أن يكون الفيلم عملاً إبداعياً فنياً أصيلاً ومبهراً لم يعد أمراً يعني أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة الأميركية المانحة لجائزة الأوسكار كثيراً، على ما يبدو أنه يمكن لفيلم أن يكون نصف جيد أن يقتنص جائزة الأفضل ما دام يستوفي شروط ومعايير الأكاديمية الجديدة، وهي معايير تشبه نظام "الكوتة" الذي يتعرض لانتقادات واسعة عند تطبيقه في مؤسسات حكومية شتى، حينما يتعلق الأمر بنسب تمثيل الموظفين، فالمعيار في الأوسكار بات متعلقاً بالعرق أو الجنس أو اللون. حسناً الأمر وصل لأبرز مؤسسة فنية تمنح جوائز الأفلام، وبالتالي أي عمل غير مستوف لمعايير تمثيل الفئات المنصوص عليها سوف يحرم من الترشح للجائزة الرفيعة حتى لو كان هو الأفضل فنياً... هل ستبقى الجائزة رفيعة ونزيهة وتستند في أحكامها إلى مقاييس فنية بحتة أم هذا سيتحقق فقط إذا أعادت النظر في شروطها الجديدة؟!
مبدأ عدالة الفرص أم إهمال شرط الموهبة والكفاءة؟!
لم يهدأ تويتر منذ أن أعلنت الأكاديمية عبر موقعها الرسمي عن تعديل معاييرها فيما يتعلق بالترشيح لجائزة أفضل فيلم، حيث حددت بشكل صارم الشروط الواجب توافرها في العمل المؤهل للترشح، وأغلبها مرتكز على ضرورة تمثيل النساء و"الأقليات" وإعطاء الفرص لذوي العرقيات والميول المختلفة في الظهور بشكل ملائم في مجال صناعة الأفلام، وهي المعايير التي ستسري رسمياً مع حفل الأوسكار الـ96، عام 2024، حيث تعالت الصيحات الرافضة رغم وجود بعض الترحيب، ولكن الأصوات المنددة كانت أقوى، حيث ترى أن معايير مثل الكفاءة والموهبة والجودة هي التي يجب أن تتحكم فقط، وأن إعطاء الفرص يجب أن يكون على هذا الأساس العادل، فيما أشار بعض المغردين العرب إلى أن تلك الشروط هي المعادل الأميركي لمصطلح "السينما النظيفة" الذي راج عربياً مع أوائل الألفية الجديدة، حيث كانت هناك شروط غير مكتوبة لنوعية الأفلام السائدة خصوصاً في السينما المصرية حينها، وهي عدم احتوائها على مشاهد جريئة، وأن تكون موضوعاتها "صديقة للأسرة"، ورغم اختلاف التوجه، لكن فكرة الشروط نفسها ذكرت رواد تويتر بهذا المصطلح الذي بدأت تتخلص منه الأفلام العربية تدريجياً أخيراً.
ورغم أن الأكاديمية ترى أن تلك الشروط تحقق التمثيل العادل، ولكن كثيرين وجدوا أن الشروط لا تليق بمهنة قوامها الإبداع من الأساس، فوفقاً لبيان الأكاديمية، فإن الأفلام التي سوف تترشح لجائزة أفضل فيلم ينبغي أن تتضمن عدة شروط أبرزها أن يكون محور القصة قائماً على قضايا تخص النساء أو ذوي الاحتياجات الخاصة ومن يعانون من مشكلات في السمع أو ذوي الميول الجنسية المثلية، كذلك ضرورة التمثيل العرقي سواء فيما يتعلق بالبطل الرئيس للعمل أو الممثل المساعد، حيث يجب ـ بحسب الأكاديميةـ أن يكون أميركياً من أصل أفريقي أو من الشرق الأوسط أو لاتينياً أو منحدراً من أعراق أخرى قليلة الظهور على شاشة السينما مثل السكان الأصليين في ولاية ألاسكا الأميركية أو من سكان جزر المحيط الهادي، وأن يتضمن طاقم التمثيل في الأدوار الأصغر أيضاً فئات تعتبرها الأكاديمية غير ممثلة بشكل جيد مثل المثليين والنساء وذوي الإعاقة والمنحدرين من أعراق لاتينية أو أفريقية أو غيرها.
الأكاديمية قالت أيضاً إنه يمكن التغاضي عن الشروط الأولى مقابل تحقيق أخرى بديلة مثل تمثيل تلك الفئات تمثيلاً جيداًـ وضعت الأكاديمية نسبته وتفاصيله في بيانهاـ كأن يكونون ضمن المناصب القيادية في فريق الإنتاج والإخراج والأقسام الإبداعية الأخرى وراء الكاميرا، فالشروط إجمالاً أربعة شروط مكتوبة بالتفصيل، ويمكن لصناع الأفلام أن يضمنوا النظر لفيلمهم ليكون مؤهلاً للوجود ضمن قائمة الترشح إذا نجحوا في تحقيق اثنين منها على الأقل!
