بعد نجاة رئيسه راشد الغنوشي من امتحان سحب الثقة، دخل البرلمان التونسي مرحلةً جديدة، على الرغم من تصويت 97 نائباً لصالح تنحّيه عن منصبه.
مشهد برلماني جديد
وستتّسم هذه المرحلة بتشكّل مشهد برلماني جديد، يقطع مع المرحلة السابقة، التي اقترنت بفترة حكومة الياس الفخفاخ المستقيلة، والائتلاف الحكومي الهش، الذي طالبت "حركة النهضة" الإسلامية بتوسيعه، بسبب خلافها الجوهري والعميق مع "حركة الشعب" اليسارية ذات التوجّه العروبي.
كما يدعو الوضع الجديد الغنوشي، إلى قراءة متأنّية لنتيجة التصويت، ولتبعات ذلك على المشهد البرلماني، من أجل تأمين استقرار المجلس، بعدما كشف تصويت يوم الخميس 30 يوليو (تموز) الحالي، عن حجم المعارضة النيابية له.
وكانت نتيجة التصويت، أقلّ من المتوقع بحسب متابعين، نظراً إلى أداء رئيس البرلمان المهتزّ في تسيير شؤون مجلس النواب داخلياً، وأيضاً في موضوع العلاقة بالدول الشقيقة على غرار ليبيا، التي تدخّل الغنوشي في شؤونها الداخلية، في تجاوز لصلاحيات رئيس الجمهورية قيس سعيد، من خلال تواصله مع رئيس "حكومة الوفاق الوطني" فايز السراج وتهنئته على استرجاع قاعدة "الوطية" العسكرية من قوات "الجيش الوطني الليبي" الذي يقوده المشير خليفة حفتر، الأمر الذي اعتبره معارضوه تجاوزاً لصلاحياته وخلطاً للشأن الحزبي بالشأن البرلماني.
توقيت غير مناسب
وإذا كان أداء الغنوشي مهتزّاً، وعدد معارضيه في تزايد، فكيف نجا من لائحة سحب الثقة؟ الإجابة تكمن في عدد من الاعتبارات، أبرزها توقيت الجلسة، إذ حُدِّدت قبل يوم واحد من عيد الأضحى، ولم يحضر الجلسة إلّا 133 نائباً من أصل 217، فيما قُدّرت نسبة التغيّب بحدود الـ 60 في المئة.
وقال المحلل السياسي التونسي هشام الحاجي إن "الجلسة تزامنت مع نهاية سنة برلمانية وسبقتها جلسة مساءلة حول الموضوع ذاته، وكان بالإمكان إرجاء جلسة سحب الثقة إلى ما بعد العطلة البرلمانية". وأضاف أن "الظروف التي أحاطت بموضوع سحب الثقة من الغنوشي، خلقت نوعاً من الالتفاف حوله داخل حركة النهضة، بعكس ما كان متوقعاً"، موضحاً أنه "كان من الأفضل التريّث والتنسيق بين الكتل التي تقدّمت بمشروع لائحة سحب الثقة".
انقسام داخل الكتل
وأكد الحاجي أن "هذه الكتل البرلمانية لا تنسّق في ما بينها، وكان من الأفضل لها الإعداد جيداً لهذه الجلسة، وتجميع أكبر عدد ممكن من البرلمانيين حولها، من أجل ضمان تماسك ووحدة النواب قبل الذهاب إلى الجلسة العامة". وأضاف أن "الكتل التي تقدّمت بلائحة سحب الثقة من راشد الغنوشي تواجه مشكلة مع كتلة قلب تونس، ولا تتعامل معها بكل وضوح، بل وفق المصالح، وهو ما استثمرته حركة النهضة لصالحها. وقد يغيّر تحالف النهضة وقلب تونس، المشهد السياسي والبرلماني في البلاد، خلال الفترة المقبلة، بخاصة في موضوع تشكيل الحكومة والتوازنات السياسية داخل البرلمان".
وأشار الحاجي إلى أن "الكتل الديمقراطية مدعوّة إلى استثمار الوضع الراهن من خلال تمتين التنسيق والتشاور في ما بينها، والابتعاد عن الصراعات الأيديولوجية، على غرار اختلافهم مع الدستوري الحر، والعمل على تقريب وجهات النظر في ما بينهم، ووضع استراتيجية واضحة المعالم والأهداف من أجل الوصول إلى مبتغاهم. وإضافةً إلى كل هذا، كشفت عملية التصويت عن وجود تلاعب وشراء ذمم، من خلال العدد الكبير للأوراق الملغاة" (18 ورقة).
وبخصوص مستقبل البرلمان، دعا الصحافي التونسي، الغنوشي إلى "الترفّع عن الصراعات وأن يكون رئيساً حكيماً للبرلمان، الذي يجمع مختلف التوجّهات السياسية والفكرية، لأن الانقسام اليوم أصبح واضحاً في المجلس، وهو ما سيصعّب عليه المهمة في الفترة المقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأحزاب كالقبائل المتناحرة
من جهة أخرى، شبّه الصحافي برهان بسيس في تدوينة له على "فيسبوك"، الأحزاب المنادية بسحب الثقة من الغنوشي، بـ"القبائل المتناحرة"، مضيفاً أن "ما جمع العائلة الديمقراطية الحداثيّة، هو كُرهها للغنوشي فقط، وليس المصلحة الوطنية أو مشروع سياسي أو حكومة مقبلة، لأن العداوات التي تفرّقهم، أقوى مِمّا يجمعهم ولذلك لم ينجحوا في سحب الثقة من الغنوشي".
وبَيّن بسيس أن "السياسة يجب أن تُمارَس عبر البراغماتية والانضباط والتخطيط وليس وفق الظرفيات والالتقاءات الهشة".
استقالة نائب امرأة من "قلب تونس"
على صعيد آخر، أعلنت النائب عن حزب "قلب تونس" ليليا بالليل يوم الخميس (30 يوليو) على صفحتها على "فيسبوك" الاستقالة من الكتلة بسبب الضغوط التي مُورست عليها، إثر قرارها التصويت لصالح سحب الثقة من الغنوشي، في حين أن "قلب تونس"، لم يُصدِر موقفاً رسمياً موحّداً في هذا الشأن، تاركاً لنوابه حرّية التصويت، في قرار اعتبره المتابعون، "تكتيكياً" يتيح للحزب المناورة، ويضمن التقاءً استراتيجياً مع "حركة النهضة"، في مقابل مكاسب سياسية، قد تتجلّى في الفترة المقبلة من خلال تشكيلة الحكومة.
ودخل البرلمان رسمياً، في عطلة تستمر إلى نهاية شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، بحسب ما أعلن مكتب المجلس. وستشكّل هذه العطلة، فرصةً لرئيس البرلمان والكتل النيابية لإعادة رسم السياسات العامة المتعلّقة بالمتغيّرات الطارئة على صعيد تشكيل الحكومة ومستقبل البرلمان الذي يبقى مهدّداً بالحلّ والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكّرة، في حال لم تنل حكومة الرئيس المكلّف هشام الشيشي ثقة مجلس النواب.