خلال قمة قادة جنوب أوروبا "ميد7" المنعقدة في جزيرة كورسيكا الفرنسية، ألتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، الخميس، في محادثات خاصة شملت صفقة أسلحة فرنسية لتطوير سلاح الجو اليوناني.
لم يقتصر لقاء ميتسوتاكيس مع ماكرون على مناقشة التوترات المتزايدة في شرق المتوسط، بل بحسب مصادر حكومية تحدثت إلى وسائل الإعلام اليونانية، تناول الزعيمان الإطار الأوسع للتعاون اليوناني الفرنسي، مع توقعات بإتمام اتفاق بيع الأسلحة الفرنسية التي تتضمن طائرات رافال ومعدات أخرى، حيث شهدت الأيام الأخيرة الماضية، عمليات نشطة من المشاورات بين أثينا وباريس. وأفادت المصادر بأن الصفقة تنطوى على حزمة أسلحة كبرى تتضمن فرقاطتين وما بين 12 و18 طائرة رافال وأسلحة أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تلقت المحادثات بين فرنسا واليونان بشأن صفقات الأسلحة دفعة جديدة بعد أن صرح الرئيس الفرنسي، منتصف أغسطس (آب) الماضي، علناً بدعمه موقف اليونان في المتوتر بشكل متزايد مع تركيا بشأن حقوق التنقيب والمياه الإقليمية في شرق البحر المتوسط. كما نشرت فرنسا مقاتلتين من طراز رافال وفرقاطة في قبرص لإظهار دعمها في مواجهة تركيا.
قوة الردع
كانت اليونان تناقش شراء رافال في عام 2008، لكنها تخلت عن تلك الخطة في أعقاب الأزمة المالية، غير أنه في ظل التطورات الحالية في منطقة شرق المتوسط باتت أثينا تبحث عن سبل لتعزيز قدراتها العسكرية سريعاً. ومطلع سبتمبر (أيلول) الجاري، قال وزير المالية اليوناني إن بلاده مستعدة لإنفاق جزء من احتياطاتها النقدية على شراء الأسلحة وغيرها من الوسائل التي ستساعد في زيادة "قوة الردع"، بعد سنوات من شد الحزام.
وقال مسؤول من الحكومة اليونانية في تعليقات لوكالة رويترز في وقت سابق من الشهر الجاري "نجري محادثات مع فرنسا، ليس فقط مع فرنسا، من أجل زيادة الإمكانات الدفاعية لبلادنا". وأضاف أنه "في هذا الإطار، هناك نقاش يتضمن شراء الطائرات". وفي حين كانت اليونان تستعد لطلب فرقاطتين من مجموعة نافال في أوائل يوليو (تموز) الماضي، تم تعليق المحادثات بعد تلقي عرض أميركي بأربع سفن قتالية ساحلية بسعر مماثل.
ووفقاً لمصدر يوناني مطلع تحدث إلى "اندبندنت عربية"، فمن المتوقع أن يعلن رئيس الوزراء اليوناني تفاصيل برنامج المشتريات العسكرية نهاية الأسبوع الجاري. وأجتمع ميتسوتاكيس، الجمعة الماضية، مع وزير الدفاع نيكوس باناجيوتوبولوس، إلى جانب رئيس هيئة الأركان العامة للدفاع الوطني، كونستانتينوس فلوروس وقائد البحرية ستيليانوس بيتراكيس، لمناقشة التحديث المخطط لقدرات الدفاع اليونانية.
صواريخ كروز
وذكرت وسائل إعلام فرنسية أن العنصر الرئيسي في الاتفاق الجاري بين باريس وأثينا يتعلق بصواريخ كروز البعيدة المدى مثل صواريخ MdcN / Naval Strike التي تُطلق من السفن بالإضافة إلى صواريخ كروز Scalp التي يتم إطلاقها من الجو، لتعزيز القدرة الهجومية المهمة استراتيجياً لليونان.
وأفاد موقع "ديفينس إيروسبيس"، المتخصّص بشؤون التسليح والدفاع، بأن كلا الصاروخين من صنع شركة MBDA، المتخصّصة بتصنيع الصواريخ، وكذلك الأسلحة الأخرى التي ترغب اليونان في الحصول عليها، بما في ذلك الدفاع الجوي الأرضي وصواريخ جو-جو الحديثة مثل الجيل الجديد من MICA-NG. وتريد اليونان صواريخ كروز MdCN وصواريخ Aster للدفاع الجوي، والتي ستبلغ تكلفتها مع أنظمة أخرى أكثر من 2 مليار يورو عند إضافة تكاليف التدريب والبنية التحتية، وفقاً لوسائل الإعلام اليونانية.
علاقة مصر بالصفقة
وفي ما يتعلق بالطائرات الرافال فإن فرنسا تواجه فجوة تتعلق بعدم جاهزية الطلب اليوناني في ظل استعدادها لتسليم صفقات تم التعاقد عليها مع دول أخرى على رأسها مصر وقطر والهند والقوات الجوية الفرنسية، بخاصة أن الصحافة في أثينا واليونان نفت ما ورد بشأن بيع الطرز القديمة من رافال إف1 وإف2، حيث تم تحديث الأسطول الفرنسي إلى إف 3.
