يبدو أن ألمانيا تتجه إلى تعافٍ على شكل الحرف (الرقم) V (ارتفاع النمو بعد هبوطه). وهذا بالطبع خبر سار لألمانيا، لكنه خبر سار أيضاً لشركائها التجاريين، لا سيما في أوروبا الشمالية، وكذلك للاقتصاد العالمي ككل. فألمانيا هي ثالث أكبر بلد مصدّر للبضائع في العالم بعد الصين والولايات المتحدة، وثاني أكبر بلد مستورد، وهذا شديد الأهمية لسائر العالم.
والثلاثاء راجعت الحكومة الألمانية تقديرها للنمو هذا العام فرفعته، بل بالأحرى قلصت توقعات الانكماش، من ناقص 6.3 في المئة إلى 5.8 في المئة. وقد يبدو من قبيل بعض التلهف الترحيب بوضع اقتصادي لا يزال في ركود شديد، لكن التوقع الألماني قابل للمقارنة بتقدير لصندوق النقد الدولي يساوي ناقص 7.8 في المئة ورد في توقعاته الاقتصادية العالمية الأحدث. ولا يمكن للمرء أن يستنتج من ذلك أن بلداناً أخرى ستشهد أداء أمثل مما يتوقع الصندوق، بل من الممكن جداً أن يسجل النمو في المقابل مستويات أدنى من المتوقع. لكن الخبر غير المتوقع يكون مبعث ارتياح في وقتنا هذا.
وأعلن وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير في مؤتمر صحافي التوقعات الجديدة قائلاً، "ما نراه هو تعافٍ سريع في شكل غير متوقع وعلى شكل الحرف V".
وما يبدو أن ألمانيا تمكنت من فعله هو إحلال الطلب المحلي محل الطلب على الصادرات. فمن المرجح أن تهبط الصادرات بأكثر من 12 في المئة هذا العام والواردات بواقع ثمانية في المئة، لكن الطلب المحلي من المتوقع أن يهبط فقط بنسبة 3.6 في المئة.
وهذا منطقي. فقد ملنا جميعاً إلى تأجيل شراء البضائع، وكثير منها مستورد، وأنفقنا المال بدلاً من ذلك على خدمات محلية، سواء كان ذلك في المطاعم أو أي شيء آخر. وستمر بضعة أشهر قبل أن يتضح ما إذا كان في مقدور اقتصاد موجه نحو التصنيع مثل ألمانيا تجاوز الأزمة في وضع أفضل مقارنة بالاقتصادات الموجهة نحو الخدمات، على غرار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وهما أكبر وثاني أكبر بلد مصدر للخدمات في العالم. وبدا أن المملكة المتحدة تعاني ركوداً خطيراً في شكل خاص خلال الفصل الثاني من العام، لكن من المرجح رفع الأرقام ذات الصلة عند مراجعتها، في حين من المتوقع أن يُظهر الفصل الثالث نمواً جيداً.
لكننا لا نستطيع أن نكون على ثقة كاملة بأن التعافي هو بالفعل على شكل الحرف V حتى الآن، وفق تقديرات كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا أندي هالداين، لكن هذه التجربة الألمانية تتوافق مع تفاؤله النسبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويُعَد النمو الألماني الجيد مهماً في شكل خاص لأوروبا الشمالية، لكنه لا يساعد أوروبا الجنوبية كثيراً. ففي الواقع يبدو كأن إحدى سمات الاقتصاد الألماني المحلي المعقولة تتمثل في تمضية عدد متزايد من الناس عطلهم في بلادهم بدلاً من السفر إلى البلدان المتوسطية.
وثمة نمط مشابه في المملكة المتحدة، مع عامل مضاف يتلخص في أن تمضية البريطانيين عطلاً في الولايات المتحدة مستحيلة في المستقبل المنظور. والمهم في الأمر أن صندوق النقد يتوقع تقلصاً يبلغ 12.8 في المئة هذا العام في كل من إيطاليا وإسبانيا. ومن قبيل اللطف أن نفكر أن البلدين سيتمكنان أيضاً، على غرار ألمانيا، من أن يحققا نتيجة اقتصادية أفضل مما يتوقعه الصندوق، لكن الأدلة على ذلك ليست كثيرة.
وأخشى أن الأدلة التي يعتد بها على تمكن الولايات المتحدة أو عدم تمكنها من تحقيق تعافٍ على شكل الحرف V غير متوافرة بكثرة كذلك. بل إن البيانات في هذا الصدد كثيرة، لكن كلها تقريباً متضاربة. فقد توقع صندوق النقد للولايات المتحدة تراجعاً بنسبة ثمانية في المئة، كما فعل في ما يخص ألمانيا. ولم يحدّث مجلس الاحتياط الفيدرالي رسمياً توقعاته الصادرة قبل شهرين، التي نصت على تقلص بواقع 6.5 في المئة هذا العام، بيد أن محاضر اجتماعات المسؤولين في المجلس تشير إلى أنه قلق في شأن النصف الثاني من العام الحالي. لكنني أرى أن خبراء محترمين في التوقعات الاقتصادية في القطاع الخاص، بما في ذلك "مجلس المؤتمرات الأميركي"، يرجحون الآن انكماشاً بواقع خمسة في المئة هذا العام. وتشير التجربة السابقة في شأن حالات الركود في الولايات المتحدة إلى أن اقتصاد البلاد سيعاود الانتعاش بقوة، لكن كل شيء أصبح مسيساً إلى درجة أرى معها أن من الأفضل الانتظار.
ومع ذلك تتلخص الرسالة البارزة في ما يلي: إن الاقتصادات تتعافى. وفي ألمانيا، يبدو التعافي واضحاً، لكن من الواقعي أيضاً ترجيح سلسلة من النتائج التي تفوق التوقعات في بلدان أخرى أيضاً في الأشهر المقبلة. ولا تزال مرحلة التعافي الحالية مبكرة جداً، لكن التعافي واضح، ولنكرر ما قلناه؛ إن ذلك مثير للارتياح قليلاً.
© The Independent