شروط صارمة لتمثيل الأقليات... هل يقاطع كبار المخرجين الأوسكار؟
إذاً على صناع الأفلام ألا يبحثوا عن القصة الأكثر إلهاماً أو الممثل أو المصور الأكثر توافقاً مع رؤيتهم، ولكن فقط من ترضى عنهم الأكاديمية كي لا يتهم بالتمييز العنصري ضد أي فئة، اللافت أن المبالغة في تلك الشروط يراها البعض تمييزاً عنصرياً بحد ذاته ففكرة "الكوتة" عموماً هي فكرة تبخس المستفيدين منها حقهم، سواء كانوا نساء أو أفراداً من أعراق لاتينية أو آسيوية أو غيرها، وتظهرهم وكأنهم مفرضون على المشروع، ولا تميزهم إيجاباً، فأن ترسل شركة الإنتاج قائمة سرية بأسماء فريق العمل سواء خلف أو أمام لكاميرا ومع كل اسم ما يثبت هويته العرقية مثلاً وأصوله أو ميوله الجنسية، كي تضمن أن يأخذ فيلمها فرصته في الترشح هو أمر يبدو وكأنه تمييز عنصري ويحكم على المتواجدين بالقائمة وفق لونهم وميولهم بعكس ما يُروج له.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهو ربما الأمر الذي جعل الممثلة الأميركية كريستي آلي تصف ما حدث بأنه وصمة عار، وأن الأكاديمية ترغب بالتحكم في الفكر الفردي وتساءلت "هل فقدتم عقولكم؟!"، ولكن على ما يبدو أن تغريدتها على موقع تويتر قد وصفت بالقاسية وأسيء فهمها، فسرعان ما حذفتها، وأتبعتها بتغريدة أخرى قالت فيها "حذفت تغريدتي الأولى حول القواعد الجديدة لأفضل فيلم في الأوسكار، لأنني أشعر أن التغريدة لم تعرض وجهة نظري. بشكل كاف، أنا مئة في المئة أقف مع التنوع والتسامح، ولكنني أعارض النسب المئوية للتحكيم الإلزامي المتعلقة بتوظيف البشر في أي عمل تجاري".
إذن كريستي لم تغير وجهة نظرها، ولكنها عدلت من طريقة تعبيرها فقط، فهي ترى أن التنوع أمر مهم، ولكن طريقة تطبيق الأكاديمية له مقيدة تماماً، وبالطبع هي لا تليق بمجال قائم على الفنون.
رأي كريستي لم يكن الوحيد، حيث أبدى الممثل والمنتج الأميركي جيمس وودز انزعاجه من شروط الأكاديمية الجديدة التي تزعم فيها حفاظها على التمثيل العادل والتنوع ومنح الفرص للأقليات غير الممثلة بشكل كبير، حيث كتب عدة تغريدات تهكمية شديدة اللهجة على حسابه الرسمي بموقع تويتر ومنها "إذن، أيها الرفاق، ها هي المتطلبات الإلزامية الجديدة لأهلية الترشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم.. لعبة ممتعة: اختر أي فائز سابق بجائزة أفضل فيلم أو مرشح لن يتأهل بموجب هذه القواعد المجنونة، على سبيل المثال (الأب الروحي) و(إنقاذ الجندي ريان) وغيرها".
هل أثرت المظاهرات الاحتجاجية على قرار الأكاديمية؟
طوال الوقت كانت تتعرض جائزة الأوسكار لانتقادات فيما يتعلق بتمثيل النساء، كما تتهم بأن الجوائز المهمة تذهب دوماً لذوي العرق الأبيض وغيره، ولكن على ما يبدو أن الحل الذي اعتمد لمواجهة تلك الاتهامات، لم يكن مرضياً أيضاً أو حتى عادلاً، والمراقبون يرون أنه استجابة في غير محلها للحركات المتصاعدة التي تنادي بحقوق الأقليات والتى بات صوتها أكثر ارتفاعاً بعد أزمة جورج فلويد الأخيرة الأميركي ذي الأصل الأفريقي الذي قتلته الشرطة الأميركية قبل أشهر، وتعالت المظاهرات الاحتجاجية التي تنادي بالعدالة وتكافؤ الفرص للأقليات كي لا تتكرر مثل تلك الحوادث.
يذكر أن حفل أوسكار عام 2021 تأجل إلى 25 أبريل (نيسان) من العام المقبل بدلاً من موعده الأول في 28 فبراير (شباط)، وذلك بسبب جائحة فيروس كورونا.