ووفقاً للموقع المتخصّص بشؤون التسليح فإنه لتليبية الطلب اليوناني المُلح، سيكون أحد الخيارات هو أن تقوم القوات الجوية الفرنسية بتأجير أو بيع بعض من أسطولها الحالي من رافال إلى اليونان، حيث يتبقى لسلاح الطيران الفرنسي 28 طائرة من صفقة سابقة مع الشركة المنتجة للرافال. لكن أفاد موقع بلغاريا ميلتري، المتخصّص أيضاً بالتسليح والدفاع، أن كلاً من فرنسا وأثينا يدرسان التوصل إلى اتفاق مع مصر التي من المقرر أن تستقبل 20 طائرة من طراز رافال، بحيث تتلقى القاهرة 10 طائرات ويتم منح الـ 10الآخرى لليونان.
ماكرون يقود أوروبا
ويسير الرئيس الفرنسي بخطى ثابتة نحو لعب دور قيادي في الشؤون الأوروبية، لاسيما في ما يتعلق بالصراع في شرق المتوسط حول مصادر الطاقة حيث بدا ماكرون حليفاً قوياً لليونان ودول المنطقة في مواجهة السلوك التركي المعادي وأحد أشد منتقدي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وخلال قمة قادة دول جنوب أوروبا، الخميس، تحدث ماكرون بلهجة صارمة تجاه أردوغان قائلاً إن تركيا "لم تعد شريكة" للاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط بعد قيامها بعمليات تنقيب "غير مقبولة" في المنطقة القبرصية وطالب أوروبا بأن تتحدث بصوت "أكثر وحدة ووضوحاً" وأن تكون أكثر "حزماً" تجاه حكومة الرئيس التركي.
وذهب الرئيس الفرنسي في خطابه، أمام قادة ست دول أوروبية وهم إيطاليا وإسبانيا واليونان وقبرص والبرتغال ومالطا، إلى تحديد خطوط حمر للرئيس التركي في تجاوزاته تجاه جيرانه الأوروبيين أبرزها احترام السيادة الأوروبية.
اليونان تتحرك بهدوء
وتصرّ الحكومة اليونانية على التحرك بهدوء في مواجهة الاستفزازات الخطابية الجامحة التي تدلي بها القيادة التركية والتي تتزامن مع أنشطة المسح الزلزالي غير القانوني الذي أجرته سفينة الأبحاث التركية عروج ريس داخل منطقة تقع في الجرف القاري لليونان. وطالما بعث الرئيس التركي بتهديدات صريحة إلى اليونان، كان أخرها مطلع الأسبوع الجاري عندما توعدها بـ"تجارب مؤلمة" إذا لم توافق على الجلوس في محادثات بشأن موارد الطاقة المتنازع عليها في شرق البحر المتوسط،
وإضافة إلى مراقبة التحركات التركية في المتوسط، تؤكد أثينا تحركاتها الدبلوماسية ساعية إلى تشكيل تحالفات وإقناع الأصدقاء والحلفاء، وكذلك الرأي العام الدولي بشأن التزاماتها القانونية والسلوك المنحرف لتركيا الذي يشكل تهديداً للسلام. وبحسب صحيفة جريك تايمز، قال مساعدو رئيس الوزراء اليوناني إن ميتسوتاكيس والحكومة "اختاروا بوعي عدم الرد على الاستفزازات التركية المستمرة والخطاب التحريضي لأنقرة"، مضيفين أن إستراتيجية التوتر تكشف تركيا أمام المجتمع الدولي.
ولا ترفض الحكومة اليونانية الحوار مع تركيا لكنها تؤكد عدم إمكانية إجرائه قبل أن تنسحب السفن التركية بعيداً عن المياه اليونانية، وهو ما أكده رئيس الوزراء اليوناني، الأسبوع الماضي، رداً على إعلان ينس ستولتنبرغ، الأمين العام للناتو، قبول الطرفين للحوار، الإعلان الذي انتقدته أثينا.
الدبلوماسية والحزم
ويقول مارك بيريني، الأستاذ الزائر لدى مؤسسة كارنيجي أوروبا، إن الحوار والنهج التفاوضيين في التعامل مع الاختلافات هما من الأدوات الأوروبية، وقد تم استخدامها مراراً وتكراراً مع أنقرة – من دون جدوى حتى الآن. وأصبح إيجاد طريق للمضي قدماً أمراً صعباً، كما يتضح من الزيارة غير الحاسمة لوزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى أثينا وأنقرة في 25 أغسطس (آب) 2020.
ويضيف أن أي حل وسط بشأن الحدود البحرية سيبدو كأنه هزيمة للحكومة التركية بعد الخطاب المتطرف الذي استخدمه قادتها في الأسابيع الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، سيتعين على قيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم أن تأخذ في الاعتبار الموقف المتطرف لحليفها المهم، حزب الحركة الوطنية القومية. وإذا كان هذا الافتراض صحيحاً، فقد يستمر التوتر بشأن الحدود البحرية لبضع سنوات أخرى حتى الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) 2023، وهي انتخابات لا يستطيع أردوغان تحمل خسارتها.
على المدى القصير، فإن السبيل الوحيد للمضي قدماً للاتحاد الأوروبي هو التمسك بمبادئه، لا سيما في ما يتعلق بالتضامن الداخلي والاستعداد لمناقشة الاختلافات بطريقة لائقة، مع مقاومة لا لبس فيها لأي محاولة من جانب تركيا "للـبلطجة"، بحسب وصف بيريني، وهذا يستدعي مزيجاً من الدبلوماسية الرشيقة والإشارات العسكرية القوية. وإذا أدركت أنقرة أن الاتحاد الأوروبي متحد بشكل حقيقي، بما يتجاوز الاختلافات الواضحة في الأسلوب واللغة تجاه ما يُجرى، فهناك بالتأكيد طريق للحوار، أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية في نهاية المطاف.