبلي في خلدة بعد ورود معلومات عن عودة أفراد من عائلة علي شبلي إلى المنزل لأخذ بعض الاحتياجات، فيما كانت العشائر العربية طالبت بعدم عودة أحد من العائلة إلى المنطقة بعد اشتباكات الخميس الماضي بين عدد من أفراد العشائر وعناصر في "حزب الله" تدخلوا دعماً لآل شبلي، تخلّلها تبادل لإطلاق الرصاص والقذائف الصاروخية، وأسفرت عن مقتل شخصين وإصابة آخرين.
مهمة الحكومة تنفيذ الإصلاحات
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبدأ ماكرون زيارته بيروت في وقت متأخر الاثنين، بلقاء أيقونة الغناء العربي فيروز. واستقبله عشرات المحتجين الذين تجمّعوا خارج منزلها في الرابية، رافعين لافتات تعارض تشكيل حكومة مع "القتلة"، وتحذّر ماكرون "الوقوف في الجانب الخطأ من التاريخ".
وقال الرئيس الفرنسي للصحافيين، قبل مغادرته مطار بيروت، حيث كان في استقباله الرئيس اللبناني ميشال عون، إنه يريد "ضمان أن تنفّذ الحكومة المقبلة الإصلاحات الضرورية".
وخلال الساعات التي سبقت وصوله، كلّف عون مصطفى أديب تأليف حكومة جديدة، بعد التوصل إلى توافق بين معظم الأحزاب الرئيسة قال سياسيون كبار إنه جاء تحت ضغط من ماكرون في مطلع الأسبوع. ودعا أديب بعد ترشيحه إلى تشكيل حكومة بسرعة، وتنفيذ إصلاحات فوراً، والتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
توقيع عقود التدقيق الجنائي في المصرف المركزي
في غضون ذلك، أفاد بيان صادر عن المكتب الإعلامي لوزارة المالية اللبنانية، بأن الوزير في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني وقّع، اليوم الثلاثاء، ثلاثة عقود ترتبط بتدقيق جنائي للحسابات في المصرف المركزي، وأضاف البيان أن العقود مع "ألفايرز آند مارسال" و"كيه بي إم جي" و"أوليفر وايمان".
وكانت الحكومة قد وافقت في السابق على تعيين "ألفايرز آند مارسال" لإجراء تدقيق جنائي للمصرف المركزي، بينما سيتولى "كيه بي إم جي" و"أوليفر وايمان" إجراء تدقيق مالي.
حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، قال من جهته في حديث إلى قناة "سكاي نيوز عربية"، الثلاثاء، إن القرارات الجديدة التي أصدرها بشأن متطلبات مطلوبة من المصارف، ستسهم في استقرار سعر صرف الليرة.
وأوضح أن احتياطيات لبنان من النقد الأجنبي تبلغ حالياً 19.5 مليار دولار، علاوة على احتياطيات الذهب، وأنه يجب إعادة 30 في المئة من الأموال التي خرجت من مصارف لبنان، مضيفاً أنه ليس منطقياً أن لا يحتفظ أصحاب البنوك بأموالهم في البنوك المملوكة لهم. وقال إن البنوك التي لن تمتثل إلى أحدث توجيهات بشأن معدلات رأس المال، سيتعيّن عليها الخروج من السوق بعد فبراير (شباط).