بعد عشرة أشهر فقط من الانتخابات التشريعية 2019، تقدمت أمس الثلاثاء الأول من سبتمبر (أيلول) 2020 الحكومة الثالثة برئاسة هشام المشيشي لنيل ثقة البرلمان، في وقت تمر فيه تونس بوضع اقتصادي واجتماعي وسياسي دقيق.
وفي ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء، الأربعاء، منح مجلس نواب الشعب ثقته للحكومة الجديدة برئاسة هشام المشيشي، وصوت 134 نائباً بنعم مقابل 67 نائباً معارضاً، بينما لم يحتفظ أي نائب بصوته، وبذلك تكون حكومة المشيشي الحكومة الثانية التي يمنحها البرلمان الثقة منذ الانتخابات التشريعية في 2019.
وفي مستهل الجلسة، أكد رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي، أن هذه الجلسة تنعقد لمنح الثقة للحكومة التزاماً بما جاء في الدستور، وهو المرجع بين المتعاقدين في ممارسة الحكم، مُقراً بوجود بعض الصعوبات في مسار ترسيخ الديمقراطية الناشئة بتونس.
حكومة عمل وإنجاز
من جهته، أكد المكلف تشكيل الحكومة هشام المشيشي أن حكومته هي حكومة عمل وإنجاز، من خلال البحث عن حلول مبتكرة وغير تقليدية، لتغيير الواقع المتأزم في البلاد. وقال "تونس تعيش لحظة مفصلية في تاريخها"، مشيراً إلى تدهور الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي مع تفاقم الدين العام، الذي بلغ 15 مليار دينار (خمسة مليارات دولار) سنوياً، وتونس مطالبة بدفع 7.5 مليار دولار العام الحالي، بينما بلغ حجم التداين 80 مليار دينار (26.6 مليار دولار).
وتطرق رئيس الحكومة المكلف إلى تدني القدرة الشرائية للتونسيين، مؤكداً تراجع الإقبال على المواد الاستهلاكية 21.5 في المئة، والغذائية 7.5 في المئة، مع تراجع نسب الادخار، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة لتبلغ 15 في المئة.
وبينما دعمت كل من "حركة النهضة" و"قلب تونس" و"تحيا تونس" و"الدستوري الحر" و"كتلة الإصلاح الوطني"، إضافة إلى عدد من النواب المستقلين حكومة المشيشي بمنحها الثقة، رفضت أحزاب أخرى دعم هذه الحكومة. فلماذا رفضت هذه الأحزاب منح ثقتها لحكومة المشيشي؟
حكومة الخوف
زهير المغزاوي، الأمين العام لـ"حركة الشعب"، أكد لـ"اندبندنت عربية" أن الحركة ستكون في معارضة بناءة لهذه الحكومة، واصفاً إياها بحكومة "الخوف"، لأن هناك من سيصوت لها خوفاً من الفراغ، وهناك من سيصوت لها خوفاً من حل البرلمان، معتبراً إياها "حكومة الأمر الواقع" التي فُرضت فرضاً على البرلمان، ومؤكداً أن الذهاب إلى انتخابات مبكرة في البلاد مغامرة خطيرة، لأن العزوف سيكون بشكل كبير.
وصرح بأن "حركة الشعب" تقدمت بمبادرة إلى كل من رئيس الجمهورية والمكلف تشكيل الحكومة هشام المشيشي من أجل إنقاذ البلاد، خصوصاً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، مشيراً إلى إمكانية إبرام عقد اجتماعي بين البرلمان والأحزاب والحكومة ورئيس الجمهورية والمنظمات الوطنية، ووضع أهداف واضحة من أجل طمأنة التونسيين والدخول في هدنة اجتماعية وسياسية خلال سنة ونصف السنة كحد أقصى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مشاورات شكلية
"التيار الديمقراطي" كذلك لم يمنح ثقته لحكومة المشيشي، وصرح نعمان العش النائب عن التيار لـ"اندبندنت عربية" أن المشيشي لم يُشرك الأحزاب في مشاورات تشكيل الحكومة، منتقداً الأحزاب التي عبرت عن رفضها مسار تشكيل الحكومة، إلا أنها دعمتها بمنحها الثقة، مشيراً إلى أن الجلسات التي انعقدت بين الأحزاب ورئيس الحكومة المكلف لم تكن مشاورات بأتم معنى الكلمة، بل كانت جلسات شكلية، اختصرت على التعارف وتناول مواضيع عدة بشكل مقتضب.
إعادة تشكيل المشهد السياسي
في المقابل، تحدث النائب المستقل منجي الرحوي لـ"اندبندنت عربية" عن المشهد السياسي في تونس، داعياً إلى إعادة تشكيله من خلال انتخابات سابقة لأوانها، على قاعدة نظام انتخابي جديد، فيه نظام اقتراع جديد، يأخذ بالاعتبار تمثيلية الأحزاب وإمكانية إفراز أغلبية برلمانية قادرة على أن تحكم من أجل ترتيب وصياغة مشهد سياسي مختلف عن المشهد الحالي، الذي وصفه بالمأزوم والعاجز عن تشكيل أغلبية برلمانية، تعبر عن تطلعات التونسيين.
خرق الدستور
واتهم الرحوي رئيسَ الجمهورية قيس سعيد بخرق الدستور من خلال دعوته لتفعيل الفصل المئة من الدستور، الذي ينص على الشغور واختيار عضو من الحكومة المستقيلة، برئاسة إلياس الفخفاخ، ليكون رئيساً للحكومة، مع تعهده عدم حل البرلمان، والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة.
مسار غير دستوري
وفي سياق آخر، أكد رئيس كتلة "ائتلاف الكرامة" سيف الدين مخلوف، لـ"اندبندنت عربية" أن الائتلاف لم يشارك في اختيار رئيس الحكومة المكلف، ولم يشارك في اختيار الوزراء، ولم يشارك في إعداد البرنامج الحكومي، معتبراً أنه حصل انقلاب على نتائج الانتخابات وعلى إرادة الشعب، وأن مسار تشكيل هذه الحكومة كان غير دستوري، لافتاً إلى أن حزبه لم يصوت لمصلحة حكومة المشيشي، لأنه لا يعرفها ولا يعرف توجهاتها وبرامجها.
الآن وقد نالت حكومة المشيشي ثقة البرلمان بأغلبية مريحة، ستمثل حزاماً قوياً، للبدء في الإصلاحات وإيقاف النزيف الاقتصادي والمالي، هل ستدخل تونس فعلًا في مرحلة من الاستقرار السياسي؟ أم ننتظر جولات أخرى من الصّراعات حول الحكم بين مؤسّسات الدولة؟