بعد وقف السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني والمدني مع الجانب الإسرائيلي في مايو (أيار) الماضي، حُرم مرضى غزة من السفر لتلقي العلاج في الخارج على مدار خمسة أشهر، على الرغم من تدخل جهات حقوقية ودولية. وما زاد الأمر تعقيداً إغلاق الحدود بين إسرائيل وغزة بعد تفشي فيروس كورونا في المنطقتين. وفي محاولةٍ لإنقاذ الوضع الكارثي الذي يمر به المرضى في القطاع، تدخلت الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية من خلال ترتيبٍ مؤقت لدعم المرضى الفلسطينيين ومرافقيهم للوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية خارج غزة.
وضمن مساعي الأمم المتحدة في التخفيف من المشاكل التي يعانيها السكان، أعلن منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، التوصل إلى ترتيب مؤقت لعلاج مرضى غزة في الخارج، في ظل النقص الحاد في الكوادر والمعدات الطبية في القطاع المحاصر، وتعد هذه المرة الأولى التي تشارك فيها الأمم المتحدة في تنسيق علاج سكان القطاع، بعد رفض كثير من الطلبات المستعجلة للعلاج طوال أشهر.
ضمن مطالب "حماس"
وسبق أن ناشدت ثلاث نقابات ومنظمات طبية أجنبية خلال الشهرين الأخيرين كلاً من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء المناوب بيني غانتس، ونقابة أطباء الأطفال الإسرائيليين، ضرورة السماح للمرضى الفلسطينيين من قطاع غزة بتلقي العلاج الطبي غير المتاح بالنسبة إليهم.
ووفقاً لمعلومات "اندبندنت عربية"، فإن ترتيب الأمم المتحدة الخاص بالمرضى، أحد مطالب "حماس" التي وضعتها في اتفاقية الهدوء الأخيرة التي أبرمت مع إسرائيل ضمن وساطة جهات عربية ومصرية وأممية، وعلى اعتبار أن الأخيرة أقوى الأطراف وتربطها علاقة جيدة بإسرائيل، كانت الراعية لترتيب سفر مرضى غزة.
كوارث صحية بسبب وقف التنسيق
وفي العادة، يحصل المرضى ومرافقوهم من غزة، على تصريح (إذن دخول الحدود) من إسرائيل، يسمح لهم بالتنقل عبر الحدود إلى أراضيها أو إلى الضفة الغربية والقدس، ويجري ذلك بعد تنسيق تقوم به هيئة الشؤون المدنية (منظمة حكومية تعنى بالتواصل مع الإسرائيليين بخصوص تنقل الأفراد أو المرضى عبر حدود إسرائيل)، لكن ذلك توقف بعد قرار عباس بتجميد التنسيق الأمني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن إجراءات السلطة الفلسطينية الأخيرة، أدت إلى تراجع غير مسبوق في أعداد المرضى المسافرين عبر الحدود الإسرائيلية، الأمر الذي خلف كوارث صحية، ويقول المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية أشرف القدرة "منذ خمسة أشهر يعاني بشدة قرابة ثمانية آلاف شخص مريض بالسرطان، بسبب عدم توفر العلاج اللازم لهم، وذلك في ظل القيود المشددة المفروضة على المعابر الحدودية، بعد إعلان حالة الطوارئ ووقف التنسيق بين هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية والسلطات الإسرائيلية، مما انعكس سلباً على الأوضاع الصحية للمرضى، الذين لا يتوفر لهم البديل العلاجي المكتمل والملائم في مستشفيات القطاع".
الصحة العالمية بدل هيئة التنسيق مع إسرائيل
وحول الخطة التي توصلت إليها الأمم المتحدة، يقول مدير دائرة العلاج في الخارج بوزارة الصحة الفلسطينية هيثم الهدري "ستتوسط الأمم المتحدة (بواسطة منظمة الصحة العالمية) بين اللجنة المدنية الفلسطينية المسؤولة عن تقديم طلبات التصاريح من قبل السلطة الفلسطينية، والسلطات الإسرائيلية في معبر إيرز. وسيحل النظام المؤقت محل جهاز التنسيق الثابت بين السلطات".
وفي التفاصيل، فإن دائرة العلاج في الخارج ستقوم بتجهيز التحويلات الطبية كاملة، وتقوم بإرسالها إلى البريد الإلكتروني الخاص بمنظمة الصحة العالمية (تنوب عن الأمم المتحدة)، وبدورها تقوم بالتواصل مع الجانب الإسرائيلي من أجل الحصول على تصريح دخول المريض عبر معبر إيرز (حدودي بين غزة وإسرائيل لتنقل الأفراد).
ويوضح الهدري أن منظمة الصحة العالمية ستعمل بدلاً من دائرة التنسيق في وزارة الصحة الفلسطينية، مع الجانب الإسرائيلي، وكذلك تقوم بالمتابعة مع المرضى في موعد السفر، مشيراً إلى أن ذلك يأتي التزاماً بقرار الرئاسة في وقف جميع أشكال التنسيق الأمني والمدني مع الإسرائيليين.
وبحسب الهدري، فإن تدخل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية مؤقت، لحين عودة التنسيق الأمني والمدني مع الإسرائيليين، وبعدها يعود ترتيب سفر المرضى إلى دائرة التنسيق في وزارة الصحة الفلسطينية.
ومن المتوقع أن يدخل الحل المؤقت موضع تنفيذ بداية الأسبوع المقبل، على أن تشمل تحويلات مرضى غزة إلى مستشفيات الضفة الغربية والقدس الشرقية وإسرائيل، ما عدا الأردن بسبب إغلاق الطرق نتيجة تفشي كورونا.
إلى الضفة الغربية والقدس وإسرائيل
من جهته، يقول مدير اللجان الطبية في دائرة العلاج بالخارج في وزارة الصحة الفلسطينية عوض الهلول، إنه سيتم إصدار أكثر من 20 تحويلة طبية كل أسبوع من قطاع غزة إلى مستشفيات الضفة الغربية والقدس وإسرائيل.
وبحسب الهلول فإن التحويلات الطبية ستقتصر على مرضى الأورام وإنقاذ الحياة، وذلك بسبب إعلان حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية نتيجة تفشي جائحة كورونا بشكل كبير. ومن المقرر أن يُحول مرضى الأورام الدموية والسرطان إلى مستشفيات الضفة الغربية والقدس الشرقية، أما "إنقاذ الحياة" (زرع النخاع الشوكي) فيحولون إلى مستشفيات إسرائيل.
وفي الحقيقة، أوقفت السلطة الفلسطينية التحويلات الطبية من قطاع غزة والضفة الغربية إلى إسرائيل بشكلٍ نهائي في مارس (آذار) العام الماضي، رداً على قرار تل أبيب اقتطاع جزء من أموال المقاصة الفلسطينية (الضرائب التي تجبيها إسرائيل على البضائع الواردة لفلسطين نيابة عن السلطة).
لكن الهلول يقول إن "تدخل الأمم المتحدة سيعيد تنقل مرضى غزة إلى مستشفيات إسرائيل، على الرغم من معارضة السلطة الفلسطينية لذلك".